الصين تسعى لتخليص مجتمعها من «الشرور» وسط تخوف متنام من جاذبية الثراء المادي

في حملة أخلاقية يروج لها الإعلام الحكومي

TT

في أبريل (نيسان)، أطلقت الشرطة في بكين حملة «ضربة قاصمة» ضد الدعارة، وأغلقت 33 من أماكن الترفية، ضمنها عدد من بارات كاراوكه وصالات التدليك وملاه ليلية يقال إنها تستخدم كواجهات للعاملين بالدعارة. ويشير متحدث باسم الشرطة إلى أن الحملة الحالية تهدف إلى «القضاء على كل شرور المجتمع ودعم نمط حياة صحي ومتحضر».

وقد نُشرت الشهر الماضي ورقة بيضاء على الإنترنت تصف المواد الإباحية على الإنترنت بأنها «إحدى قضايا الشأن العام المهمة لأنها مدمرة بشكل خطير للصحة الجسدية والنفسية للشباب».

ودعت مجموعة كبيرة من المقالات التي نشرتها صحف ومجلات مدعومة من الحكومة إلى العودة إلى القيم الأخلاقية التقليدية والبعد عن الروح المتنامية عند الكثير من أفراد الشعب الساعية للثراء السريع حتى من خلال تجارة الجنس.

وفي مقال نشر بالمجلة الرسمية للجنة المركزية للحزب الشيوعي، كتب لي تشانغ تشون، عضو بارز في المكتب السياسي للحزب الحاكم قائلا إن على القيادة: «أن تزيل وبحزم هذه المواد الإباحية الداعرة». وأشار تعليق بصحيفة «بكين يوث ديلي» إلى أن الشابات اللاتي يلهثن وراء الرجال الأغنياء «يظهرن وقد انحنين بالفعل أمام المال».

وستجد الحملة الأخلاقية الجديدة صدى، وخصوصا بين كبار السن وطبقات المجتمع الأكثر محافظة - خصوصا في المناطق الريفية - التي تتمسك بصين أكثر تقليدية، حيث يسود الزواج التقليدي ويعد النقاش في قضايا الجنس من المحظورات. ولكن في صين اليوم، الحديثة المتحضرة توجد الحانات في كل مكان، ونوادي «الكارايوكي»، والرقص على العمود، والإعلانات الموحية، ومحلات الجنس وبرامج الإذاعة التي يكون بها الكثير من المداخلات الحميمة، وكما يقول البعض فإن الحديث عن «شرور المجتمع» يُعد مخاطرة تجعل القيادة الصينية تبدو قديمة وغليظة وبعيدة عن الشعب.

ويقول المعلق لي داتونغ إنه: «على مدى السنوات الثلاثين الماضية، ومع الانفتاح والإصلاحات، فإن موقف المجتمع الصيني تجاه الجنس قد تغير كثيرا. فقد أصبح المجتمع متسامحا في الحديث عن الجنس أكثر من الحكومة».

وقال لي إن الحملة ضد الرذيلة ستفشل بسبب ضغط الرأي العام، وإن سكان المدن الصينية سوف يتمتعون قريبا بحياتهم من دون عوائق. وقال الكثير من المحللين إن الحملة قد تكون أيضا وسيلة من وسائل الحكومة لتحويل الانتباه الشعبي عن المشكلات الملحة الأخرى، بما في ذلك الفساد بين صفوفها.

وهذا ما يؤكده هوانغ هونغ، ناشر إحدى المجلات، قائلا: «أكثر الناس يعتقدون أن الحكومة مفلسة أخلاقيا، ما يفعلونه هو إحدى الحملات التي تستهدف القضاء على الأخلاق العامة. على مر السنين، والحكومة تغض الطرف عن منظومة قيم مادية، والآن يحصدون ثمار ذلك. ويلقون باللوم على الناس».

وقد زاد من سخرية الموقف، تلك التقارير المتكررة عن القبض على عدد من كبار المسؤولين في الحزب الشيوعي الحاكم في مواقف محرجة، وهذه القصص يتم تداولها على نطاق واسع على شبكة الإنترنت.

وفي مارس (آذار)، على سبيل المثال، نشر منتدى صيني شهير على الإنترنت مذكرات سرية لمسؤول كبير في شركة للتبغ الحكومية في مدينة لايبين في إقليم غوانغشي يروي فيها مآثره مع 6 عشيقات، وبعضهن يعمل في مكتبه. وبعد الكشف عن هذه المذكرات ألقت السلطات القبض على المسؤول بسرعة.

ويعلق لي على ذلك قائلا: «في العلن، يريدون أن يبنوا لأنفسهم صورة من الأخلاق الرفيعة. ولكن وراء الكواليس يحدث شيء مختلف تماما».

وبدأت الحملة التي استهدفت برامج تلفزيونية تحاول التوفيق بين الشباب والفتيات في مايو (أيار) وكان هدفها الرئيسي برنامج «لو كنت الأوحد» الذي تذيعه محطة «جيانغسو» التلفزيونية، والذي يواجه فيه شاب أعزب 24 فتاة وتغمره كل واحدة منهن بسيل من الأسئلة. ويوجد ضوء أمام الفتيات اللاتي يقمن بإشعال أو إطفاء الأضواء للتصويت على استمرار المتسابق أو خروجه من البرنامج.

وفي الحلقة الأكثر إثارة، سخرت عارضة أزياء في الـ24 من عمرها، من شاب أعزب فقير لا يعمل عرض عليها أن تركب معه الدراجة قائلة «إنني أفضل البكاء في سيارة (بي إم دبليو) على الضحك وأنا على الدراجة».

وقد تسبب هذا التعليق في غضب الرقابة التي أكدت أن هذا الكلام يشير إلى نهج مادي يبحث عن الثراء وهو ما يعادل الدعارة. وأمرت السلطات المحطات التلفزيونية بمنع ظهور العارضة في البرامج في المستقبل.

وقد أثار تعليق هذه الفتاة نقاشا ساخنا داخل المجتمع الصيني، حيث أكد المدافعون عنها أنها فقط قالت في العلن ما يشعر به الكثير في السر.

وينتقد لي تشيو (27 عاما) وهو متسابق شارك في جزء آخر من البرنامج وتعرف على خطيبته هناك: «أنا لا أعتقد أنه كانت هناك حاجة لتدخل الحكومة للتقليل من حيوية البرنامج. حتى إذا كان البرنامج يخضع للرقابة، فإن هذه الأفكار موجودة بالفعل في حياتنا الواقعية. إنها تبحث فقط عن سيارة (بي إم دبليو) ولم تتحدث عن (مرسيدس بنز) أو (فراري)».

وتضيف ينغ يجي (25 عاما) التي شاركت مرتين في المسابقة ولكنها ما زالت حتى الآن تنتظر الشاب المناسب: «أعتقد أن هذا رأي شائع بين الكثيرين وليس خطأ. ولكن لا يجب التلفظ به على شاشات التلفزيون. فما زالت الصين بلدا تقليديا». ويقول متسابق آخر، إلكس تيان لي، الذي ولد في الصين ولكنه انتقل إلى كاليفورنيا بالولايات المتحدة منذ أن كان طفلا، إن البرنامج «لا يعتبر متجاوزا»، خصوصا إذا ما قورن بما يذاع على التلفزيون الأميركي. والمشكلة، كما يقول تكمن ببساطة في أن السلطات الصينية غير معتادة على الحياة اليومية.

وينهي لي حديثه قائلا: «إن تلفزيون الواقع ما زال جديدا على الصين. إنها جرعة شديدة من الواقع لعدد كبير من الناس».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»