أهالي ضحايا سجن أبو سليم الليبي يشعرون بتراجع الاهتمام الدولي بقضيتهم

محبطون من «بطء تحركات» نجل القذافي ويواصلون التظاهر أمام المحاكم

TT

في حين يواصل أهالي ضحايا سجن أبو سليم الليبي الذي قتل فيه 1200 سجين سياسي عام 1996، التظاهر أمام المحاكم والسفارات إضافة لتأسيسهم رابطة جديدة في بريطانيا أخيرا، إضافة للروابط داخل البلاد، أصبحوا يشعرون بتراجع الاهتمام الدولي بقضيتهم، إضافة لإصابة كثير منهم بالإحباط من «بطء تحركات» نجل القذافي، سيف الإسلام، الذي كان وعد بفتح ملف القضية، ضمن خطوات للإصلاح في ليبيا يقول المراقبون إنها ما زالت تراوح مكانها.

وعاش ذوو السجناء القتلى حتى عام 2002 وهم يعتقدون أن أبناءهم على قيد الحياة خلف الجدران والقضبان، وكانوا في كل أسبوع، وعلى مدى ست سنوات، يسلمون حراس السجن مأكولات وملابس وخطابات سلام، ليوصلوها، لكن هذه الرسائل والطرود لم تصل إلى أبنائهم قط، لأنهم، ببساطة، كانوا قد انتقلوا بالفعل للعالم الآخر.

ومنذ اعتراف الزعيم الليبي معمر القذافي في عام 2006، بوقوع حادث سجن أبو سليم، لم يتمكن ذوو غالبية المساجين القتلى من معرفة ماذا حدث في السجن، وكيف وقعت المذبحة، وأين تمت مواراة جثث أبنائهم، ومن الجاني المسؤول عن ارتكاب الواقعة. وتمسك هؤلاء الأهالي بالأمل الذي أطلقه سيف الإسلام نجل القذافي، حين ظهر على مسرح العمل العام في ليبيا، ودعا لفتح ملف الحادث الذي أصبح محور الحديث بين غالبية الليبيين والمنظمات الحقوقية الدولية، لكن دعوة سيف الإسلام لم تتحول من أقوال إلى أفعال. وفي الوقت الحالي، يقول ذوو الضحايا إن السلطات لم تتأخر فقط في تحقيق العدالة، بل أصبحت تضيق الخناق عليهم لمنعهم من إثارة القضية.

وفي مقهى صغير بمدينة السلوم الحدودية بين مصر وليبيا التقى سعيد البالغ من العمر 47 عاما مع شقيقه عبد المالك. وهذه هي المرة الأولى التي يلتقي فيها الرجلان منذ فرار سعيد إلى مصر هربا من اعتقالات واسعة ضد الإسلاميين في المشرق الليبي بلغت أوجها في منتصف تسعينات القرن الماضي، وقتل فيها العشرات من العناصر المتشددة ومن رجال الأمن والجيش أيضا. ولم يكن سعيد منتميا لأي تيار سياسي أو ديني متشدد، لكن اسمه ورد في قوائم تطلق عليها أجهزة الأمن «الزنادقة» في إشارة إلى الجماعات الإسلامية المتشددة التي كانت تقاتل الدولة منذ أواخر الثمانينات حتى منتصف التسعينات. واتخذت السلطات إجراءات واسعة لبت جذور الجماعات المتشددة؛ منها قصف مناطق في درنة ووديان بالجبل الأخضر، كان معظم قياديي الجماعة وكوادرها قد فروا إليها. وفر سعيد من طبرق، لكن أحد أبنائه الثلاثة اختفى في سجن أبو سليم، ضمن مناصرين لرجل دين كان يدعى «بو الرايقة» في شرق ليبيا. وبعد القضاء على بو الرايقة، وهدم بيته من قبل السلطات عام 1996، خاف سعيد من الملاحقات الأمنية وفر عبر الحدود إلى مصر. وهو الآن، حيث يجلس على مقهى في مدينة السلوم الحدودية، يبدو الحزن العميق في حديثه لأخيه، لأنه كان، كأب، يستقطع من مجهود عمله أموالا ويرسلها إلى ابنه في السجن، بينما اكتشف أخيرا أن نجله كان طوال تلك السنوات في عداد الموتى.

ويقول عبد المالك، شقيق سعيد، إنه ومئات من مدينتي طبرق وبنغازي، من ذوي السجناء الذين قضوا في مذبحة أبو سليم، يقفون كل يوم سبت في الشارع للتظاهر مطالبين بعدة مطالب، على رأسها معرفة مكان جثث أبنائهم، قبل أي شيء آخر. لكن السلطات أصبحت تتصدى لمثل هذه المظاهرات بمظاهرات مضادة يقوم بها رجال أمن وذووهم ممن أصيبوا أو قتلوا في المواجهات مع الإسلاميين. ويقول مصدر في القنصلية الليبية بمدينة الإسكندرية المصرية إن «الضحايا كانوا من الجانبين، ويمكن حل المشكل داخليا، بدلا من اللجوء إلى المنظمات الدولية التي تستثمر هذه الأفعال لأغراض سياسية».

وكانت المعارضة الليبية في الخارج تراهن على ملف سجن أبو سليم كإحدى القضايا التي يمكن أن تشكل ضغطا على النظام الليبي أمام المجتمع الدولي، لكن تصالح ليبيا مع الغرب وسدادها مليارات الدولارات في صورة تعويضات لضحايا حوادث إرهابية اتهمت بالوقوف وراءها سابقا في الخارج، قلل من التركيز على الملفات الحقوقية وحالة الديمقراطية في البلاد التي يحكمها القذافي منذ نحو 41 سنة. ويقول الناشط الليبي في المهجر عبد الباسط هارون الشهيبي: «نعلم أنه أصبح للغرب مصالح مع ليبيا، لكن الدولة الليبية اعترفت بالجريمة ووعدت بإحالتها للقضاء، وطوال سنوات لم يتحقق هذا الوعد».

وأسس الشهيبي، بالتعاون مع ذوي الضحايا داخل البلاد وخارجها، «رابطة أهالي وأصدقاء ضحايا أبو سليم – في المهجر»، متخذا من بريطانيا مقرا لها. وقال الشهيبي لـ«الشرق الأوسط» بعد أن أطلق أمس الرابطة الجديدة، إن «هذه الخطوة جاءت بعد أن لاحظنا ضغوط السلطات على أهالي الضحايا في الداخل.. مثل هذه الضغوطات وقعت يوم السبت الماضي حين كانوا يتظاهرون أمام محكمة شمال بنغازي، حيث قامت السلطات بإطلاق مظاهرة مضادة (من رجال الأمن) تحت اسم (شهداء الواجب)».

كما تشكو «رابطة أهالي شهداء مذبحة سجن أبو سليم»، في الداخل الليبي من تعرضها بين وقت وآخر «لاعتداءات همجية ضد أنشطتها». ويقول ذوو شهداء الواجب هؤلاء؛ ومن بينهم رجال أمن بعضهم معاق وأهالي قتلى من الشرطة، إنهم كانوا ضحية «أفعال الزنادقة»، في إشارة إلى الشبان الذين تأثروا بفكر الجهاد المسلح، والتحقوا زمرا بالجماعات الدينية المتشددة ومنها «الجماعة المقاتلة»، واشتبكوا في بنغازي وطبرق والبيضاء وغيرها من المدن الليبية مع قوات الأمن، في فترة التسعينات التي شهدت عدة محاولات لاغتيال القذافي.

ويوضح الشهيبي أن ذوي الضحايا من مساجين أبو سليم لديهم مطالب؛ «أولا معرفة جثث أولادهم؛ دفنوا أم ألقوا في البحر أم ألقوا في الصحراء؟ ثانيا معرفة من ارتكب الجريمة، فإذا كانت بأوامر من شخص فيجب أن يكشف عنه ويتحمل المسؤولية، وإذا كانت بأوامر من الدولة، فعليها أن تعلن ذلك، وأن تعتذر للناس، وتجلس مع أهالي الضحايا للمصالحة وسداد التعويضات المعقولة».