لبنان: علاقة العمادين سليمان وعون اليوم.. «أقل من عادية»

التمايز بدأ في المسيرة العسكرية وترسخ في الانتخابات الرئاسية

TT

لا تزال ارتدادات قضية «القدح والذم» برئيس الجمهورية ميشال سليمان عبر موقع «الفيس بوك» تتفاعل على الرغم من الإفراج عن الشبان الثلاثة الذين كان القضاء اللبناني قد أوقفهم الأسبوع الماضي بتهمة التحقير برئيس الجمهورية اللبنانية.

فالشبان الثلاثة ينتمون إلى التيار الوطني الحر الذي يتزعمه العماد ميشال عون، ووسائل الإعلام العونية لم تتوان للحظة عن الدفاع عنهم ورفع لواء قضيتهم المعنونة «حرية التعبير»، مما جعل الملف يأخذ طابعا سياسيا ويعيد فتح صفحات العلاقة بين العمادين عون وسليمان التي تدهورت مؤخرا خلال الاستحقاق البلدي بعد اتهام عون رئيس الجمهورية بالتدخل في الانتخابات في منطقة جبيل واستخدام مؤسسات وقدرات الدولة لمساندة طرف ضد آخر.

ولم يكف إعلان العماد عون صراحة أنه ضد الحملة التي يتعرض لها الرئيس لرد التساؤلات ودحر الاستنتاجات خاصة بعدما عمل على لفلفة الأبعاد الحقيقية للقضية وإعطائها بعد قدسية الحريات اللبنانية. فالتمايز بين العمادين بدأ مع انطلاق مسيرتيهما العسكرية. عون كان على المدفعية وسليمان في سلاح المشاة. تخرج سليمان في الأكاديمية العسكرية عام 1970. كان عون يومها مساعدا لقائد فوج المدفعية. قاد سليمان لواء المشاة الحادي عشر بين عامي 1993 و1996 وعندما عين عون قائدا للجيش عام 1984 كان سليمان يتدرج من آمر فصيلة مشاة إلى قائد كتيبة ومدرب في المدرسة الحربية. ميشال سليمان عين قائدا للجيش عام 1998 ورئيسا للجمهورية في عام 2008. هو قائد الجيش الرابع الذي يتولى سدة الرئاسة منذ الاستقلال عام 1943. مقاربة بسيطة لمسيرة العمادين العسكرية ترسخ الفارق في الذهنية العسكرية والسياسية بين ضابط المشاة وضابط المدفعية.

ولد التمايز في المؤسسة العسكرية، وها هو اليوم مستمر. إذ تكشف مصادر قريبة من التيار لـ «الشرق الأوسط» أن «علاقة الجنرالين اليوم (أقل من عادية) فلا اتصالات مباشرة بينهما إلا على طاولة الحوار اللبنانية أو لحل قضايا ساخنة يتولاها نيابة عن عون صهره الوزير جبران باسيل». ولفتت المصادر إلى أن «العلاقة أصلا بين الرجلين علاقة رسمية منذ أن انتخب سليمان رئيسا للجمهورية وهي تدهورت في الانتخابات النيابية ومؤخرا في الاستحقاق البلدي 2010». وتضيف المصادر: «ليس خافيا على أحد أن جمهور (الوطني الحر) لا يكنّ الكثير من المودة للرئيس سليمان وهو من كان يطمح لعودة جنراله إلى قصر بعبدا، فجاء زمن التوافق بالرئيس التوافقي الذي لم يلب طموحات هذا الجمهور».

عندما عاد عون من المنفى الفرنسي في عام 2005 كانت عينه على رئاسة الجمهورية. فكل المعطيات الإقليمية برأيه كانت متوافرة، ونتائج الانتخابات النيابية التي أظهرت تأييد ما يقارب الـ70% من المسيحيين لخياراته جعلته مرشحا جديا لرئاسة الجمهورية. حلت الأزمة والفراغ الرئاسي لـ6 أشهر على التوالي وكانت التسوية على حساب حلم العماد عون الرئاسي. في نوفمبر (تشرين الثاني) من عام 2007 أعلن عون دعمه ترشيح سليمان للرئاسة. ذهب الزعماء إلى الدوحة وعادوا بسليمان رئيسا للجمهورية. أي مراقب للوقائع يدرك تماما صعوبة الموقف العوني وحتى قد يتفهم اليوم الجفاء بعلاقة الجنرالين.

ويصف منسق عام «التيار الوطني الحر» بيار رفول، العلاقة بين عون وسليمان اليوم بـ«العلاقة العادية». ولا ينفي لـ«الشرق الأوسط» أنه «يحصل الكثير من المد والجزر بينهما، وهذا طبيعي في السياسة» ويضيف: «لا شك أن الرئيس سليمان كان طرفا في الانتخابات البلدية في منطقة جبيل لكنه ودون أدنى شك ليس طرفا في السياسة، وعلى الرغم من كل شيء فهو لا يحيد عن الثوابت الوطنية ونحن لا نستطيع أن نعيره على أي موقف سياسي اتخذه».

وإذ يؤكّد رفول على أن ما قام به الشبان الثلاثة من «قدح وذم» بحق رئيس الجمهورية، لم يتم لا من قريب أو من بعيد بالتنسيق مع «التيار الوطني الحر»، يشدّد على أن «ما قالوه لا يمكن أن يعبّر عن رأي التيار بالرئيس سليمان». ويقول رفول: «العماد عون كان واضحا وصريحا بهذا الخصوص. نحن نستنكر هذه الحملة لكننا من جهة ثانية لا نرى ضرورة لتدخل القضاء. كان من الممكن اعتماد أسلوب التنبيه قبل الإقدام على خطوة قضائية بحقهم فهذا يحد من حرية الرأي والتعبير التي نتغنى بها لبنانيا».

وكان القضاء اللبناني قد تحرك تلقائيا الأسبوع الماضي دون مبادرة الرئيس سليمان لرفع أي دعوى بحق هؤلاء الشبان، فالقانون اللبناني واضح في هذا الصدد، إذ تنص المادة 23 في التعديل الصادر في المرسوم الاشتراعي رقم 104 تاريخ 30-6-1977، على أنه «إذا تعرضت إحدى المطبوعات لشخص رئيس الدولة بما يعتبر مسا بكرامته أو نشرت ما يتضمن ذما أو قدحا أو تحقيرا بحقه أو بحق رئيس دولة أجنبية تحركت دعوى الحق العام بدون شكوى المتضرر. ويحق للنائب العام الاستئنافي أن يوقف المطبوعة لمدة لا تقل عن ثلاثة أيام ولا تتجاوز عشرة أيام، وأن يصادر أعدادها، وعليه أن يحيل المطبوعة إلى القضاء الذي عليه أن يقرر في غرفة المذاكرة استمرار توقيفها حتى انتهاء المحاكمة وأن يقضي بالحبس».

وإذ فضل مستشار رئيس الجمهورية ناظم الخوري ربط ما قام به الشبان بـ«العفوية الشبابية» قال: «نعلم تماما أن الشباب اللبناني مُطالب بالتغيير ولكن هناك حدود لا يمكن تخطيها خاصة التطاول بالتشهير الشخصي، فكيف بالأحرى التطاول على المقامات وبالتالي على الوطن». وشدّد الخوري لـ«الشرق الأوسط» على أن «الرئيس سليمان يحترم الاختلاف السياسي ويترك للشباب حرية التصرف، حتى إنه لم يتخذ شخصيا صفة الادعاء لأنه يعتبر نفسه أبا للجميع وبالتالي يتصرف بما يقتضيه مبدأ الأبوة».

وعن علاقة سليمان - عون، قال الخوري: «العلاقة موجودة وطبيعية وهي لم تنقطع، فالعماد عون شريك بالحكم فهو ممثل في مجلس الوزراء وطرف في هيئة الحوار التي يرأسها الرئيس سليمان». وعن غياب الموقف المسيحي الموحد لمواجهة الهجمة على الرئاسة الأولى، قال الخوري: «ما نطلبه ليس موقفا مسيحيا موحدا بل موقفا لبنانيا أوحد، فالرئيس رئيس كل اللبنانيين وليس رئيسا للمسيحيين منهم فقط».