قلق أميركي من «فجوة كردية» تخرق العقوبات ضد طهران

تهريب ألف ناقلة محملة بالوقود يوميا من كردستان العراق إلى إيران

كردي يرعى الغنم بينما تتقاطر شاحنات تحمل الوقود المصدر من كردستان العراق بالقرب من الحدود الإيرانية («نيويورك تايمز»)
TT

في الوقت الذي تفرض الولايات المتحدة عقوبات جديدة ضد إيران، تظهر واحدة من كبرى الفجوات التي تنطوي عليها هذه العقوبات بجلاء هنا في العراق، حيث يجري تهريب نفط خام ومنتجات بترولية مكررة تقدر قيمتها بمئات الملايين من الدولارات عبر جبال كردستان العراقية سنويا.

يوما بعد آخر، من دون إجازة رسمية من بغداد، تتسلل أكثر من ألف ناقلة نفط عبر هذه المدينة الواقعة على الحدود العراقية - الإيرانية، الأمر الذي لا يقوض العقوبات الأميركية الأخيرة فحسب، وإنما يتسبب أيضا في تفاقم التوترات مع الحكومة العراقية حول السبيل لتقسيم العائدات النفطية العراقية.

وقد أثار حجم وتنظيم هذه التجارة القلق في صفوف المسؤولين الأميركيين هنا، حسبما ذكر مسؤول أميركي رفيع المستوى في شمال العراق، والذي اشترط عدم الكشف عن هويته بناء على تعليمات دبلوماسية صادرة له. ويخشى المسؤولون الأميركيون من تدفق عائدات النفط على سياسيين عراقيين فاسدين وانتفاع الحكومة الإيرانية بها، حتى في وقت أقرت فيه واشنطن عقوبات انفرادية جديدة ضد طهران وفرضت عقوبات على كيانات أجنبية تبيع منتجات بترولية مكررة لإيران.

على الجانب الآخر، قال مسؤول بارز في الحكومة الكردية إن عائدات ذلك النشاط التجاري الذي وصفه بـ«المعقد» و«الضخم» تتجه إلى خزائن الحزبين الحاكمين بالإقليم والشركات المرتبطة بهما، مضيفا أن مسؤولين وسياسيين في بغداد يشاركون أيضا في الأمر.

وقال حامد محمد، عراقي يعمل سائقا لشاحنة أثناء انتظاره عند نقطة دخول إلى الأراضي الإيرانية: «إن الناس يتعرضون للخداع، لكننا لا ندري على يد من».

جدير بالذكر أن الأكراد تحالفوا منذ أمد بعيد مع الولايات المتحدة، فمنذ حرب الخليج الأولى، فرضت القوات الأميركية والأخرى التابعة لحلف «الناتو» منطقة حظر جوي فوق المناطق الكردية بشمال العراق بهدف حماية الأكراد من صدام حسين ومساعدتهم على بناء منطقة تتمتع بحكم ذاتي نسبي.

في تسعينات القرن الماضي، ازدهرت نشاطات تهريب النفط وسلع أخرى على طول الحدود العراقية - الإيرانية التي لا تخضع لحراسة مشددة، في وقت كان العراق يخضع لعقوبات دولية. إلا أن الطابع شبه الرسمي للنشاطات التجارية الراهنة سلطت الضوء على كيف تفوقت المصالح التجارية على السياسات الفوضوية السائدة بالعراق والمنطقة.

استمر تدفق ناقلات النفط إلى داخل إيران من دون توقف أثناء الحملة العسكرية التي شنتها طهران الشهر الماضي ضد عناصر انفصالية من الأكراد الإيرانيين نشطين بالمنطقة الحدودية. يوميا، تدخل مئات الناقلات بكل منها حمولة 226 برميل نفط خام ومنتجات بترولية مكررة على الأقل إلى الأراضي الإيرانية، قادمة من بنجوين ونقطتين حدوديتين أخريين داخل كردستان العراقية، حسبما ذكر مسؤولون أكراد.

وبينما يجري استغلال الكثير من المنتجات المكررة داخل إيران التي تفتقر بصورة حادة إلى قدرة تكريرية، يجري نقل النفط الخام إلى موانئ بندر بوشهر وبندر إمام خوميني وبندر عباس على الخليج العربي، حيث يجري تفريغها في مستودعات أو شحنها داخل سفن، طبقا لما ذكره سائقون.

من جانبه، أشار أشتي هورامي، وزير شؤون النفط بإقليم كردستان، إلى أنه يدعم هذه التجارة قرابة 70 معمل تكرير نفطي صغيرا. واستطرد موضحا أن هذه المعامل تنتشر بمختلف أرجاء إقليم كردستان والمناطق الخاضعة للسيطرة الكردية في كركوك ومحافظة نينوى، وكثير منها يعمل من دون ترخيص.

من جهته، اعترف عبد الكريم لعيبي، وكيل وزير النفط العراقي لشؤون الإنتاج، بأنه لم ينم إلى علمه خروج صادرات نفطية من إقليم كردستان إلى إيران، مؤكدا أن جميع معامل تكرير النفط الصغيرة غير قانونية. وقال: «إنهم يتحملون مسؤولية هذا الأمر»، مشيرا إلى السلطات الكردية.

في مقابلة نادرة معه في مايو (أيار)، قال هورامي إن زيت الوقود والمنتجات الفرعية مثل النفثالين هي فقط التي يجري إرسالها لإيران بعد معالجة النفط الخام الخاص بالإقليم في معملي تكرير يخضعان لملكية خاصة وذلك لتلبية احتياجات السوق المحلية وتسيير مصنع محلي لإنتاج الطاقة. وأضاف هورامي أن عائدات النشاط التجاري مع إيران ساعد في تغطية التكاليف بالنسبة للشركات النفطية الأجنبية بإقليم كردستان التي تضررت لدى وقف تصدير النفط الخام عبر خط أنابيب إلى تركيا في أكتوبر (تشرين الأول) بسبب نزاع اندلع بين كردستان وبغداد. وأوضح أن العائدات الإضافية التي تدفقت على المنطقة من وراء هذا النشاط جرى الإبقاء عليها خارج السجلات المالية للحكومة الكردية وأودعت في حساب مصرفي منفصل في انتظار التوصل إلى توافق بشأنها مع بغداد مستقبلا بمجرد أن يتمكن الجانبان من تسوية خلافاتهما.

وأضاف هورامي أن السلع الجاري نقلها إلى داخل إيران لا تقتصر على منتجات بترولية مكررة من كردستان، وإنما تشمل كذلك نفطا خاما ومنتجات مكررة من كركوك ومعمل تكرير باعجي للنفط إلى الجنوب يجري تهريبها إلى داخل كردستان، وبعضها يدخل إلى الأراضي الإيرانية. واعترف بأن وزارته لا تملك السيطرة على هذا الأمر.

وقال: «الشاحنة الناقلة للنفط مجرد شاحنة عادية من السهل للغاية استصدار ترخيص لها والادعاء بأن ما بها زيت وقود وليس وقودا خاما. للأسف، هذه المشكلة أكبر بكثير عن كردستان الصغيرة».

يأتي الكشف عن تجارة النفط مع إيران في توقيت حساس بالنسبة لكردستان، ففي مايو (أيار)، وافقت الحكومة المركزية على اتفاق مبدئي لاستئناف تصدير قرابة 100.000 برميل نفط خام يوميا إلى تركيا عبر شبكة خطوط أنابيب العراق. وأوضح هورامي أن الصادرات سيجري استئنافها فقط بعد الاتفاق على آلية لدفع تكاليف إنتاج الشركات النفطية. واستطرد موضحا أن هذه الشركات - وهي شركة «دي إن أو» النرويجية، وأخرى صينية - تركية تحمل اسم «تتوبكو» - مدينة بإجمالي يقارب مليار دولار. معا، يمكن أن ينتج حقلي النفط اللذين تتولى الشركتان تشغيلهما ما يصل إلى 200.000 برميل يوميا، بما يرفع إجمالي إنتاج المنطقة إلى مليون برميل يوميا في غضون فترة تتراوح بين 3 و4 سنوات عندما يبدأ تشغيل ستة حقول نفطية أخرى على الأقل، طبقا لما ذكره هورامي.

من جانبهم، يرى محللون أن التجارة النفطية بين كردستان وإيران تشكل مصدرا للعائدات ليس من الضروري التشارك فيه مع بغداد، على الأقل في الوقت الراهن، الأمر الذي يقلص اعتماد الإقليم على الصادرات إلى تركيا. كما توفر هذه التجارة نفوذا للإقليم فيما يتصل بتسوية الخلافات على النفط والحدود مع بغداد.

من جانبها، قال ربى هوساري، الخبير النفطي ومؤسس موقع Iraqoilforum.com «بمقدورهم التفاوض من موقع قوة بالنظر إلى أنهم يديرون مملكة نفطية خاصة بهم».

إلا أن التساؤلات حول شرعية النشاطات النفطية للإقليم تتصاعد من الداخل.

على سبيل المثال، قال عبد الله ملا نوري، عضو البرلمان الكردستاني عن حركة «كوران» المعارضة التي انفصلت عن أحد الحزبين الحاكمين العام الماضي واتهمت الحزب باستشراء الفساد في صفوفه: «تشبه كردستان جزيرة لا وجود لحكم القانون بها فيما يخص النفط».

وأعرب عن رغبته في توجيه عائدات التجارة مع إيران إلى ميزانية الإقليم بعد خصم مستحقات باقي العراق - 83%، طبقا للترتيبات الراهنة.

وتشير تقارير إلى أن برهم صالح رئيس وزراء الإقليم يمارس ضغوطا بهذا الشأن، لكنه يواجه معارضة قوية، حتى من داخل حزبه الذي يترأسه جلال طالباني، الرئيس العراقي.

ويزداد تعقيد مهمة صالح بسبب العداوة القائمة بينه وبين وزير النفط بالإقليم هورامي المدعوم من قبل مسعود بارزاني، رئيس الإقليم.

يذكر أن طالباني ارتبط بما وصف بأنه اتفاق استراتيجي مع حزب بارزاني منذ عام 2005، مما سمح لهما بتقاسم النفوذ السياسي والاقتصادي والعسكري داخل الإقليم. وقد انطبق هذا الاتفاق على التجارة النفطية مع إيران أيضا، طبقا لما ذكره مسؤول كردي رفيع المستوى طلب عدم كشف هويته لانتمائه إلى واحد من الحزبين الحاكمين في الإقليم.

* خدمة «نيويورك تايمز»