شرطيات قندهار تواجهن تهديدات طالبان

شرطية: اذا عادت الحركة ستقتلنا جميعا

TT

تتجول الشرطيات العاملات بمدينة قندهار، والبالغ عددهن 23 شرطية، داخل مقار الأمنية المحصنة في المدينة، وهن مرتديات للبرقع. هذا الزي ليس اختياريا، بل إنه يعتبر أهم حماية لهن في مدينة يستهدف فيها المتمردون أفراد الشرطة بشكل روتيني، ولدى الغالبية العظمى من سكانها وجهة نظر استعلائية حيال دور المرأة. وهو ما تؤكده اللفتنانت فاطمة إيساكزاي، البالغة من العمر 32 عاما والتي تعتبر الشرطية ذات الرتبة الأعلى، قائلة: «نحن نواجه تهديدات كل يوم. في هذا المجتمع لا ينظر الناس إلينا نظرة إيجابية».

ويشير مسؤولون بقوات الأمن الأفغانية وقوات حلف الناتو إلى أن الشرطيات الأفغانيات يشكلن شريحة صغيرة ولكن متنامية ومحورية في قوات الأمن الأفغانية الوليدة. ولكن الشرطيات يؤكدن أن لديهن شعورا متناميا بالتعرض للخطر في ظل تزايد أعمال العنف والجهود التي تبذلها الحكومة للتوصل إلى هدنة مع طالبان.

وتقول الضابطة صديقة، (29 عاما)، التي نجت من هجوم بالقنابل على أحد مقار الشرطة واضطرت إلى تغيير مقر سكنها ثلاث مرات بسبب التهديدات التي تلقتها من مقاتلي طالبان: «إذا عادت طالبان مرة أخرى فسوف يقتلوننا جميعا. إذا تمت المفاوضات وتوصلوا إلى اتفاق فسيكون لزاما علينا أن نغادر أفغانستان». وتعتبر الشرطيات الأفغانيات ذات أهمية بالغة للجهود الأمنية التي تقوم بها الحكومة، وذلك لقدرتهن على تفتيش النساء عند نقاط التفتيش وخلال الحملات الأمنية. كما أن لديهن قدرة أكبر من رجال الشرطة على استجواب النساء اللاتي لديهن معلومات عن النشاطات الإرهابية أو الإجرامية. كما يشير مسؤولو الناتو إلى أن الشرطة الأفغانية التي يغلب عليها الطابع الذكوري تواجه صعوبات بالغة في التواصل مع النساء اللاتي ربما يعملن مرشدات للشرطة عن أنشطة التمرد أو اللاتي يقعن ضحايا بعض الجرائم. وفي محاولة لسد هذا الفراغ مؤقتا، قام مشاة البحرية الأميركية مؤخرا بتدريب ونشر وحدتين من قوات المارينز الإناث اللاتي كانت مهمتهن تقييم احتياجات المرأة الأفغانية.

وقال المتحدث باسم وزارة الداخلية الأفغانية زاماراي بشاري إن هناك ما يقرب من 700 ضابطة شرطة في أفغانستان، من إجمالي جهاز الشرطة البالغ تعداد أفراده نحو 100000. ويقول مسؤولو الناتو إن الحواجز الثقافية والتعليمية منعتهم من تحقيق هدف توظيف 5000 ضابطة، ولكن المسؤولين الأفغان يقولون إنهم مستمرون في العمل لتحقيق هذا الهدف.

ويعلق بشاري على ذلك قائلا: «أحد أهم أولويات وزارة الداخلية الأفغانية هو زيادة عدد ضباط الشرطة النسائية. نحن بحاجة إلى وجودهن». لكنه أشار إلى أن الوزارة لن تسمح بانضمام الشرطيات إلى الوحدات المتخصصة التي تقوم بمهام خطرة، مثل الغارات. واستطرد قائلا: «إننا لن نعينهن في وظائف تتعارض مع التقاليد والقيم الدينية».

ولكن الشرطيات في قندهار، ثاني أكبر مدينة بأفغانستان ومهد حركة طالبان، يسخرن من هذه الفكرة، مشيرات إلى الطبيعة الخطرة للمهمات التي يقمن بها، والمخاطر التي يواجهنها أثناء عملهن.

وقد تعرض بعضهن لإطلاق النار خلال الغارات على المخابئ التي يشتبه في وجود عناصر من طالبان بها. وتمكنّ في حالات قليلة من اكتشاف رجال مدججين بالسلاح، متخفين في زي نساء ومرتدين برقعا.

وتقول صديقة، التي شأنها شأن الكثير من الأفغانيات تستخدم الاسم الأول فقط،: «لم توفر لنا الحكومة أي شيء. ليس لدي حتى سكين في المنزل. لذلك، فأنا أشعر بالرعب طوال الوقت».

وقد أعطى الضباط المشرفون على الشرطيات مسدسات لخمس منهن فقط. وفي الكثير من الأحيان، يعارض هؤلاء المشرفون جهود مسؤولي الناتو لإلحاق بعض الشرطيات بتدريبات متخصصة. وتقول أني لكروا، ضابطة بالشرطية الكندية تتولى تدريب الشرطيات الأفغانيات في قندهار: «إنهن يتسمن بشجاعة كبيرة، ويقمن بهذا العمل الخطير من دون أسلحة أو معدات ومع ذلك فهن متمسكات بعملهن، وهذا ما يدهشني».

وتقول إيساكزاي إنها تتلقى بشكل مستمر تهديدات من مقاتلي طالبان يتوعدون فيها بقتلهن وإشعال النار في أجسادهن: «يقولون لنا يجب أن تتوقفوا عن العمل مع الحكومة وإلا سنقوم بقتلكن». وقد تم اغتيال إحدى زميلات إيساكزاي في خريف عام 2008. واضطرت معظم الشرطيات إلى تغيير مقار سكنهن بمجرد أن يعلم الجيران بعملهن في الشرطة. جميع الشرطيات، باستثناء خمسة فقط، أرامل ويعتبرن العائل الأساسي لأسرهن، حيث يرفض الأزواج الأفغان بشكل عام السماح لزوجاتهم بالعمل بمجال فرض القانون. وغير مسموح للشرطيات الأفغانيات العمل في مهام التحريات، فعلى الرغم من أنه غالبا ما يسند إليهن مهمة إعداد التقرير عن حوادث العنف الأسري، فإن مهمتهن تقتصر على كتابة التقرير وتقديمها إلى زملائهن من الرجال. وفي أغلب القضايا، يأمر المحققون الرجال بسجن النساء اللائي تركن بيوت أزواجهن حتى يتم الفصل في المنازعات الزوجية. وفي هذا الإطار، تقول لكروا إن الشرطيات يتعاملن مع قضايا «إساءة معاملة المرأة والعنف ضد الأطفال، لكنهن لا يستطعن القيام بالتحقيق. وهذا وضع نحاول تغييره».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص «الشرق الأوسط»