الهند تستعين بإيران لإيجاد منفذ إلى أفغانستان

مسؤول بوزارة الشؤون الخارجية الهندية قائلا: المصلحة الوطنية تملي علينا هذه السياسات

TT

قبل مؤتمر السلام الذي سيعقد في كابل في 20 يوليو (تموز) تدرس الهند خياراتها السياسية في أفغانستان، وفيما يظل الرئيس الأفغاني حميد كرزاي رهانها الأفضل، تسعى نيودلهي إلى التقرب من إيران ولديها هدف جيوسياسي حيث ترغب في العثور على منفذ إلى أفغانستان التي توليها اهتماما بالغا وتريد الهند ضمان بقاء أفغانستان دولة ذات سيادة والحد من نفوذ حركة طالبان ومن التدخل الباكستاني في الشؤون الأفغانية.

وتشعر الهند بأن دورها يقل داخل أفغانستان على الرغم من «استثماراتها الإنسانية» التي تجاوزت ملياري دولار قيمة مساعدات لإعادة إعمار الدولة. وأنشأت الهند طرقا وشبكات بث ومدارس ومستشفيات. ويعمل الأطباء الهنود في مناطق أفغانستان النائية. إلا أن معظم المعدات ومواد البناء الهندية تصل إلى أفغانستان عبر إيران. وترتبط الهند بعلاقات جيدة مع أفغانستان، بينما علاقة الأخيرة متوترة مع باكستان. لكن ليس للهند أقدام داخل أفغانستان مما يعني أنها ليس لها أي دور في الظروف الأمنية المعقدة. لذلك فعندما تدعو الهند إلى عدم التفاوض مع طالبان، فربما يكون ذلك صحيحا نظريا لكن كلمات نيودلهي هذه ليس لها أي ثقل على أرض الواقع.

ومع الحديث المتكرر للمسؤولين الأميركيين عن الانسحاب من أفغانستان عام 2011 وعودة بروز باكستان وحركة طالبان كلاعبين مهمين على الساحة الأفغانية من وجهة نظر الهند ترى الهند أنها تفقد وبسرعة جميع الأوراق التي كانت تلعب بها على الساحة الأفغانية. ولذلك فليس من الغريب أن تعود عبارات مثل «إيران عامل مهم للاستقرار في المنطقة»، والتي كانت اختفت من أعوام مضت، لتتردد مرة ثانية في دوائر السياسة الهندية.

وعلى الرغم من أن خط الغاز الإيراني - الهندي - الباكستاني ربما لن يرى النور (لأنه لا بد أن يمر عبر باكستان) وعلى الرغم من أن الهند لم تعد بحاجة إلى البترول الإيراني، فإن لدى طهران شيء آخر لتقدمه للهند – وهو المرور إلى أفغانستان.

وصرح وزير الخارجية الهندي نيوباما راو بأن نيودلهي تقوم بمراجعة علاقتها بطهران من منظور استراتيجي مستقل عن نظرة دول أخرى مثل الولايات المتحدة. ويأتي هذا بعد عقد اجتماع لجنة العلاقات الإيرانية - الهندية المشتركة برئاسة وزير الشؤون الخارجية الهندي إس إم كريشنا ووزير المالية الإيراني شمس الدين حسيني في دلهي يومي 8 - 9 يوليو (تموز).

وقد ركز على ذلك وزير الخارجية الهندي راو قائلا: «كل منا جار لأفغانستان وباكستان وقد عانينا من الإرهاب القادم من خارج حدودنا وكل منا لا يرغب في أن يرى الجماعات المتطرفة والأصولية تنجح في قمع آمال الشعب الأفغاني وتعيد أفغانستان كمعقل لتدريب وتخفي الجماعات الإرهابية. لذلك، وعلى الرغم من الاختلافات بينهما، فإن الهند وإيران تعتبران حليفين طبيعيين فيما يتعلق بأفغانستان». وكان يشير في هذا التصريح إلى نية الهند الاستمرار في المشاركة في «اللعبة الكبرى» التي تلعب في أفغانستان، مستخدمة إيران كحليف.

ومهما كان الحل النهائي في أفغانستان، فإن باكستان سوف يكون لها بالتأكيد دور كبير هناك. والرأي السائد في نيودلهي أن باكستان تسعى بجد لمحاولة إبعاد الهند عن الساحة الأفغانية كاملة. ودور باكستان الكبير مبني على حقائق أساسية تتضمن سيطرتها على خطوط الدعم اللوجيستي الخاصة بالقوات الأجنبية في أفغانستان وعلاقتها بحركة طالبان أفغانستان التي تنطلق عملياتها من مجالس الشورى في المدن الباكستانية مثل كويتا، وبيشاور وميرم شاه.

ويعد اهتمام الهند الحالي بإيران اهتماما جيوسياسيا، فالهند وإيران تخشيان عودة نظام حركة طالبان الصديق لباكستان إلى الحكم في أفغانستان. وإيران هي صلة النقل والتجارة الوحيدة بين الهند وآسيا الوسطى. كما أن لدى إيران مشكلة ثقة كبيرة مع باكستان، وحركة طالبان مستمرة في معارضتها الشديدة للنظام في طهران. وما زالت القيادة الإيرانية عاجزة عن التوافق مع قادة الجيش الباكستاني الداعمين للولايات المتحدة. وبعد الغضب الإيراني إثر تصويت الهند ضد إيران في الوكالة الدولية للطاقة الذرية، تحاول الهند إعادة بناء الجسور مع طهران. وفي هذا السياق، قام وزير الشؤون الخارجية الهندي كريشنا مؤخرا بزيارة لطهران، ثم اجتمعت اللجنة الهندية الإيرانية المشتركة للطاقة والتجارة هذا الأسبوع بعد توقف دام ستة عشر شهرا. وشهد هذا الاجتماع التوقيع على ست اتفاقيات مشتركة للتعاون في مجالات الاقتصاد والطاقة غير النووية ومحاربة الإرهاب. وتأتي هذه الاتفاقيات في مواجهة العقوبات الدولية المفروضة على إيران. إلا أن الهند تؤكد على أنه في الوقت الذي تتوقع فيه من إيران تنفيذ التزاماتها المتعلقة بالطاقة النووية، فإن التعاون الاقتصادي بين الجارين ضروري بسبب العلاقات التاريخية بينهما. واستحوذ على النقاش بين البلدين حالة التمزق التي تشهدها أفغانستان، واتفق البلدان على التعاون من أجل تحقيق الاستقرار في أفغانستان. كما اتفقا على التعاون في مجالات البنية التحتية والبترول والغاز والبتروكيماويات والتعدين والنقل والصناعات الكيمائية وصناعة الأدوية والنسيج والزراعة.

كما تساهم الهند في تطوير ميناء تشابهار على شواطئ إيران الجنوبية الشرقية وخطوط السكك الحديدية المرتبطة بها. ولهذا الميناء أهمية استراتيجية كبيرة بوصفه نقطة انطلاق لوصول الهند إلى أفغانستان وآسيا الوسطى متجاوزة باكستان. لهذا السبب، أنفقت الهند أيضا الكثير من المال والأرواح البشرية لبناء الطريق زارانج - ديلارام في إقليم نيمروز في أفغانستان، والذي كان الهدف منه إقامة رابط مع الميناء تشابهار.

وإذا حدث الأسوأ، فإنه سيمنح الهند أيضا ما يلزم لتقديم المساعدة إلى قوات تحالف الشمال في أفغانستان، والتي قد تصبح ورقة الهند الرابحة الوحيدة في كابل، في حال انسحاب القوات الأميركية وعودة حركة طالبان.

لكن السؤال المطروح للنقاش هو: كيف ستحقق الهند التوازن في علاقاتها مع الولايات المتحدة وإيران؟

كيف سيؤثر هذا على علاقات الهند بالولايات المتحدة؟

وكانت الهند قد أكدت على أنها لا تستطيع قطع علاقاتها مع إيران. وقبلت الولايات المتحدة هذا الوضع لأنها تنظر إلى علاقاتها الاستراتيجية طويلة الأجل مع الهند على أنها أكثر أهمية.

وهو ما عاد وأكده مسؤول بوزارة الشؤون الخارجية الهندية قائلا: «المصلحة الوطنية تملي علينا هذه السياسات. إيران هي لاعب إقليمي مهم ولها دور رئيسي في خططنا الخاصة بأمن الطاقة. لذا، لا يمكن أن نربط أنفسنا بالآخرين».