مزار يتحول إلى مكان للانتحار في كردستان العراق

3 شبان انتحروا عند مرقد الإمام محمد منذ 2003 وشابان أنقذا قبل أيام

TT

شهد مرقد أحد الأئمة من آل البيت قرب مدينة دربندخان في إقليم كردستان العراق في السنوات الأخيرة انتحار شبان بشنق أنفسهم مما حير المسؤولين الأمنيين ورجال الدين والأهالي على حد سواء.

ويتوجه بعض السكان كل أربعاء إلى مرقد الإمام محمد، أحد أحفاد الإمام موسى الكاظم، الذي يقع فوق تل مرتفع شمال شرقي مدينة دربندخان (75 كلم شرق السليمانية) قرب السد المعروف بالاسم ذاته.

وقال مدير شرطة دربندخان الرائد سلام حميد لوكالة الصحافة الفرنسية إن مواطنين أبلغوا الشرطة قبل أسبوعين بمحاولة شابين الانتحار داخل المرقد. وأضاف «قمنا باستدعائهما إلى مركز الشرطة وبعد التحقق من حالتهما أبلغنا ذويهم بضرورة مراقبتهما عن كثب كي لا يقدما على قتل أنفسهما». وأضاف «بعد سقوط نظام (الرئيس الأسبق) صدام حسين تغير نمط العيش في الإقليم».

ومنذ 2003 أقدم 3 شبان على الأقل على الانتحار في المرقد وأنقذنا شابين آخرين كانا على وشك الانتحار قبل أيام تتراوح أعمارهما بين 25 و30 عاما.

وتقع دربندخان على نهر سيروان ويقصد المؤمنون المرقد بغرض الشفاء من الأمراض، بينما يتخذه آخرون وسيلة للتضرع إلى الله مستعينين بالإمام محمد. والطبيعة الخلابة المحيطة بالمكان جعلته مركز جذب في كثير من أيام السنة.

وروى كريم صالح، مدرس وعم أحد الشبان الذين انتحروا داخل المرقد، باكيا والكلمات تخرج منه بصعوبة «اتصل بي ابن أخي قائلا: أنا مريض وفي مرقد الإمام محمد أحتاج إلى المساعدة».

وأضاف صالح «توجهت بسرعة إلى المكان ولم أجد أحدا ولدى عودتي إلى المنزل سألني الأهل عما إذا كنت نظرت داخل قبة المرقد، فعدت فورا إلى المرقد حيث وجدته مشنوقا بالشجرة الواقعة قرب قبر الإمام، وكان جثة هامدة دون روح أو حركة». وأوضح أن ابن شقيقه كان يعمل في ورشة لتصليح السيارات وعمره 22 عاما ولم يكن له أعداء ووضعه المادي مريح «لكنني ما زلت أفكر في سبب إقدامه على الانتحار ولا أجد الجواب».

بدورها، قالت فاطمة محمود (55 عاما) وتسكن في دربندخان وتقصد المقام بين حين وآخر «كلما أزور مرقد الإمام محمد أقدم القرابين والنذور لأنه صاحب شأن عظيم، لكنني قلقة ومستاءة مما أسمعه من تحوله إلى مكان مفضل لانتحار الشبان». ورفعت فاطمة يديها مبتهلة كي تنتهي هذه الظاهرة بسرعة. وقالت إن «كل ما أتمناه هو أن يعيش شبان وأطفال بلدتنا في سلام».

من جانبه، أوضح إمام وخطيب جامع الإيمان في دربندخان الملا زاهد محمد زين العابدين أن «الإمام الراقد في المقام فر إلى شمال العراق من بغداد إبان حكم العباسيين خلال فترة ما يسمى نكبة السادة من آل بيت النبوة». واستنكر تحويل المقام إلى مكان للانتحار، قائلا إن «الانتحار مناف ومخالف للإسلام، فالإنسان المسلم مرتبط بيوم الآخرة والحساب، والحل ليس في الانتحار». وتابع «نخصص بعض خطبنا أيام الجمعة لحض الناس على التصدي لظاهرة الانتحار، ولم نتطرق إلى الموضوع حتى الآن مراعاة لشعور عائلات الذين انتحروا في المرقد». وشدد الملا على ضرورة تأمين الحراسة للمقام للحيلولة دون «وقوع حالات انتحار».

لكن مدير شرطة دربندخان رد قائلا «لا يمكننا تأمين الحراسة لأن من يريد الانتحار يستطيع تغيير المكان بسهولة وربما يفكر في القفز إلى نهر سيروان». وأضاف «أنقذنا امرأة من السليمانية كانت على حافة النهر تحاول القفز إلى نقطة عميقة لتنهي حياتها (...) منع ظاهرة الانتحار أمر صعب». وتابع «أقدم شاب آخر على الانتحار قبل أسبوعين داخل منزله وليس في المقام».

بدوره، قال الباحث في الشؤون الاجتماعية صلاح صديق إن عدة عوامل تقف وراء محاولات الانتحار في كردستان، بينها الاقتصادي والاجتماعي والعاطفي والنفسي وعدم تأمين مستلزمات الحياة. وأضاف «ينبغي مراقبة الشبان من قبل الكبار والاهتمام بهم لا سيما حينما يواجهون مشكلات ويشعرون بالوحدة ويتخذون القرار الخاطئ في تلك الأحيان». وأكد ضرورة «فتح مراكز استشارية لمعالجة مشكلات الشبان في الإقليم».