الرئيس الفنزويلي يواجه أول معارضة شعبية لمحاولته تأميم شركة خاصة ضخمة للأغذية

في ظل سوء إدارة موظفي الدولة للمؤسسات المؤممة

TT

كما هو الحال في جميع عمليات الاستحواذ الرئيسية التي تقوم بها الحكومة للشركات الخاصة في فنزويلا، أعلن الرئيس هوغو شافيز أن السيطرة على المنشآت التابعة لشركة «بولار» العملاقة في مجال الأغذية والمشروبات في البلاد من شأنها أن تمثل انتصارا آخر للفقراء في مسيرة البلاد نحو الاشتراكية.

وفي خطاب ألقاه في شهر فبراير (شباط) الماضي، سأل شافيز: «لماذا تمتلك (بولار) هذا الكم الكبير للغاية من الأموال؟!»، وأضاف: «أقول لمالك (بولار): ابدأ في وضع الخطط، لأنك ستكون خارج هذه المنطقة».

وبعد ذلك ببضعة أسابيع، تم توقيع قرار بمصادرة جميع مخازن ومكاتب شركة «بولار» في منطقة باركيسيميتو الصناعية. وبعد ما يقرب من 12 عاما من تدخلات الدولة في ظل حكم شافيز، توقع الشعب في فنزويلا أن الحكومة ستهدم سريعا جميع المنشآت التابعة للشركة في رابع أكبر مدينة في البلاد وتشيد مكانها شققا سكنية. وأشار شافيز إلى أنه قد يلجأ إلى تأميم كامل للشركة التي تمتلك مصانع ونقاط توزيع في جميع أنحاء البلاد.

ولكن هذه المرة، انحرفت خطط الرئيس بشكل سيئ، مما كشف عن المعارضة الوطنية المتصاعدة لسياسات استولت بموجبها الدولة على شركات النفط والمتاجر الكبرى والمصانع لتنهار تحت سيطرة موظفي الدولة.

ولم تكتف شركة «بولار» فقط باللجوء إلى المحكمة العليا، بل انتفض الموظفون لديها أيضا، واتحدوا في معارضة المرسوم الذي اتخذه شافيز، وظلوا مستيقظين طوال الليل لمنع الاستيلاء على شركتهم. وكان من بين الذين انضموا إلى هذه الانتفاضة هنري فالكون، حاكم ولاية لارا، الذي يحظى بشعبية كبيرة وكان حليفا سابقا لشافيز. وقال فالكون إن الرئيس لم يفكر في العواقب التي ستحدث على المدى الطويل بعد تأميم الشركات.

وقال فالكون في مقابلة أجريت معه الأسبوع الماضي: «يخطر على بال الرئيس أن يقول: يجب مصادرة ذلك، من دون الأخذ في الحسبان المعايير الفنية والقانونية. إننا نعارض ذلك لأنه خطوة ليس لها جدوى. إنها ليست سوى نزوة من الرئيس».

ووصفت الحكومة النزاع مع شركة «بولار» بأنه صراع بين الخير والشر، في ظل إلقاء شافيز عدة خطابات سخر فيها من مالك الشركة، لورينزو ميندوزا، الذي يعد أحد أثرى أثرياء أميركا اللاتينية.

وقال شافيز في خطاب أذيع على التلفزيون الوطني في شهر يونيو (حزيران) الماضي: «سنرى من يستطيع أن يستمر فترة أطول، أنت يا ميندوزا بالملايين التي تمتلكها أم أنا بأخلاقي. ولأنك الغني ستذهب إلى الجحيم، ولن تذهب إلى الجنة».

كما دعا الرئيس العمال للانتفاضة ضد النخبة. وقال: «أدعو الطبقة العاملة الحقيقية في فنزويلا إلى حرب اقتصادية ضد البرجوازية».

وكان شافيز قد حذر ميندوزا بصورة مباشرة بأنه قد يأمم شركة «بولار» بالكامل، التي تشكل 2.4 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي في فنزويلا وتعد أكبر شركة خاصة في البلاد. واكتسب الشعار الخاص بهذه الشركة شهرة كبيرة في جميع أنحاء فنزويلا وغيرها من البلاد.

ولم يصدر عن ميندوزا، الذي يبلغ من العمر 44 عاما، أي رد فعل علني إزاء هذه الهجمات، ورفض المسؤولون بالشركة التعليق على جهود شافيز لتأميم منشآت الشركة في باركيسيميتو.

بيد أن موظفين بالشركة قالوا إنهم يعارضون تدخل الحكومة لأنهم يعتقدون أن العاملين أخفقوا في الشركات المؤممة، حيث واجهوا تخفيضا في الرواتب ولم يكونوا قادرين على التفاوض بصورة جماعية.

وقال ريتشارد بريتو، رئيس أحد الاتحادات العمالية التي تمثل أكثر من 800 عامل في هذه المدينة: «لم يفكر فينا أحد في أي مرة، ولم يتم سؤالنا ما إذا كنا موافقين أم لا».

وقال العمال أيضا إن «بولار» تقدم رواتب ومزايا تفوق بكثير تلك التي تقدمها الشركات الأخرى في فنزويلا، بما في ذلك الشركات المملوكة للدولة.

وقال خوان تاكوا، رئيس اتحاد عمالي آخر في المدينة: «إننا نرفض لأننا شاهدنا تجارب الشركات الأخرى التي تم تأميمها. لدينا في شركة (بولار) مزايا نعرف أننا لن نستمتع بها مع الحكومة».

وتجاوز الموقف الذي تبناه العمال حدود البوابات الحديدية التي تحيط بالمنشآت التي توزع منها الشركة المشروبات، حيث أظهر استطلاع رأي أجرته شركة «كونسالتورز 21» في كاراكاس أن 84 في المائة من السكان المحليين في باركيسيميتو يعارضون تأميم الشركة.

وكانت معارضة خطط الرئيس أمرا محرجا على نحو خاص لأنها جاءت أثناء فضيحة مزعجة تنطوي على سوء إدارة من جانب الدولة لتوزيع الغذاء. فعلى مدار الشهرين الماضيين، تبين أن عشرات الآلاف من أطنان الأغذية المستوردة والموجهة إلى الأسواق المدعومة من جانب الدولة كانت فاسدة في الموانئ والمستودعات. وكانت شركة «بيتروليوس دي فنزويلا» النفطية المملوكة للدولة مسؤولة عن توزيع هذه الأغذية، التي كانت تحتوي على دجاج وحبوب وحليب مجفف.

يشار إلى أن إنتاج الغذاء انخفض انخفاضا حادا في ظل حكم شافيز، في حين ارتفعت الواردات ارتفاعا كبيرا. وأصبح أمن الغذاء والأسعار المرتفعة حقائق مزعجة، وهو الأمر الذي دفع الحكومة في الآونة الأخيرة إلى تأميم سلسة من المتاجر الكبرى.

وعلى الجانب الآخر، نمت شركة «بولار» في السنوات الأخيرة لتصبح كيانا ضخما يعمل به 30 ألف عامل، ويمتلك 14 مصنعا و75 مركز توزيع في فنزويلا. ومنذ أن أسس جد ميندوزا الشركة في عام 1941، توسعت لتنتج كل شيء بداية من المشروبات إلى الزبد وزيت الطهي والمايونيز. وأشهر منتج غذائي تنتجه الشركة هو الدقيق اللازم لكعكة الذرة، التي تعد أحد الأغذية الرئيسية على مستوى البلاد.

وقال روبرت بوتوم، رئيس تحرير صحيفة «فن إكونوميا» في كاراكاس: «إنها شركة مثل (كرافت) أو (بروكتر آند غامبل)، التي تبيع الكثير من السلع الأساسية والأشياء التي يستخدمها الناس. ولديها تقليد عمره 60 عاما وهو متمثل في الحفاظ على الجودة ومعاملة العملاء والعمال بصورة جيدة. ينبغي أن تكون مثالا لما يجب أن تكون عليه الشركات».

وخلال الأسبوع الماضي، واصل العمال المحتجون اعتصامهم، وكانوا يلعبون الدومينو والبينغ بونغ، وأمضوا الليل من دون نوم ليتأكدوا أن أنصار شافيز لن يأتوا لاقتحام بوابات المصنع.

وتم إغلاق المداخل بمنصات خشبية كبيرة، وكانت اللافتات المعلقة على الأسوار تقول: «كلنا بولار»، و«لستم وحدكم». ووصلت حافلة أخرى محملة بالعمال من منشأة أخرى تابعة للشركة لتقديم المساعدة.

وقال سانتوس فريتا (42 عاما) الذي يعمل على تحميل الشاحنات، إنه يعمل طوال اليوم، ويذهب إلى المنزل لتناول الطعام، والآن مستعد للبقاء تسع ساعات أخرى.وأضاف: «هذه هي معركتنا، وهذه هي قضيتنا، والسبب في وجودنا هنا هو وظائفنا. إننا هنا لأننا نحتاج إلى الدفاع عن وظائفنا، من أجل أطفالنا وأسرنا».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»