وزير الثقافة العراقي: افتتحنا أول مركز ثقافي في واشنطن بعد رفض دول عربية طلبنا

الحديثي لـ «الشرق الأوسط» : لا صراع بين الثقافتين العربية والكردية.. وحاربت الطائفية في وزارتي

وزير الثقافة العراقي ماهر دلي الحديثي («الشرق الأوسط»)
TT

أكد وزير الثقافة العراقي ماهر دلي الحديثي أن هدف وزارته في هذه المرحلة هو ربط مثقفي العراق في الخارج بمثقفي الداخل، مشيرا إلى أنه مُصرّ على أن يؤكد للعالم أن المثقف العراقي لم يتأثر سلبيا بكل ما مر بوطنه من عواصف، وأنه ما زال يقدم إبداعات إنسانية هامة وأصيلة.

وقال الحديثي لـ«الشرق الأوسط» على خلفية افتتاح أيام الثقافة العراقية في القاهرة: «إننا نأسف على من يتصور أن الثقافة العراقية راحت ترعى في أحضان أميركا»، مشيرا إلى أن دور المركز الثقافي في واشنطن هو أن «نوضح للشعب الأميركي.. أننا نتقدم له بكل ما من شأنه أن يعزز العلاقات والسلام العالمي على المستوي الإنساني».

وأعرب الحديثي في حواره مع «الشرق الأوسط» عن ألمه من كون أول مركز ثقافي عراقي أقيم في واشنطن ولم يكن في واحدة من العواصم العربية، بعدما رفضت تلك الدول طلب العراق بإنشاء مراكز ثقافية بها، كما أكد أن وجود وزارة ثقافة في كردستان العراق لا يعني وجود أي نوع من الصراع، لافتا إلى أن الوزارتين تمثلان الثقافة العراقية. وفي ما يلي نص الحوار:

* وجود وزارة ثقافة في كردستان العراق إلى جوار وزارة الثقافة العراقية.. هل يعكس صراعا بين الثقافتين الكردية والعربية؟

- وجود وزارة للثقافة في كردستان العراق لا يعني وجود أي نوع من الصراع بين الثقافتين العربية والكردية، هم يعملون بثقافتهم الكردية ونحن نعمل بالثقافة العربية، ونحاول الدمج بينهما وتقريب وجهات النظر الثقافية. هناك نشاطات مشتركة نركز عليها لتحقيق ذلك، كان منها الكثير في بغداد، كما أننا نعد لإقامة مهرجان بابل الدولي في أكتوبر (تشرين الأول)، سوف يشارك فيه عدد كبير من الدول من شتى أنحاء العالم، وهذه الفعاليات ليست وحدها التي نقوم بها في كردستان، حتى نعرف العالم أنه لا يوجد بيننا أي نوع من التقاطع، فقد أنشأنا بيت ثقافة في أربيل، نتخذه وسيلة لتوصيل الإنتاج الثقافي العربي إلى كردستان، كما أننا نعتبره إحدى وسائلنا لاستقبال ما يقدمه من نشاطات وإبداعات كردية. خلاصة ما أريد قوله هو أن لدينا مع وزارة الثقافة في كردستان عملا مشتركا وجماعيا، كما أن لدينا علاقات طيبة مع الوزارة ووزيرها كاوة محمود، وقد التقينا في منظمة اليونيسكو على أننا نمثل الثقافة العراقية، وتحدثنا حديثا سعينا من خلاله لتحقيق أهداف مشتركة.

* لكن ما الأهداف التي تسعون لتحقيقها من خلال ذلك؟

- هدفنا ربط مثقفي العراق في الخارج بإخوانهم في الداخل، نريد أن نتواصل مع هؤلاء، ونوطد الصلة بينهما لكي لا تكون هناك فجوة بين الاثنين، وهذه البرامج وسيلتنا لذلك، وهناك عدد كبير من الكتاب والأدباء والمفكرين العراقيين موجودون في عدد من العواصم العربية، في دمشق وعمان والإمارات والقاهرة، وقد بدأنا من هناك، وتكرست أنشطتنا وتركزت على ربطهم بوطنهم وبإخوانهم من مثقفي الداخل. المقصود من كلامي هذا أن القاهرة وأسبوعها الثقافي الذي تدور فعالياته حاليا لم تكن المحطة الأولى التي نبدأ منها جولتنا لإقامة الأنشطة الثقافية العراقية خارج العراق، هناك فعاليات سبقت ذلك في دمشق وعمان والإمارات وقطر. بعضها كان بجهد خالص من وزارة الثقافة العراقية، أطلقنا عليه أسابيع ثقافية، أما النشاطات الأخرى التي كانت تقام بجهود مشتركة أو منفردة من قبل المثقفين العراقيين في الخارج فنسميها أياما ثقافية.

* لماذا إذن كان أول مركز ثقافي عراقي في واشنطن ولم يكن في واحدة من العواصم العربية؟

- فاتحنا الدول العربية كافة في ذلك، طالبنا بإنشاء مراكز في مصر والأردن وسورية وقطر والإمارات والجزائر وتونس، لكن للأسف لم توافق أي دولة منها، من هنا تستطيع أن تدرك أن افتتاح مركز واشنطن لم يكن اختيارا، لكنه جاء ضمن خطة لإنشاء مراكز ثقافية عراقية في عدد من دول العالم، قابلتها الدول العربية بالرفض.

* لكن ما الأسباب التي قيلت لتبرير ذلك؟

- هم يخشون أن ينتقل الوضع الأمني في العراق إلى بلادهم. سبّب الرفض العربي ألما كبيرا لنا، وقد نقلت ذلك مؤخرا لوزراء الثقافة العرب.

* كيف تنظر إذن إلى المركز الثقافي العراقي في واشنطن؟

- نقل الأميركان مبررات لغزو العراق، منها أنه متخلف وبدائي، صوروا للعالم ذلك، ونحن نريد من خلال مركزنا لديهم أن نطلع الشعب الأميركي على ثقافتنا، يجب أن يدركوا أن لدينا امتدادات إنسانية وتاريخية، لذلك سوف نجعل من هذا المركز وغيره جسرا ليعرف العالم أن للعراق وشعبه مكانة وقيمة كبيرة في التاريخ الإنساني والثقافة العالمية.

* لكنه موجود على أرض دولة الاحتلال.

- أجل، هو كذلك، لكنه لن يكون مرتكزا لسياسة أميركا تجاه العراق، وسوف نوظفه لنشر الوعي والثقافة والحضارة العراقية بعيدا عن كل الأجندات التي قد يتصورها البعض ممن يعتقدون أنه سوف يمكن لأميركا أن توظف استراتيجيتها الثقافية من خلاله.

* ماذا تريدون أن تقولوا من خلاله؟

- يؤلمني جدا هذا السؤال، وكأن الثقافة العراقية تبرأت من إرثها الحضاري، وراحت ترعى في أحضان أميركا. نريد أن نقدم خدمة للثقافة العراقية، نطلع العالم على حقيقة وضعنا الثقافي، ولن نتوقف عند هذا الحد، بل سوف نستخدمه في توصيل رسالة إلى أميركا وشعبها.. إننا موجودون، رغم كل الظروف، سوف نقول لهم إن ثقافتنا أكبر من أن تهزها دباباتهم وأسلحتهم وطائراتهم. نسعى لأن نوضح للشعب الأميركي الذي جاءنا غازيا أننا نتقدم بحضاراتنا وتراثنا للعالم، نتقدم له بكل ما من شأنه أن يعزز العلاقات والسلام العالمي على المستوى الإنساني.

* كيف تم التحضير إذن لإقامة أسبوعكم الثقافي في القاهرة؟

- كنت في زيارة للقاهرة قبل أشهر، والتقيت المثقفين العراقيين. واستمعت لهمومهم وطموحاتهم، وانتقاداتهم أيضا، وكل ما يجول بخواطرهم. وكان اتفاقنا على تنظيم هذه الأيام من بين نتائج هذا اللقاء، قمنا بعد الزيارة بتشكيل لجنة من المثقفين العراقيين، ترأسها الكاتب خضير الميري وتشكلت من عدد من المثقفين، وقد كانت هذه اللجنة حلقة وصل بينهم وبين دائرة العلاقات الثقافية التابعة للوزارة. كانت هناك اتصالات، اتفقنا خلالها على إقامة أيام للثقافة العراقية في القاهرة. رحنا نعد له وتوقعنا أن يكون كبيرا وشيقا وأن يؤتي ثماره. وهناك مشاركات من الفرقة القومية للفنون الشعبية، فضلا عن الأزياء العراقية، وهناك أمسيات شعرية يشارك فيها شعراء الداخل والخارج، ومعرض فن تشكيلي وآخر للكتاب يتضمن نتاج دار الشؤون الثقافية التابعة للوزارة ومطبوعات «المأمون» للترجمة والنشر. توجد أيضا فرق موسيقية تقدم معزوفات تعرض من خلالها فنون بغداد العريقة والمقام العراقي.

* يبدو أن وراء هذا الحشد الفني الكبير رغبة في توصيل رسالة ما.

- هناك بالطبع عروض كبيرة نريد أن نؤكد من خلالها أن الثقافة العراقية على الرغم مما أصابها خلال السنوات التي بدأت بالاحتلال من عام 2003 حتى يومنا هذا، وما مرت به من هموم كبيرة، وما حدث لرموزها من قتل وتهجير، ما زالت بخير. نريد أن نقول إن المثقف العراقي لم يتأثر سلبيا بكل ما مر بوطنه من عواصف، وأنه ما زال يقدم إبداعات إنسانية هامة وأصيلة.

* ما هو سر اختيارك وأنت وزير ثقافة لزيارة الكويت والأردن بعد توقيع الاتفاقية الأمنية مع أميركا؟

- الحقيقة كانت المهمة سريعة. ولم أكن الوحيد الذي تكلف بها، لكن من جهتي أنا زرت هاتين الدولتين لنقل رسالتين لتوضيح صيغة الاتفاقية، كنا نريد أن نطلع الأشقاء العرب على فحوى الاتفاقية، لم يكن الأمر أكثر من ذلك.

* لكن ذلك يقع في مهام وزارة الخارجية.

- تكلفت بهذه المهمة عدة وزارات، وكان وزير الخارجية مكلفا أيضا، ونقل رسائل أخرى.

* بماذا بدأتم إذن بعد قبولكم مهام وزارة الثقافة؟

- نحن كمثقفين واجب علينا أن نهيئ الأرضية لكي تنطلق الثقافة العراقية، كان هناك ركام تعاني منه داخل الوزارة سببه تفشي الطائفية، وقد قمت بمحاربتها، ساعدني على ذلك أنني مستقل، لي علاقات مع كل الطوائف والقوميات جعلتها وسيلة لسحب المثقف العراقي ليقدم إنتاجا إبداعيا خالصا بعيدا عن السياسات الحزبية الضيقة.

* لكنّ هناك تفشيا للصراعات الطائفية في كل مكان في العراق.

- لو رأيت وزارة الثقافة سوف تجد العمل يجري في أروقتها على أروع ما يكون بين طوائف الشعب المختلفة، الجميع يعمل ليقدم نتاجا مشتركا دون أن يكون هناك منع لجهة حزبية أو أقلية قومية، الجميع يعمل تحت راية الثقافة العراقية. وقد كان هدفنا بمجرد أن توليت مهام وزارة الثقافة أن نحررها من كابوس الطائفية، من الحصار والحجز في داخل الحدود، لهذا تحركنا إلى العالم العربي، وأقمنا الكثير من النشاطات والأسابيع الثقافية، كانت لنا أيضا جولاتنا في كل من السويد والدنمارك وباريس.

* لكن ما نصيب المثقف في الداخل من جهودكم؟

- لدينا خطة لسحب العالم كله إلى العراق، أقمنا على خلفيتها مؤتمرنا الدولي الأول للترجمة، فرغنا منه مؤخرا، وعقدناه في بغداد، وضم مشاركين من أكثر من 15 دولة، كان من بين المشاركين مصر والجزائر والمغرب وتركيا. هناك أيضا وفد من مثقفي الدنمارك زار العراق أخيرا.. الخلاصة أننا سوف نقوم بسحب العالم كله إلى العراق، وسوف نوجه دعوة إلى مصر لإقامة أسبوع ثقافي لفنونها في بغداد التي تستعد لاستقبال المنتدى العالمي للمسرح قريبا.