الكونغرس الأميركي يراجع العقوبات المفروضة على كوبا.. ورفع الحظر على سفر

بعد أن بات يحظى بتأييد المجموعات التجارية والزراعية

TT

ممارسة صيد السمك على شاطئ فاراديرو، على غرار ما كان يفعله بطل رواية هيمنغواي الخالد، وتناول العشاء ومشاهدة عرض فني في «تروبيكانا»، بعض عناصر قائمة طويلة من المتع المحظورة حاليا على الأميركيين. ولكنها قد تصبح متاحة لهم، قانونيا، في ظل تشريع تجري دراسته حاليا من شأنه إلغاء بنود جوهرية في قانون العقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة منذ قرابة نصف قرن ضد كوبا. ويلقى مشروع القانون الجديد تأييدا قويا من جانب مجموعات تجارية وزراعية تدعو منذ فترة بعيدة إلى رفع العقوبات التي فرضت خلال حقبة الحرب الباردة ضد كوبا. في المقابل، يواجه التشريع معارضة من قبل لوبي مناهض للشيوعية يتمتع بنفوذ قوي في الولايات المتحدة ويعارض حكم أسرة كاسترو لكوبا.

إلا أنه في وقت تجهد فيه إدارة أوباما لتعزيز الصادرات الأميركية، يؤكد أنصار القانون المقترح أن الفترة الراهنة تحمل فرصة كبرى لإعادة فتح بلاد تشتهر برمالها البيضاء وسيجارها المصنع يدويا. وقد ورد ذكرها في كثير من الأعمال الفنية الأميركية، مثل أغنية «أحب لوسي» ومجموعة أفلام «الأب الروحي».

يعود تاريخ إقرار هذه العقوبات إلى عام 1959 عندما تولى الزعيم الشيوعي فيدل كاسترو قيادة البلاد وأمم ممتلكات مستثمرين أميركيين، وتحولت كوبا إلى قضية مهمة على صعيد السياسة الخارجية الأميركية بعد ثلاثة سنوات عندما حاول كاسترو استيراد أسلحة نووية سوفياتية. وينص مشروع قانون وافقت عليه لجنة الزراعة التابعة لمجلس النواب الأسبوع الماضي على إلغاء الحظر المفروض على سفر الأميركيين إلى الجزيرة، لكنه يترك وراءه نطاقا واسعا من العقوبات، وإن كان يشكل خطوة كبرى نحو إلحاق الضعف بها. أيضا، من شأن القانون الجديد التخفيف من حدة القواعد بما يسمح ببيع مواد غذائية إلى كوبا.

يذكر أنه سبق بذل جهود مشابهة، وليس هناك ما يضمن نجاح الجهود الحالية هذه المرة. والملاحظ أن مشروع القانون جرى تمريره بصعوبة عبر لجنة الزراعة بـ25 صوتا مقابل 20، ولا يزال يتعين عرضه على لجنتي الخدمات المالية والشؤون الخارجية في مجلس النواب قبل إجراء تصويت عام عليه.

نظريا، تساند إدارة أوباما تحرير العلاقات مع كوبا، لكنها أعربت عن خيبة أملها إزاء وتيرة تنفيذ إصلاحات في عهد القائد الكوبي الحالي راؤول كاسترو، ولم يلق مسؤولون بشهادتهم خلال جلسات الاستماع التي أجريت بشأن مشروع القانون الجديد.

من ناحيته، رفض مايك هامر، المتحدث الرسمي باسم مجلس الأمن القومي، إعلان موقف محدد بشأن جوهر القانون، مشيرا إلى أن البيت الأبيض أيد المناقشات «النشطة» التي أجرها الكونغرس بشأن السياسة تجاه كوبا باعتبارها نموذجا على نمط الحرية والديمقراطية التي يأمل في تحققها للشعب الكوبي.

من ناحية أخرى، تداعت حركة تجارة زراعية ناشئة مع كوبا. وقد أجيزت هذه العلاقات التجارية في بادئ الأمر عام 2000. وخلال عام 2008، شهدت المبيعات الزراعية الأميركية لكوبا ارتفاعا مستمرا وصل لذروته عند مستوى أكثر من 700 مليون دولار وشكل قرابة 40% من الواردات الزراعية الكوبية.

إلا أن القيود المفروضة على التمويل، حيث يتعين التعامل مع عمليات الشراء عبر مصارف في دولة ثالثة وعدم إمكانية عرض اعتمادات، بجانب التراجع الاقتصادي تسببا في انحسار هذه المبيعات مع تحول كوبا إلى جهات توريد في البرازيل وكندا ودول أخرى، طبقا لما ورد في دراسة عرضها على الكونغرس باحثون بجامعة «تكساس إيه آند إم».

يحاول مشروع القانون الجديد التخلص من قيود التمويل تلك، وتحقيق قدر أكبر من المساواة بين المستوردين الكوبيين لمنتجات زراعية أميركية وغيرهم من دول أخرى. من جهته، أعرب النائب الديمقراطي كولين سي. بيترسون ورئيس اللجنة الزراعية خلال جلسة استماع حول القانون في مارس (آذار)، عن اعتقاده بأن القواعد الحالية «سلمت سوقا للصادرات تقع في فنائنا الخلفي إلى البرازيليين والأوروبيين ومنافسين آخرين في مختلف أرجاء العالم».

إلا أن الحظر المفروض على السفر من المحتمل أن يترك تأثيرات أعمق. المعروف أن الأميركيين يسمح لهم حاليا بالسفر إلى كوبا في ظل ظروف معينة؛ على سبيل المثال، أن يكون لديهم ترخيص خاص بالترويج لمبيعات زراعية أو أن يكونوا في زيارة لأقارب من الدرجة الأولى.

إلا أن السياحة لا تزال محظورة، وتشير مجموعات تجارية إلى أن مئات الألوف من الأميركيين قد يقررون قضاء عطلاتهم في كوبا في حال تغيير قواعد السفر الراهنة. ويعتقد أنصار هذه الخطوة أنه ربما يشكل هذا الانفتاح أداة أكثر فاعلية في تغيير الأوضاع السياسية في كوبا، علاوة على كونها خطوة نحو الهدف النهائي للكيانات التجارية وهو الرفع الكامل للحظر المفروض على كوبا تماما.

مع تضاؤل الوجود الأميركي منذ أواخر خمسينات القرن الماضي، اعتبرت كوبا سوقا يانعة على استعداد لاستقبال شركات فندقية وخدمية أميركية، وهو مجال قد يحقق أرباحا كبيرة.

ويعترف أنصار مشروع القانون الجديد أن الصراع من أجل تمرير القانون ربما يحتدم داخل لجنة الشؤون الخارجية التابعة لمجلس النواب، التي من المحتمل أن يركز أعضاؤها اهتمامهم على الحقوق السياسية واحتجاز سجناء سياسيين، بقدر ما نالت السوق الكوبية للأرز وفول الصويا والدجاج المجمد من اهتمام داخل اللجنة الزراعية.

ومع ذلك، تنوي غرفة التجارة الأميركية وكيانات تجارية أخرى الضغط من أجل تمرير القانون، وجعلت من مشروع القانون المطروح حاليا واحدا من أولوياتها.

في هذا الصدد، قال ميرون بريليانت، نائب رئيس الغرفة التجارية الأميركية للشؤون الدولية: «لقد توقف الزمن داخل كوبا وتجمد قادتها. وإذا رغبنا في تحسين الوضع العام بكوبا، علينا إيجاد سبل للاضطلاع بمزيد من النشاط التجاري والتفاعل معها».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»