رام الله تحرم الحمساويين من الجوازات.. وغزة تصادرها من الفتحاويين

أزمة جوازات سفر أهالي القطاع تتفاقم.. والمؤسسات الأهلية تهدد بالتوجه إلى القضاء

TT

جهود كبيرة بذلها الدكتور ماجد إبراهيم المحاضر في إحدى جامعات قطاع غزة حتى أقنع أحد زملائه بأن يتولى تدريس احدى المواد العملية بدلا منه، ليتمكن من تأدية مناسك العمرة لهذا العام.

وبعد أن دفع ماجد الرسوم لإحدى شركات السفر في مدينة غزة، واستمزج آراء أبنائه وأخواته حول الهدايا التي يرغبون في إحضارها لهم من الديار الحجازية، تبخرت آماله سريعا عندما تبين أن الانقسام الداخلي وحالة الصراع الدائر بين رام الله وغزة ستحول دون تحقيقه الأمنية التي حلم بها، على الرغم من سنوات الانتظار الطويلة التي حرم خلالها من أداء مناسك الحج أو العمرة. فنظرا لأن عددا من المسجلين لأداء مناسك العمرة هذا العام لم يتم تجديد جوازات سفرهم من وزارة الداخلية في الحكومة الفلسطينية في رام الله، فإن سفارة فلسطين في القاهرة ترفض الحصول على تأشيرات زيارة للسعودية على جوازاتهم.

بدا ماجد غاضبا وحانقا بسبب هذا الواقع، ولجأ إلى معارفه الكثر في وزارتي الأوقاف في كل من غزة ورام الله، عساه يسمع ما يشكل سلوى له. وقال ماجد لـ«الشرق الأوسط» إن ما يحدث «يدلل على أن الأمور وصلت إلى حد لا يمكن تحمله، فإن كان الحرص على أداء العمرة والحج لا يشكل سببا كافيا لإقناع الحكومتين بالتعاون فيما بينهما، فحول أي قضية يمكن أن يتعاونا». وترتبط أزمة موسم العمرة بما بات يعرف بـ«حرب الجوازات» بين حكومة رام الله وحكومة غزة المقالة. فحكومة رام الله ترفض أن تجدد جوازات سفر لكثير من الغزيين لدواع أمنية، حيث إن الوزارة تشتبه بأن لهؤلاء علاقة بحماس، وهذا جعل وزارة الداخلية في الحكومة المقالة تقوم بتجديد هذه الجوازات.

وكما هو الأمر في كل القضايا الخلافية بينهما، فإن حكومتي غزة ورام الله تتبادلان الاتهامات بشأن المسؤولية عن تهديد موسم العمرة. لكن أهالي غزة يطالبون الطرفين بتجنيب قضايا الحج والعمرة التجاذبات السياسية. حيث تتهم كل حكومة منافستها بأنها تغلب الاعتبارات السياسية على الطابع الخدماتي. فوزير الأوقاف في غزة يتهم حكومة رام الله بالإخلال باتفاق سابق نص على أنه سيتم «تفييز» كل جواز سواء أكان مصدره رام الله أم كان مجددا في غزة، منتقدا عدم السماح لبعض الغزيين من الحصول على جوازات السفر من رام الله. ويطالب حكومة رام الله بإرسال جوازات سفر لتمكين المرضى والطلاب والحجاج من مغادرة القطاع.

أما وزير الأوقاف في رام الله فيؤكد أن الجوازات المجددة في غزة غير قانونية، مشيرا إلى أن هناك جهودا تبذل لحل مشكلة الأشخاص الذين يحملون هذه الجوازات. وأضاف أنه تعهد لأشخاص في حماس بأنه في حال لم تحل المشكلة فإن حكومة رام الله على استعداد لاستصدار جوازات جديدة في غضون 24 ساعة فقط.

وفي رام الله قال الائتلاف من أجل النزاهة والمساءلة (أمان) إنه تلقى شكاوى من سكان غزة حول حرمانهم من حقهم في الحصول على جوازات سفر، بعد أن أعيدت معاملاتهم إلى المكاتب التي أرسلت من خلالها. كما تحدث المركز عن شكاوى من مواطنين تولى جهاز الأمن الداخلي التابع للحكومة المقالة سحب جوازاتهم.

وقالت وزارة الداخلية في الحكومة المقالة إنها بحاجة ماسة لـ100 ألف جواز سفر فورا لحل الأزمة القائمة، متهمة السلطة بمنح جوازات السفر للمنتمين لحركة فتح فقط ومن لديه وساطة. وأضافت أنه ومنذ عامين حصل 18 ألف مواطن فقط على جوازات سفر، مشيرة إلى أنه في الوضع الطبيعي يحتاج القطاع لعشرة آلاف جواز سفر شهريا. ورد وكيل وزارة الداخلية، حسن علوي، «أننا لا نثق بالحكومة في غزة، ولذلك لا يتم إرسال دفاتر الطباعة الخاصة بإصدار الجوازات إلى غزة». وبين أن الوزارة تستقبل 500 طلب جواز سفر من غزة يوميا، مؤكدا «نتعامل مع جواز السفر كحق طبيعي لكل مواطن بغض النظر عن الانتماء السياسي، ولكن هنالك بعض القضايا القانونية التي تحول دون حصول بعض المواطنين على جواز السفر».

وعقب عزمي الشعيبي، المنسق العام لـ«أمان»، بقوله إن القضية تحولت إلى فرصة لتصفية الحسابات، متهما رام الله وغزة بارتكاب انتهاكات متبادلة في هذه المسألة. وقال «الحكومة هنا (في رام الله) تحرم المحسوبين على حماس من الجوازات، والحكومة هناك (في غزة) تصادر جوازات السفر من المحسوبين على فتح». وأضاف «هذا صراع سياسي وصراع على السلطة وشكل من أشكال الانتقام من الآخر».

وأكد الشعيبي أن الائتلاف ومعه مؤسسات حقوق إنسان تحضر ملفاتها للتوجه إلى القضاء الفلسطيني لمحاكمة وزير الداخلية سعيد أبو علي بدعوى منع إصدار جوازات سفر لفلسطينيين من قطاع غزة. وقال الشعيبي لـ«الشرق الأوسط»: «نريد استكمال بعض الشروط قبل الذهاب إلى المحكمة، نريد أن نحصل على مستمسكات وأوراق كافية لمحاكمة وزارة الداخلية».

من جانبه أرسل مركز الميزان لحقوق الإنسان رسالة لكل من رئيس الحكومة المقالة في غزة إسماعيل هنية ورئيس الحكومة في الضفة الغربية الدكتور سلام فياض طالبهما فيها بالعمل على حل مشكلة التنقل للمواطنين في الضفة والقطاع. وأكد المركز أنه طالب فياض في رسالته بوقف انتهاك القانون الأساسي، واتخاذ التدابير الكفيلة بإرسال دفاتر جوازات سفر إلى غزة لتخفيف الأعباء المالية المترتبة على المواطنين كتكلفة إضافية على رسوم استصدار جواز السفر، وتمكين كل مواطن من حقه الدستوري في الحصول على جواز سفر.

وطالب هنية باتخاذ التدابير الكفيلة بوقف سحب الجوازات من بعض المواطنين، ووقف كل ما من شأنه عرقلة حرية الفلسطينيين في التنقل والسفر.