الناتو يستعد لإعلان بدء نقل السلطة إلى الإدارة الأفغانية خلال أسابيع

مسؤول في الحلف الأطلسي لـ «الشرق الأوسط»: لا طريق آخر للتقدم إلا عبر تقوية القدرات الأفغانية

أفغاني يسجل اسمه للحصول على بطاقة اقتراع للمشاركة في الانتخابات النيابية المقبلة في سبتمبر (أيلول) في جلال آباد (أ.ب)
TT

مع اقتراب الحرب التي تقودها الولايات المتحدة إلى جانب قوات حلف شمالي الأطلسي (الناتو) في أفغانستان من عامها العاشر، لا تزال مؤشرات الانتصار في الحرب الأطول في تاريخ أميركا بعد فيتنام، غير واضحة. ولكن على الرغم من ذلك، فإن قيادة الناتو تتجه نحو إعلان بدء مرحلة نقل السلطة إلى القوات الأفغانية خلال الأشهر القليلة المقبلة، بحسب ما أكد مسؤول كبير في الناتو لـ«الشرق الأوسط».

وقال لورانس روسن، نائب مساعد الأمين العام للناتو للعمليات، لـ«الشرق الأوسط» إن الأمين العام للحلف اندرس فوغ راسموسن «يتطلع إلى أن يتمكن الناتو والحكومة الأفغانية، إذا سمحت الظروف، بأن يعلنا في قمة لشبونة التي ستعقد في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، بداية انتقال السلطة إلى القيادة الأفغانية في واحدة أو أكثر من محافظة أفغانية». وقالت مصادر لـ«الشرق الأوسط» إن الحكومة الأفغانية قد تعلن عملية الانتقال إلى مرحلة نقل السلطة في مؤتمر أفغانستان الذي سيعقد في كابل في 20 من الشهر الحالي. وأضافت المصادر أن الإعلان سيتضمن جدولا زمنيا للتاريخ الذي ستبدأ فيه عملية نقل السلطة من قوات الناتو إلى الأفغان، وسيحدد المحافظات التي سيتم فيها الانتقال. وتأتي هذه الخطوة على الرغم من ازدياد الشكوك في قدرة الحكومة الأفغانية على تسلم مسؤوليات الحكم من قوات الناتو، خصوصا مع اتهامات الفساد التي تحوط حكومة الرئيس الأفغاني حميد كرزاي. وكان مسؤولون أميركيون قد اتهموا كرزاي بتدخله لدى القضاء لتوقيف دعاوى فساد ضد كبار السياسيين المقربين منه. كما وجه نواب في الكونغرس الأميركي أصابع الاتهام إلى حكومة كرزاي واتهموها بتبذير ملايين الدولارات المقدمة كمساعدات أميركية عبر الوكالة الأميركية للتنمية. وتوجه انتقادات كثيرة للإدارة الأميركية والناتو بسبب دعمهما لحكومة «فاسدة»، علما بأن استراتيجية الخروج الوحيدة التي يتحدث عنها الأميركيون وقادة الناتو، هي عبر تقوية مؤسسات الدولة الأفغانية لجعلها قادرة على تسلم السلطة. وكتبت مجلة «نيويوركر» الأميركية في عددها الأخير تقول: «إن الهدف السياسي لخطة مكافحة التمرد هو تقوية العلاقات بين المدنيين وحكومتهم، ولكن الدولة الأفغانية هي هيكل يأكله الفساد، وفي خضم ذلك، شخص شارد هو الرئيس كرزاي». وفاز كرازي بولاية ثانية العام الماضي، في انتخابات شابها كثير من التلاعب بالأصوات وعدم النزاهة. وكتبت مجلة «نيويوركر» تقول: «منذ الخريف الماضي، عندما سرق كرزاي الانتخابات، اتهم حكومات غربية ووسائل إعلام بتدبير محاولات لإسقاطه، وهدد مرارا بالانضمام إلى طالبان.. وفي المقابل المساعدات المالية في مأزق؛ حيث إن العمل مع الحكومة يغذي الفساد، كما أن التحايل عليها أكثر يقوض شرعيتها». ولكن يبدو أن لا خيار آخر أمام الناتو غير تقوية المؤسسات الأفغانية. وتنشر الناتو 120 ألف جندي في أفغانستان ضمن قوات «ايساف»، من أصل 130 ألف جندي تابعين لها وموزعين في مهمات حول العالم. وقال لورانس روسن لـ«الشرق الأوسط» تعليقا على ذلك: «ايساف تشارك بشكل مكثف مع القوات الأفغانية للحد من نفوذ المتمردين وزيادة القدرات الأفغانية، وهي تحرز تقدما في مواجهة التحديات الصعبة في جميع هذه المجالات». وأضاف: «هذا يجب أن ينجح وسوف ينجح، لا يمكن أن تكون هناك طريقة أخرى للتقدم إلى الأمام إلا عبر خلق الأمن والقدرات الأفغانية لدعمه والبناء عليه». وقال مسؤولون آخرون في الناتو لم يشاءوا الإفصاح عن أسمائهم، إن الحلف «لا يتحدث عن خطة خروج من أفغانستان، ولكن عن خطة انتقال السلطة لأنه سيبقى له وجود هناك لفترة طويلة بعد سحب قواته القتالية، للمساعدة في أعمال التدريب وإعادة الإعمار». وقد أكد ذلك أمين عام الناتو راسموسن في اللقاء الذي شاركت فيه «الشرق الأوسط» الأسبوع الماضي في مقر الحلف ببروكسل، عندما قال: «لا نتحدث عن استراتيجية خروج، سنبقى هناك بقدر ما يتطلب الأمر لإنهاء مهمتنا. لن نترك الأفغان خلفنا لكي يعود طالبان إلى السلطة.. ولكن لا يمكن أن نبقى للأبد».

وينوي الرئيس الأميركي باراك أوباما بدأ سحب القوات الأميركية من أفغانستان في يوليو (تموز) 2011، وهو جدول زمني لا يزال الكثير يشكك في جدواه. ويقول منتقدون داخل الإدارة الأميركية، خصوصا من الجمهوريين، إن الجدول الزمني الذي وضعه أوباما غير واقعي. وقد أظهرت انتقادات قائد القوات الأميركية السابق في أفغانستان، الجنرال الأميركي ستانلي ماكريستال الذي أقاله أوباما من منصبه قبل بضعة أسابيع، الخلافات داخل الإدارة الأميركية حول طريقة التعاطي مع أفغانستان. حتى أن مسؤولين في الناتو يحذرون من الاندفاع خلف «جداول زمنية اصطناعية».

وشبه مسؤولون في الحلف مهمة الناتو في أفغانستان بمهمتها في البوسنة، حيث بقيت قواتها في مهمة حفظ سلام لمدة عشر سنوات، بعد تدخل عسكري لإنهاء الحرب في البلقان. ويقول المسؤولون إنهم لم يغادروا البوسنة «إلا بعد التأكد من أن السلطات البوسنية أصبحت قادرة على تسلم المهام»، ويأملون بأن يتمكنوا من تطبيق الخطط نفسها في أفغانستان، ويؤكدون أنهم يتبعون «المنطق نفسه» هناك. ولكن يشكك آخرون في نجاح المهمة في أفغانستان، خصوصا في ظل الإدارة الحالية. ويقول مصدر عن ذلك: «ليس لدينا خيار آخر غير بناء القدرات الأفغانية، أما إذا كنا سننجح في ذلك أم لا، فهذه قصة مختلفة». ولكن تجربة أفغانستان، باعتراف قادة الناتو، أدخلت الحلف «عهدا جديدا»، وكانت مختلفة تماما عن كل ما اختبره منذ تأسيسه. ويعترف مسؤولون بالحلف أيضا أنه «لا يمكن هزيمة طالبان بالطرق التقليدية»، أي بالوسائل الحربية فقط، بل يشددون على ضرورة العمل مع مؤسسات مدنية لكسب ثقة الأفغان للتمكن من تحقيق تقدم. وهذا التحدي الجديد الذي يعيشه الحلف الأطلسي منذ ما بعد أحداث 11 سبتمبر (أيلول)، دفعته إلى مراجعة استراتيجيته التي ستنتهي خلال أسابيع ويتم إعلانها قبل نهاية العام. ويدرس الأمين العام في الوقت الحالي المخاطر الجديدة التي تواجه الحلف وطرق مواجهتها، قبل إصدار وثيقة حول تطوير استراتيجية جديدة للحلف تتماشى مع تحديات العصر، وتستند إلى تجربة أفغانستان.

ومن المفترض أن يتم الإعلان عن هذه الاستراتيجية الجديدة في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، خلال مؤتمر قادة دول الناتو الذي سيعقد في مدينة لشبونة. وسيقدم راسموسن أول مسودة من الوثيقة في سبتمبر (أيلول) لتتم مناقشتها بين دول الحلف، ووضع الملاحظات عليها. وقد عين لجنة خبراء بقيادة وزيرة الخارجية الأميركية السابقة مادلين أولبرايت، لإصدار توصيات قد يعتمدها في وثيقته. واستشارت اللجنة قبل إصدار تقريرها مسؤولين في روسيا وبلدان في الشرق الأوسط. وتعتبر هذه هي المراجعة الثالثة للحلف منذ تأسيسه. ويركز التقرير الذي أصدرته هيئة الخبراء، على ضرورة التعاون مع بلدان أخرى من خارج الحلف الأطلسي. حول أفغانستان. يذكر التقرير من بين توصياته: «لن يتحقق الاستقرار في أفغانستان بالوسائل العسكرية فقط.. يجب تطوير مقاربة مدنية - عسكرية شاملة تمكن الحكومات المحلية من كسب ثقة وولاء شعوبها».