اتساع هوة الانقسام بين أميركا وإسرائيل حول الأسلحة النووية

العقوبات الأميركية الجديدة ضد إيران طمأنت تل أبيب مجددا

TT

كانت فقرة واحدة فحسب مدفونة في واحدة من أكثر الوثائق الدبلوماسية تقليدية الطابع والمؤلفة من 40 صفحة، تحمل نبرة جافة وتلزم الـ189 دولة الموقعة بالعمل على بناء عالم خال من الأسلحة النووية. ومع ذلك، تحولت هذه الفقرة إلى أحدث مصادر الانشقاق بين إسرائيل والولايات المتحدة في خضم علاقة ظلت تنتقل من أزمة لأخرى على امتداد الشهور القليلة الماضية.

خلال اجتماع لمراجعة معاهدة حظر الانتشار النووي في مايو (أيار) الماضي، أذعنت الولايات المتحدة لمطالب دول عربية بأن تحث الوثيقة الختامية إسرائيل على التوقيع على المعاهدة، مما يعد سبيلا لتسليط الضوء على ترسانتها النووية غير المعلنة.

وأشار مسؤول إسرائيلي إلى أن بلاده اعتقدت أنها تلقت تأكيدات من إدارة أوباما بأنها سترفض تضمين مثل هذه الإشارة. وعليه، فإنها رأت في الوثيقة الختامية مؤشرا جديدا على انعدام مصداقية حليفتها الأهم.

وفي زيارة قام بها مؤخرا لواشنطن، أثار إيهود باراك، وزير الدفاع الإسرائيلي، القضية خلال لقاءاته بمسؤولين أميركيين بارزين. ومع اقتراب اللقاء المرتقب بين بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي، والرئيس باراك أوباما، الثلاثاء، في البيت الأبيض، ربما تضفي هذه الصفعة نبرة خلافية على لقاء يحرص الجانبان على تصويره كفرصة أمام إسرائيل والولايات المتحدة لطي الصفحة المضطربة الماضية.

وفي المقابل، تبدلت بعض الأمور نحو الأفضل على صعيد العلاقات الأميركية - الإسرائيلية منذ إلغاء نتنياهو زيارته الأخيرة للبيت الأبيض للإسراع بالعودة إلى الوطن للتعامل مع الأزمة التي أعقبت الهجوم الإسرائيلي المميت ضد قافلة مساعدات إنسانية كانت متجهة إلى غزة في أواخر مايو الماضي. وساعدت موافقة نتنياهو على تخفيف حدة الحصار على غزة، بناء على طلب من واشنطن، على إذابة الجليد في العلاقات بين البلدين، حسب مسؤولين أميركيين وإسرائيليين.

وكان من شأن تمرير حزمة جديدة من العقوبات الأميركية ضد إيران بسبب برنامجها النووي في أعقاب صدور قرار جديد من الأمم المتحدة طمأنة الإسرائيليين مجددا، والذين نظروا بعدم ارتياح إلى محاولات أوباما التعاون مع إيران. وقد وقع أوباما قانون العقوبات الجديدة، الخميس.

من جهته، أوضح ديفيد ماكوفسكي، مدير «مشروع عملية السلام بالشرق الأوسط» التابع لمعهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، أن «النبرة العامة للزيارة أفضل مما كان عليه الحال فيما مضى. هناك تركيز أكبر الآن على التأكد من أن سحابة الصيف رحلت».

عبارة ماكوفسكي تشير إلى خلاف اندلع أثناء زيارة جوزيف آر بايدن، نائب الرئيس الأميركي، لإسرائيل في مارس (آذار) الماضي، عندما وافقت إسرائيل على خطط سكنية يهودية في القدس الشرقية. وقد استشاط أوباما غضبا حيال ما اعتبره إهانة لبايدن. وعندما زار نتنياهو الولايات المتحدة بعد ذلك ببضعة أسابيع، أبدى البيت الأبيض استياءه بإصدار أوامر بمنع كاميرات التصوير من تسجيل الحدث.

إلا أنه رغم تحسن المناخ العام في العلاقات، يرى بعض المحللين أن قضية منع الانتشار النووي تجسد السبب وراء استمرار افتقار إسرائيل للشعور بالأمان حيال نوايا أوباما.

وإلى جانب ذكر إسرائيل، تدعو الوثيقة التي لم تجذب اهتماما عاما كبيرا، لعقد مؤتمر إقليمي عام 2012 لإرساء أسس خلق منطقة خالية من السلاح النووي في الشرق الأوسط. والمؤكد أن إسرائيل ستجد نفسها في وضع لا تحسد عليه خلال مثل هذا الاجتماع. خلال آخر مؤتمر للمراجعة، عام 2005، رفضت إدارة جورج بوش تضمين أي إشارات لإسرائيل، مما شكل واحدا من أسباب عدة وراء انتهاء الاجتماع بخلاف حاد من دون إصدار بيان. هذه المرة، ظنت إسرائيل أن إدارة أوباما ستتخذ الموقف ذاته. وباعتبارها دولة غير موقعة على المعاهدة، غابت إسرائيل عن الاجتماع. لكن مسؤولين أميركيين عقدوا مشاورات مع إسرائيليين بشأن نص البيان مقدما، ووجده الجانب الإسرائيلي غير مقبول، حسبما أفاد مصدر مطلع على المناقشات. وكان من شأن ذلك تعميق حدة الصدمة في النهاية.

من جانبهم، قال مسؤولون بالإدارة الأميركية إن الولايات المتحدة تفاوضت لشهور مع مصر، نيابة عن الدول العربية، للتخلي عن الإشارة إلى إسرائيل. وفي الوقت الذي تؤيد فيه واشنطن هدف بناء منطقة خالية من الأسلحة النووية في الشرق الأوسط، فإنها اشترطت أن يكون أي مؤتمر مجرد منتدى لعقد نقاشات، وليس بداية مفاوضات لإجبار إسرائيل على التوقيع على أي معاهدة.

الملاحظ أن السياسة الأميركية تجاه مخزون الأسلحة النووية الإسرائيلية يشوبها الغموض، حيث تمتنع عن مناقشة هذه القضية علانية أو إجبار الحكومة الإسرائيلية على الاعتراف بوجود هذه الأسلحة.

وإدراكا منها للضيق الذي سببته الوثيقة لإسرائيل، عمدت واشنطن إلى إبعاد نفسها رغم توقيعها عليها.

وفي بيان صدر بعد انتهاء المؤتمر، أعلن جنرال جيمس إل جونز، مستشار الأمن القومي، أن «الولايات المتحدة تستنكر قرار ذكر إسرائيل في القسم الخاص بالشرق الأوسط في وثيقة معاهدة حظر الانتشار النووي»، مضيفا أنه «يندد بالقدر ذاته» بعدم ذكر الوثيقة لإيران بالنظر إلى أطماعها النووية. وقال جونز إن أي مؤتمر حول بناء منطقة خالية من السلاح النووي بالشرق الأوسط يمكن أن يعقد فقط بعدما تحقق إسرائيل وجيرانها السلام.

وأوضح مسؤولون أميركيون أن واشنطن واجهت خيارا صعبا، ذلك أن رفض التوصل إلى تسوية مع الدول العربية بخصوص إسرائيل كان سيقضي على مؤتمر المراجعة برمته. وبالنظر إلى الاهتمام الذي أولاه أوباما لمنع الانتشار النووي، لم يكن بإمكان واشنطن قبول مثل هذه النتيجة. كما أن تلك النتيجة كانت ستعقد محاولات الإدارة بناء جسور تواصل مع العالم العربي، وهي جهود تشكل لب بعض الخلافات الأميركية - الإسرائيلية.

من ناحية أخرى، سيتوافر أمام نتنياهو وأوباما الكثير من القضايا الأخرى لمناقشتها هذا الأسبوع، فمثلا، بعد عدة جولات من المحادثات غير المباشرة التي اضطلع خلالها مبعوث الإدارة جورج ميتشل بالوساطة، تضغط واشنطن على الإسرائيليين والفلسطينيين للشروع في مفاوضات مباشرة. ويرى محللون أن أحد التساؤلات المحورية المرتبطة بالزيارة يكمن في ما إذا كان نتنياهو سيوافق على تمديد التجميد الذي تفرضه إسرائيل على بناء وحدات سكنية جديدة في المستوطنات بالضفة الغربية، والذي ينتهي في سبتمبر (أيلول) المقبل، أم لا. ومن غير المحتمل أن يقدم نتنياهو على مثل هذه الخطوة من دون موافقة الفلسطينيين على الدخول في محادثات مباشرة، حسبما يرى المحللون.

بالنسبة لأوباما، ونتنياهو، ربما تتمثل الأولوية الأكثر إلحاحا أمامهما في بناء الثقة بينهما، ولذلك فإن الصفعة المرتبطة بمؤتمر مراجعة معاهدة حظر الانتشار النووي، رغم ضآلتها، قد تثير مشكلات.

من ناحيته، قال آرون ديفيد ميلر، الذي شارك في مفاوضات السلام في الشرق الأوسط لفترة طويلة «تمكن غالبية الرؤساء الأميركيين الناجحين في التعامل مع إسرائيل، حتى في خضم انعدام الثقة وتفاقم الشكوك، من بناء علاقة عمل جيدة. لقد كانت تلك أزمة ثقة خطيرة على صلة بنظرة كل قائد لعالمه الخاص به».

* خدمة «نيويورك تايمز»