الأميركيون من أصول هندية يتحولون إلى قوة سياسية في واشنطن

عددهم 2.5 مليون نسمة ويعدون بين أعلى المجموعات العرقية في التعليم ومتوسط دخل الفرد

TT

منذ خمسة أعوام، شرع عدد من الأميركيين من أصول هندية الذين عملوا في كابيتول هيل في إنشاء ناد خاص بهم. وأطلقوا على أنفسهم «ديزي باور آور»، والتقوا معا ليتشاركوا في تجاربهم ويعاونوا بعضهم البعض على الارتقاء في المناصب التي يتقلدونها داخل واشنطن. ومع ضآلة أعدادهم ومحدودية التجارب التي خاضوها، فإن أعضاء هذا النادي، وهم من أبناء أو أحفاد مهاجرين قادمين من الهند، لم يحظوا سوى بقدر محدود من النفوذ. لكن الآن، تحول هذا التجمع الذي يضم مساعدين تشريعيين ومستشارين في مجال الاتصالات وخبراء تقنيين وآخرين في مجال جمع الأموال، إلى شبكة سياسية ذات نفوذ تساند العدد القياسي من الأميركيين أصحاب الأصول الهندية الذين يترشحون لمناصب سياسية هذا العام. على سبيل المثال، يعمل غواتام راغهافان نائبا لمسؤول الاتصال بالبيت الأبيض داخل وزارة الدفاع وقد ساعد في بناء شبكة من المتبرعين السياسيين الشباب من الأميركيين أبناء الأصول الهندية. ويعمل توبي تشودهري، المدير السابق لشؤون الاتصالات لدى «حملة مستقبل أميركا»، مخططا استراتيجيا سياسيا وقد عاون مرشحين على صياغة الرسائل الانتخابية لهم. أما أنيل مامين، فيعمل مستشارا لشؤون الاتصالات عبر البريد المباشر ويعد الملاذ الذي يهرع إليه أولئك الطامحون في الوصول لمنصب سياسي من أبناء الأصول الهندية. إضافة إلى نيكي هالي، المرشحة الجمهورية لمنصب حاكم ساوث كارولينا، ينظم الأميركيون من أصول هندية حملات هذا العام للحصول على مقاعد في الكونغرس في بنسلفانيا وكنساس وكاليفورنيا ونيويورك وأوهايو. ويتقلد أكثر من 10 من الأميركيين أصحاب الأصول الهندية مناصب رفيعة في إدارة أوباما، بينهم فيفيك كوندرا، رئيس شؤون المعلومات، وراجيف شاه، رئيس الوكالة الأميركية للتنمية الدولية. يذكر أن بوبي جيندال، حاكم لويزيانا، وهو أول حاكم ولاية من أصول هندية، هو الذي تولى وضع قائمة المرشحين لمنصب نائب الرئيس عن الحزب لعام 2008. من جانبه، علق شيكار ناراسيمهان، رئيس «مجلس القيادة الهندية ـ الأميركية» التابع للحزب الديمقراطي بقوله: «لقد اعتدنا التعرض للاتهام بأننا نكتفي بتوقيع شيكات والظهور في إعلانات من دون القيام بأي مجهود فعلي على الصعيد السياسي. لقد بات من المشروع تماما لأبناء جاليتنا الترشح لمناصب سياسية الآن، على خلاف ما كان عليه الحال منذ خمسة أعوام مضت». الملاحظ أن هذه الشرعية جاءت من الفوز بالانتخابات، مثلما فعل جيندال عام 2007، وأيضا من خلال نجاح عناصر سياسية، حسبما شرح باراغ ميهتا، الذي شارك في عدد من مآدب الغداء في «ديزي باور آور» وعمل لاحقا مديرا لشؤون الاتصالات الداخلية في الحزب الديمقراطي. وقال ميهتا: «لقد بلغنا مراكز مرموقة وأصبح بإمكاننا تقديم يد العون لبعضنا البعض. وتسود بيننا روح الأخوة». مثلما الحال مع هالي، ينتمي غالبية المشاركين في المنافسات الانتخابية هذا العام إلى الجيل الثاني من أبناء المهاجرين الذين تطوعوا في حملات سياسية محلية وعملوا في المجالس التشريعية على مستوى الولايات أو عملوا في كابيتول هيل. مؤخرا، فاز مانان تريفيدي، وهو طبيب وشارك كجندي في حرب العراق، في الانتخابات التمهيدية الديمقراطية داخل الدائرة السادسة للكونغرس داخل بنسلفانيا. قبل الترشح لعضوية الكونغرس، عمل مستشارا بمجال الرعاية الصحية لحملة أوباما الانتخابية. ويترشح راج غويل، الذي عمل في المجلس التشريعي في كنساس على مدار ثلاث سنوات، في الانتخابات التمهيدية الديمقراطية في الدائرة الرابعة للكونغرس، التي تضم مسقط رأسه ويتشيتا. وقالت ريشما سوجاني، التي تعمل على جمع التبرعات لحساب الحزب الديمقراطي بين أبناء الجالية الجنوب آسيوية، إنها أول سيدة أميركية من أصول هندية تترشح للكونغرس. وأضافت: «لقد رغبت دوما في خدمة الوطن، لكن لم يدر بخلدي قط أن شخصا يحمل اسم كاسمي بمقدوره الترشح في الانتخابات». يذكر أن سوجاني تنافس عضو الحزب الجمهوري سوزان مالوني خلال انتخابات تمهيدية في 14 سبتمبر (أيلول) المقبل. من ناحيته، قال دينو تيبارا، رئيس «المجلس المحافظ الهندي الأميركي» والرئيس السابق لفريق العمل المعاون للنائب جو ويلسون، إن المشاركة السياسية المتزايدة مؤشر على «الاندماج الناجح داخل التيار الرئيسي من المجتمع الأميركي». طبقا للأرقام المرتبطة بالتعداد السكاني، فإن الأميركيين ذوي الأصول الهندية البالغ عددهم 2.5 مليون نسمة يأتون بين أعلى المجموعات العرقية تعليما داخل الولايات المتحدة، علاوة على كونهم من أعلى المجموعات من حيث الدخل بالنسبة للفرد. رغم ميل الأميركيين من أصحاب الأصول الهندية إلى الحزب الديمقراطي، فإنه طبقا لدراسة مسحية أجريت عام 2009 من قبل «الصندوق الأميركي - الآسيوي للدفاع القانوني»، فإن ثروات أبناء هذه الجالية اجتذبت مرشحين طموحين من كلا الحزبين الديمقراطي والجمهوري. يذكر أن أفراد مانحين على صلة بـ«المجلس المحافظ الهندي الأميركي» تبرعوا بمئات الآلاف من الدولارات لعناصر محافظة من الأميركيين ذوي الأصول الهندية وجمهوريين آخرين، حسبما ذكر تيبارا. أما المرشحون الديمقراطيون فيتلقون دعما ماليا عبر «مبادرة القيادة الأميركية الهندية» القائمة منذ عقد. وقد ساندت هذه المجموعة مرشحين للكونغرس وآخرين محليين هذا العام، وفي أواخر العام الماضي شكلت لجنة عمل سياسي نجحت في جمع 100.000 دولار. من ناحيته، أشار سنجاي بوري، رئيس «لجنة العمل السياسي الأميركية - الهندية» غير الحزبية التي نجحت في جمع 75 ألف دولار خلال الربع الأول من العام و300 ألف دولار عام 2008 بهدف دعم المرشحين الأميركيين ذوي الأصول الهندية وآخرين من الموالين لوجهات النظر المؤيدة للهند، إلى أنه «من الواضح» أن المال يخلق اختلافا كبيرا، مضيفا أن «المال متوافر، وليس على المرشحين سوى إثبات أنهم جديرون بالثقة». ومع ذلك، لا يزال المرشحون الأميركيون ذوو الأصول الهندية يبدون حساسية تجاه النظر إليهم باعتبارهم عناصر أجنبية. وأحيانا، تثار تساؤلات حول المعتقدات الدينية لهالي وجيندال. من جهته، أكد جاي غويال (29 عاما) عضو الحزب الديمقراطي ويعمل حاليا حامل سوط الأغلبية داخل المجلس التشريعي في أوهايو، خلال أول حملة انتخابية سياسية له منذ أربع سنوات، على العمل الذي قامت به أسرته على امتداد عقود عدة وسط مدينة أوهايو. وبالمثل، سلط تريفيدي وغويل في موقعيهما على شبكة الإنترنت على جذورهما العميقة داخل الولايات المتحدة. من ناحية أخرى، تبهر المؤشرات الواضحة على حدوث تقدم سياسي الرجل المعروف باسم «عمدة السياسات الأميركية - الهندية»: كومار بي بارف، زعيم الأغلبية في مجلس نواب ماريلاند. عندما ترشح لمنصب سياسي عام 1990، لم يتبرع بالمال سوى القليل من أبناء الجالية الهندية لصالح حملته. وقال: «ساد اعتقاد بين كثير منهم بأن الأمر برمته سخيف». رغم ما يساور بارف من قلق حيال إمكانية خسارة كثير من المرشحين الأميركيين أصحاب الأصول الهندية هذا العام، فإنه ينظر إلى جهودهم باعتبارها استثمارا في المستقبل. وقال: «بغض النظر عن النتيجة، ينبغي أن ننظر إلى هذا الأمر باعتباره نصرا كبيرا للأميركيين أبناء الأصول الهندية الذين يتحولون إلى جزء من المشهد السياسي».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»