الأفغان دفعوا مليار دولار رشى خلال عام

مسح يظهر استشراء الفساد.. واستفادة طالبان منه

TT

أظهر مسح وطني جديد أن الفساد انتشر بصورة كبيرة خلال السنوات الأخيرة، في الوقت الذي ضخت فيه الولايات المتحدة وغيرها من المانحين الدوليين مئات الملايين من الدولارات في أفغانستان، مما يعطي حركة طالبان وسيلة قوية لنزع الشرعية عن الحكومة الأفغانية.

ويشير هذا المسح، الذي أطلقته منظمة مراقبة النزاهة أمس، وهي منظمة تحارب الفساد في كابل، إلى أن الأفغان ينظرون إلى المسؤولين في الشرطة والقضاء في دولتهم على أنهم أكثر المسؤولين فسادا في الحكومة، وهذه النتيجة مثيرة للقلق في الوقت الذي تعتمد فيه البعثة الأميركية في كابل بصورة كبيرة على تعزيز مصداقية ومهنية قوات الأمن الأفغانية.

كما يبين أن الفساد يؤثر على الفقراء الأفغان، وينتشر بصورة أكبر في المناطق الريفية، التي تحاول القوات التابعة لحلف الناتو بها إضعاف حركة طالبان وترسيخ سيطرة الحكومة.

ويقول الفريق الذي أعد المسح إنه يقدم النظرة الأكثر شمولا والأحدث حول نطاق الفساد في أفغانستان، مشيرا إلى أنه قائم على مقابلات أجريت مع نحو 6500 فرد نهاية العام الماضي، في جميع الأقاليم الأفغانية تقريبا، التي يبلغ عددها 34 إقليما.

وشعر المشرعون والقادة العسكريون الأميركيون بقلق متزايد بشأن الفساد المستشري في أفغانستان، الذي ينظرون إليه على أنه مصدر تهديد للجهود العسكرية الدولية وجهود المساعدات، في الوقت الذي يتراجع فيه تأييد الحرب في الولايات المتحدة وعواصم الدول الأعضاء في حلف الناتو.

وقال لورينزو ديليسغيس، مدير المنظمة الأفغانية: «لقد أصبح ذلك ظاهرة أكثر انتشارا وظاهرة مؤسسية. وقد غدا من السهل على الفرد الهروب من الفساد، ولديه مزيد من الأموال المتدفقة».

ووفقا للمسح، ينظر إلى وزارة الداخلية التي تشرف على قوات الشرطة، ووزارة العدل، ومديرية الأمن القومي، ووكالة الاستخبارات الرئيسية في أفغانستان على أنها الإدارات الحكومية الأكثر فسادا.

وذكر نحو 28 في المائة من الأسر التي شملها المسح أنها قدمت رشى العام الماضي. ومن بين هؤلاء الأسر، يسكن 78 في المائة في المناطق الريفية.

ووفقا لتقديرات وردت في المسح، دفع الأفغان العام الماضي رشى تصل قيمتها إلى مليار دولار، وهو ما يمثل ضعف المبلغ الذي تم دفعه عام 2007. ويساوي هذا المبلغ تقريبا ثلث الميزانية السنوية في البلاد.

وورد في الدراسة أيضا أن الأشكال الأكثر شيوعا من هذه الرشى تم دفعها للتخلص من قضايا بالمحاكم والحصول على الحماية من الشرطة. وبلغ متوسط الرشوة التي يتم دفعها للتأثير على مسؤول في السلك القضائي 135 دولارا، في حين أن متوسط الرشوة التي يتم دفعها لضباط الشرطة بلغت 123 دولارا.

ويتم دفع الرشى عادة للحصول على الخدمات الحكومية العادية، مثل الكهرباء وإصدار جوازات السفر واستمارات الهوية الوطنية، والالتحاق بالتعليم.

وقال المشرع الأفغاني سيد رحمن، الذي ينتقد الجهود الحكومية لمكافحة الفساد: «تحتاج إلى تقديم رشوة فقط للحصول على توقيع من مسؤول غير بارز في هذه الدولة».

وتسبب التأييد الشعبي الفاتر للمسؤولين المحليين الفاسدين في عرقلة العمليات العسكرية الأخيرة في معاقل طالبان جنوب أفغانستان.

وفي دورية أخيرة في مدينة قندهار، التي يحاول فيها المسؤولون بحلف الناتو تعزيز الحكومة الأفغانية كجزء من حملة عسكرية، أخبر أحد القرويين المسنين جنديا كنديا بأنه يشعر بالسعادة للعمل مع قوات التحالف، لكنه لا يثق على الإطلاق في حكومة بلاده.

وقال كريم محمد: «الأفراد الذين يحظون بالقوة والسلطة يستطيعون القيام بأي شيء. وبالنسبة إلينا نحن الفقراء، لا يوجد أي سلطة ولا قوة».

واستغلت حركة طالبان هذه الحالة من الإحباط، وألقت الضوء على دعايتها المتمثلة في انتشار الفساد. وقال نحو 50 في المائة من المستجيبين للمسح إن الفساد ساعد حركة طالبان على توسيع نفوذها.

وقال ديليسغيس: «كانت طالبان قادرة على اكتساب بعض المصداقية». وأثناء السنوات التي قضتها في السلطة في تسعينات القرن الماضي، قدمت الحركة القليل من الخدمات الأساسية، لكنها حافظت على الأمانة ومنعت الفساد عبر نظام قضائي سريع ووحشي في الغالب. وأضاف: «كان هناك مزيد من المصداقية. كانوا يحكمون بالتخويف».

وشعر مشرعون أميركيون بالقلق المتزايد بشأن الفساد في أفغانستان. ففي الشهر الماضي، أصدر محققون بالكونغرس تقريرا يشير إلى أن عقد حماية أي قافلة عسكرية أميركية يؤدي إلى إثراء المسؤولين والجنود الفاسدين.

وأعلنت عضو مجلس النواب الأميركي لينا لوي (الديمقراطية من ولاية نيويورك) أنها ستمنع أي تمويل للمشاريع غير الضرورية إلى أن توضح الحكومة أنه لن تتم سرقة أموال دافعي الضرائب.

وكان الرئيس الأفغاني حميد كرزاي قد أنشأ مكتبا لتنسيق جهود مكافحة الفساد العام الماضي. ويقول ناقدون إن هذه المبادرة لم يكن لها تأثير يذكر، لأنه لم يتم تخصيص ميزانية كبيرة ولم تتوسع المبادرة خارج كابل.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»