الفضائح المالية تقترب من قصر الإليزيه وازدياد المطالبة بتعديل وزاري واسع

سقوط وزير العمل قد يضع ساركوزي في خط الدفاع الأول

رئيس الحكومة الفرنسية، فرنسوا فيون، يلقي كلمة أمس في تجمع لنواب «حزب الاتحاد من أجل الحركة الشعبية» في مقر رئاسة الحكومة في باريس يؤكد فيها على تصدي الحكومة لمحاولات «زعزعة» استقرار فرنسا (رويترز)
TT

دخلت الفضائح الفرنسية منعطفا جديدا، فبعد أن انطلقت تحت اسم «فضيحة ليليان بتنكور» - أكثر نساء فرنسا ثراء - انتقلت سريعا إلى «فضيحة الوزير وورث» وزوجته لتتحول في الساعات الـ48 الأخيرة إلى ما أسمته الصحافة الفرنسية «فضيحة ساركوزي».

وفضيحة ليليان بتنكور (87 عاما)، وريثة شركة «لوريال» للصناعات التجميلية، بدأت مع الكشف عن امتلاكها حسابات سرية في سويسرا للتهرب من الضرائب وإجرائها صفقات عقارية في الخارج ومنها شراء جزيرة في السيشيل من غير الإعلان عنها. أما «فضيحة وورث» فقد انطلقت مع الكشف عن أن زوجة وزير المالية السابق ووزير العمل الحالي، كانت تعمل حتى أيام قليلة في إدارة ثروة بتنكور براتب سنوي يبلغ 186 ألف يورو، مما يعني ضمنا أنها تسهم في تهريب أموال بتنكور، بينما تقوم وظيفة زوجها على محاربة ذلك. وقويت هذه الفضيحة مع الكشف عن أن تقريرا رفع إلى وزارة المالية عن عمليات احتيال على مصلحة الضرائب ارتكبت في إجارة ثروة بتنكور، وأن وزارة المالية لم تتحرك، مما يعني أن الثرية الفرنسية تحظى بـ«حماية» الأوساط العليا. ثم كشف عن أن مصلحة الضرائب التابعة لوزارة المالية «أعادت» لبتنكور مبلغ 30 مليون يورو بفضل القانون الذي صدر في بداية عهد ساركوزي على الثروات الكبرى ونسبة الضرائب.

وجاء التحول الأخير بعد أن أكدت إحدى العاملات لدي ليليان بتنكور أن الأخيرة، عبر مدير أعمالها، باتريس دو مايستر، سلمت أريك وورث، وزير المالية السابق والمسؤول المالي لحملة المرشح ساركوزي الرئاسية في عام 2007، مبلغ 150 ألف يورو نقدا. وبحسب السيدة تيبو، فإنها سحبت مبلغ 50 ألف يورو من أحد البنوك في باريس، وسحب مبلغ 100 ألف يورو من مصرف في جنيف. وأكدت الموظفة السابقة التي كانت تحمل تفويضا بالسحب من ليليان بتنكور أن ساركوزي كان ضيفا دائما على عائلة بتنكور في مدينة نويي الراقية التي كان رئيسا لبلديتها، وأنه كان يحصل على «مغلفة» منها.

ويوم الاثنين الماضي، استجوبت الشرطة المالية تيبو. وفي اليوم التالي، أمرت النيابة العامة في مدينة نانتير بفتح تحقيق تمهيدي للتحري عن المعلومات التي كشفت عنها. وبحسب الموقع الإلكتروني لصحيفة «لو موند»، فإن الشرطة المالية عثرت على دليل مادي لعملية السحب التي قامت بها تيبو في باريس. وكانت الأخيرة قد كشفت سابقا أنها كانت تسحب أسبوعيا من حساب بتنكور 50 ألف يورو يتم توزيعها نقدا على السياسيين الذين كشفت عن أسمائهم وذكرت من بينهم أريك وورث وساركوزي.

ومع تراكم الغيوم الداكنة في سماء قصر الإليزيه واقترابها من الرئيس ساركوزي شخصيا، عبأت الحكومة صفوفها، وكذلك فعل سياسيو اليمين (حزب الاتحاد من أجل حركة شعبية) في إطار استراتيجية سياسية - إعلامية تستهدف الوسائل الإعلامية من جهة والحزب الاشتراكي من جهة ثانية مع تأكيد الوقوف إلى جانب الوزير وورث. وعمد الأخير، مساء أول من أمس، في مقابلة مع الشبكة الأولى للتلفزيون الفرنسي، إلى الدفاع عن نفسه وتأكيد براءته ورفض الاستقالة من منصبه لأن الاستقالة تعني قبوله بارتكاب الذنب المتهم به. واتهم كزافيه برتراند، مسؤول الحزب المذكور الصحافي أدي بلينيل، صاحب موقع «ميديابارت» الذي ساق الاتهامات ضد وورث، بأنه يطبق «أساليب فاشية» في العمل ويسوق الأكاذيب دون أدلة وقرائن بهدف الإساءة للحكومة ولرئيس الجمهورية.

ولم ينج الحزب الاشتراكي من سهام اليمين الذي يتهمه بـ«تقديم خدمة لليمين المتطرف» وباستغلال هذه الروايات لإضعاف وزير العمل أريك وورث المكلف ملف إصلاح قانون التقاعد.

وتأتي هذه التطورات الجديدة لتبين بوضوح أن التعديل الوزاري الجزئي الذي أخرج بموجبه وزيران من الصف الثاني من الحكومة امتصاصا للنقمة السياسية والشعبية لم يكن كافيا.

وتبدو الرئاسة والحكومة في وضع هش للغاية، إذ يحمل كل يوم جديدا وتفاصيل عن الفضائح المتراكمة التي استحوذت على اهتمامات الإعلام. وتبدو الرئاسة وكأنها فقدت قدرتها على التحكم في مسار الأحداث. ولا يستبعد أن يطلب الوزير وورث إلى التحقيق في موضوع الأموال التي دفعت لحملة ساركوزي الرئاسية. وواضح أن سقوط وورث سيجعل ساركوزي في خط الدفاع الأول.