«حارس شعلة» أوباما ومصدر ثقته.. لا يعرفه غالبية الأميركيين

مكدونو أول من يتصل به الرئيس في قضايا الأمن القومي.. ورؤساؤه لا يتخذون قرارات كبرى دون استشارته

دينيس مكدونو
TT

ساد اعتقاد لدى بعض كبار مستشاري الرئيس أوباما لشؤون الأمن القومي أواخر العام الماضي بأنهم توصلوا إلى إجماع في الرأي حول أحد جوانب استراتيجية أفغانستان بعد اجتماع مع الجنرال جيمس إل. جونز، مستشار الأمن القومي.

إلا أنه كان لزاما عليهم في البداية أن يتحروا رأي دينيس مكدونو، رئيس فريق العاملين بمجلس الأمن القومي. وطبقا لما ذكره اثنان من مسؤولي الإدارة، أخبر مكدونو اثنين من رؤسائه بأنه «لا أعتقد أن هذا يعكس رأي الرئيس».

بعد شهرين، عندما حاول مسؤولون بولاية فلوريدا وقف الرحلات الجوية لإجلاء مصابين من هايتي من داخل مدينة بورت أو برنس، أحد المواقع التي ضربها الزلزال، شرع مكدونو في استخدام جهاز بلاكبيري الخاص به الذي لا يفارقه قط. وفي غضون ساعات قلائل، حسبما أشار مسؤولون، تحركت جانيت نابوليتانو، وزيرة الأمن الداخلي، لضمان الإبقاء على حركة الطيران مفتوحة.

وعليك هنا نسيان أمر هيلاري رودهام كلينتون، وزيرة الخارجية، أو روبرت إم. غيتس، وزير الدفاع، فعندما يتعلق الأمر بالأمن القومي، تصبح دائرة الأشخاص المقربين من أوباما شديدة الضيق، من بينهم مكدونو، 40 عاما، من مينيسوتا، وهو شخصية غير معروفة لدى غالبية الأميركيين، لكنه مقرب للغاية من الرئيس لدرجة أن زملاءه وكذلك رؤساءه غالبا ما لا يقدمون على اتخاذ قرار بشأن قضايا كبرى من دون استشارته أولا.

من جانبها، أشارت شيريل ميلز، رئيسة فريق العمل المعاون لكلينتون، إلى أن مكدونو يعد «حارس شعلة الرئيس». أما بريان كاتوليس، خبير السياسة الخارجية وأحد أصدقاء مكدونو، فقال: «عندما يرغب الرئيس في التقاط سماعة الهاتف والحديث إلى شخص بشأن أمر يخص الأمن القومي، فإن هذا الشخص يكون دينيس».

عندما نما إلى علم أوباما أمر مقال «رولينغ ستون» الذي أدى إلى طرد جنرال ستانلي إيه. ماكريستال من منصبه كقائد للقوات الأميركية بأفغانستان، كان مكدونو واحدا من قرابة ستة أشخاص استدعاهم على الفور إلى المكتب البيضاوي.

الواضح أن مكدونو يتبع توجها حمائيا قويا تجاه الرئيس، ويشتهر باستخدامه الهاتف أو بلاكبيري كثيرا في توزيع المهام على مختلف الأطياف، من مراسلين إلى مسؤولين آخرين معاونين لأوباما. وقد قضى كامل المسافة التي قطعها على دراجته إلى المنزل من «تاكوما بارك» في الجدال عبر الهاتف الجوال مع مراسل رأى مكدونو أنه أساء تشخيص جدال دار داخل الإدارة حول السياسة تجاه العراق.

وقد وبخ بعض كبار المهتمين بالسياسة الخارجية داخل الحزب الديمقراطي عندما تجرأوا على انتقاد أوباما علانية، ليترك وراءه كبار مسؤولي المؤسسة السياسية في واشنطن يتمتمون بصوت خفيض، وغير معلن بالطبع، حول من يظن هذا الشخص نفسه.

وتحمل رسائله الإلكترونية طابعا أسطوريا عبر أرجاء واشنطن، وعادة ما تظهر بمجرد ظهور نقد ما على شبكة الإنترنت. عندما كتب ديفيد روثكوبف، خبير الأمن القومي ومسؤول وزارة التجارة في عهد إدارة كلينتون، مقالا لـ«واشنطن بوست» في أغسطس (آب) الماضي، أثنى خلاله على كلينتون - وليس أوباما - لتوليها الإشراف على «تغييرات عميقة» على السياسة الخارجية الأميركية، جاءت أول رسالة بريد إلكتروني تلقاها روثكوبف من مكدونو.

خلال مقابلة أجريت معه، قال روثكوبف: «تحب الشخصيات السياسية وجود أشخاص حولهم يحمون ظهورهم. أتفهم سبب قلق الناس من مكدونو، إنهم غيورون فحسب من علاقته الوثيقة بالرئيس. لكن الرئيس يستحق وجود شخص مثله لجانبه».

من جانبه، رفض مكدونو التعليق من أجل هذا المقال.

يذكر أن أوباما قد وصل لواشنطن منذ ست سنوات كشخص غريب سياسيا عنها، كان بمثابة مجرد مبتدئ في عالم السياسة قادم من كاليفورنيا لا تربطه صلات تاريخية بالمؤسسة المعنية بالسياسة الخارجية داخل الحزب الديمقراطي. في مرحلة مبكرة من حملته الانتخابية، انضم مكدونو إلى أوباما.

سبق أن عمل مكدونو مستشارا بمجال السياسة الخارجية للسيناتور توم داشل قبل هزيمة داشل الانتخابية عام 2004، وكان مكدونو يعمل حينها بـ«مركز التقدم الأميركي» (سنتر فور أميركان بروغريس)، وهي منظمة بحثية ليبرالية.

وعمد مكدونو إلى التجول بمختلف أرجاء البلاد أثناء الحملة الانتخابية الرئاسية لأوباما. وقد قضى وقتا طويلا للغاية في تفحص الدائرة الانتخابية الموكلة إليه بدقة لدرجة أنه بحلول موعد عقد مؤتمر أيوا الحزبي أصبح يلقي السلام على المشاركين بالاسم، مما دفع أقرانه لأن يطلقوا عليه لقب عمدة المدينة على سبيل المزاح. (فاز أوباما بأصوات خمسة من إجمالي سبعة مندوبين داخل هذه الدائرة).

في الواقع، يبدو مكدونو نجما على غلاف مجلة شهيرة أكثر من كونه خبيرا معنيا بالسياسة الخارجية داخل واشنطن. الطريف أن مكدونو يحرص دوما على قياس وزنه عند طبيب البيت الأبيض للتأكد من عدم تجاوز وزنه 200 رطل.

إلا أنه في وقت مبكر من الحملة الانتخابية، اضطلع مكدونو بدور المرشد الروحي لسياسة أوباما الخارجية. في هذا الصدد، أشار مسؤول بالإدارة إلى أن «السياسة الخارجية شكلت دوما المهمة الأهم لنا خلال الحملة الانتخابية». وأضاف أن الرئيس أوباما «وثق في قدرة دينيس على الاضطلاع بالمهمة».

في أعقاب المناظرة الديمقراطية التي دارت في جنوب كاليفورنيا عام 2007، عندما وصف أوباما فكرة الامتناع عن الحديث إلى أعداء أميركا بـ«السخيفة»، عكف مكدونو وأوباما على دراسة الضجة التي أثارها هذا الأمر. وطبقا لما ذكره مسؤول سابق في الحملة الانتخابية الرئاسية لأوباما، أخبر مكدونو «الرئيس» بأنه «عليك عدم التراجع عن موقفك. أنت لست بحاجة لمحاضرات حول السياسة الخارجية من المؤسسة المعنية بها داخل الحزب الديمقراطي».

الواضح أن الصلة التي أقراها معا خلال فترة الحملة الانتخابية أكدت على دور مكدونو كأكثر مستشاري أوباما للشؤون الخارجية الموثوق بهم داخل البيت الأبيض. اليوم، يضم مجلس الوزراء المعاون لأوباما الكثير من خصومه الديمقراطيين القدامى، حيث يتخذون قرارات حيال السياسات تجاه أفغانستان والعراق وإيران، لكن يبقى مكدونو أقرب إلى الرئيس منهم.

داخل وزارتي الدفاع والخارجية، أشار مسؤولون إلى أنهم يتعرضون لهجوم شديد من جانب مكدونو عندما يساوره أنهم سربوا شيئا ما قبل أن يكون البيت الأبيض مستعدا للإعلان عنه. في الشهور الأخيرة، أصبح مكدونو لين العريكة، حسبما ذكر زملاؤه. في الواقع، بدأ مكدونو عام 2010 في إخبار مراسلين بأنه على وشك بذل مجهود كي يصبح شخصا لطيفا.

داخل البيت الأبيض، يمارس مكدونو ضغوطا على البيت الأبيض للتأكد من أن الموظفين الصغار في فريق العمل داخل مجلس الأمن القومي تجري دعوتهم لحضور الحفلات والمناسبات الرسمية.

خلال مقابلة أجريت معه، قال جنرال جونز إنه عاجز عن تذكر متى أخبره مكدونو وأخبر مسؤولين آخرين بأن إجماعهم الناشئ حول السياسة الأفغانية لا يسير وفق توجهات أوباما. لكنه استطرد بأنه «لست متضايقا من هذا الأمر، فهذا ما أتوقعه منه. إن وجود دينيس يمثل أصلا عظيما نملكه جميعا نظرا لمعرفته بالرئيس لفترة طويلة. لذا، فهو يدرك طريقة تفكير الرئيس في القضايا».

* خدمة «نيويورك تايمز»