بترايوس يراجع قواعد الاشتباك في أفغانستان

الجنود يشكون القيود المفروضة للحد من الإصابات بين المدنيين

TT

بدا للجنود الأميركيين الذين كانت تنهال عليهم قذائف الهاون داخل نقطة خدمتهم بالقرب من قندهار، أنه يحق لهم طلب السماح بالرد من خلال قصف قذائف هاون أيضا، أو طلب تدخل جوي ضد المهاجمين، فقد كانت النيران تقترب على نحو خطر من مركز الحراسة، وكان في استطاعة الجنود رؤية المتمردين الذين يطلقون القذائف بوضوح من خلال كاميرا عالية الدقة. ولكن، كان الرد من مركز القيادة، الذي يقبع على بعد أكثر من 20 ميلا، مقتضبا. ورفض الطلب، حيث اعتبر الضباط أن المتمردين قريبون بدرجة كبيرة من مجموعة من المنازل، ولربما يوجد داخل المنازل مدنيون. وعلى الرغم من أن المتمردين أوقفوا إطلاق النيران قبل أن يصاب أحد بجراح، كان الجنود يشعرون بالغضب الشديد. وقال جندي في المركز في معرض وصفه للحادث الذي وقع الشهر الماضي شريطة عدم ذكر اسمه: «ليست هذه طريقة القتال خلال حرب، وعلى الأقل داخل قندهار، حيث تقيدنا القيادة بدرجة كبيرة».

وفي الوقت الذي تزداد فيه وتيرة هجمات المتمردين في مختلف أنحاء أفغانستان، يتنامى شعور بالإحباط من قواعد الاشتباك بين جنود وبعض أعضاء الكونغرس. وسيكون على الجنرال ديفيد بترايوس مواجهة هذه المخاوف، التي ستمثل أحد أعقد المهام الأولى التي تنتظره كقائد جديد للقوات الأميركية وقوات الناتو داخل أفغانستان.

ويضع هذا الخلاف رغبة ضباط كبار داخل الجيش في الحد من الإصابات بين صفوف المدنيين، وهو الأمر الذي يعتبرونه ضروريا لصالح حملة مكافحة التمرد، في مواجهة شعور واسع بين الجنود بأن القيود المفروضة على الهجمات الجوية واستخدام القذائف تجعلهم يواجهون مخاطر غير ضرورية وتتيح لمقاتلي حركة طالبان العمل بجرأة أكبر.

وخلال جلسة التصديق على تعيينه أمام لجنة الخدمات المسلحة بمجلس الشيوخ، تعهد بترايوس بأن «ينظر بجد» في قواعد الاشتباك. وبعد ذلك طلب من ليفتينانت جنرال ديفيد رودريغوز، قائد العمليات الأعلى داخل أفغانستان، مراجعة هذه القواعد. وسيتضمن ذلك مناقشات مع الجنود في مختلف أنحاء أفغانستان، حسب ما يقوله مسؤولون عسكريون.

ومن الأشياء التي ستكون محل الدراسة، قرار تكتيكي أصدره سلف بترايوس الجنرال ستانلي ماكريستال في يوليو (تموز) الماضي يحد من استخدام الغارات الجوية والهجمات باستخدام قذائف الهاون ضد المنازل ما لم يكن الجنود في خطر قريب. وتفرض التعليمات على الجنود اتخاذ إجراءات موسعة، ومن بينها تحليل لنمط الحياة على مدار 48 ساعة من خلال استطلاع جوي وأرضي لضمان عدم وجود مدنيين داخل المجمع السكني قبل الأمر بتنفيذ هجوم جوي.

ويقول مسؤولون عسكريون أميركيون بارزون داخل أفغانستان وواشنطن إنه من المؤكد تقريبا أن بترايوس لن يبطل العمل بهذه التعليمات ولكن سيصدر إرشادات معدلة خلال الأيام المقبلة لتسهيل الإجراءات وضمان التساوق في طريقة تنفيذ القواعد.

وعلى الرغم من مزاعم بعض أقارب أفراد في الجيش قتلوا داخل أفغانستان بأن التعليمات فرضت قيودا على قدرة القوات في الدفاع عن أنفسهم، قال المسؤولون إن عملية مراجعة قام بها الجيش الأميركي للعمليات التي مات فيها أفراد خلال العام الماضي لم تجد دليلا على أن هذه القواعد حدت من استخدام النيران لإنقاذ حياة أحد.

وقال أحد المسؤولين: «لم نجد حالة واحدة مات فيها أحد الجنود بسبب عدم السماح له بحماية نفسه». وإذا كان الجنود في خطر داهم، فلا توجد قيود على استخدام الهجمات الجوية أو قذائف الهاون. وقال المسؤول: «توفر قواعد الاشتباك حقا مطلقا للدفاع عن النفس». وتحدث المسؤول، كما هو الحال مع آخرين أجريت معهم مقابلات، شريطة عدم ذكر اسمه بسبب لوائح عسكرية تقيد النقاش حول قواعد الاشتباك.

ويرجع جزء من الجدل إلى تفسيرات متباينة بشأن القرار. وبالنسبة إلى من على رأس سلسلة القيادة، فقد ساعدت القيود على الحد من الإصابة بين المدنيين، وهذه قضية سياسية داخل أفغانستان قوضت الدعم الشعبي للوجود العسكري الدولي. وقد وقعت 197 حالة قتل على يد قوات الناتو، ومن بينهم جنود أميركيون، خلال 12 شهرا مرت على إصدار التعليمات، بالمقارنة مع 332 حالة خلال العام السابق، حسب ما تفيد به إحصاءات لقيادة الناتو في كابل.

وعلى الرغم من أن هذا القرار قلل بدرجة كبيرة من قصف مجمعات سكنية، فلا يزال هناك عشرات الأفغان يموتون كل عام في ضربات جوية على أهداف أخرى من بينها السيارات.

وبالنسبة إلى الجنود في الميدان، فإن هذا القرار خفض روحهم المعنوية وحد من قدرتهم على تعقب المتمردين. ويشيرون إلى أنه فيما يبدو أن مقاتلي طالبان عرفوا القواعد الجديدة ولذا تحولوا إلى قنص الجنود من داخل المنازل أو التراجع إلى منازل بعد تنفيذ هجمات.

ويقول ضابط صغير في الجيش داخل جنوب أفغانستان: «من الجيد أن نستهدف تقليل الإصابة بين صفوف المدنيين، ولكن هل يجب أن يكون ذلك منتهى السياسة؟»، وأضاف: «إذا تركنا الجنود يموتون داخل أفغانستان على يد قائد يقول (سنوفر الحماية للمدنيين وليس للجنود) فماذا سيحدث على أرض المعركة؟ لن يقوم الجنود ببذل أفضل ما عندهم في تنفيذ المهمات. ولن يفرغوا قلوبهم للمهمة».

ويقول مسؤولون بارزون إن المشكلة الرئيسية تكمن في أن الوحدات الأميركية ووحدات الحلفاء في مختلف أنحاء أفغانستان قاموا بتنفيذ القرار في ضوء قيود أكثر مما قصد ماكريستال. وبسبب الخوف من عقوبات تنهي عملهم إذا ما خالفوا القرار، يقوم القادة في المستويات الأقل في سلسلة القيادة بتشديد القواعد، ويضعون شروطا جديدة على استخدام الضربات الجوية وقذائف الهاون.

وفي فصل الربيع من العام الحالي، قام لواء تابع للقوات البرية ينتمي إليه الجنود داخل نقطة بالقرب من قندهار بمنع القادة الميدانيين من السماح لإطلاق قذائف الهاون أو طلب دعم جوي، فيما عدا الحالات الأكثر إلحاحا للدفاع عن النفس. ويجب أن يكون الحصول على الإذن حاليا من قيادة كتيبة، وهو شرط غير متضمن في القرار التكتيكي ويمكن أن يؤخر أي هجوم على العدو. ويقول الجندي الموجود في النقطة: «في الوقت الحالي، يجب التفكير مثل محام عندما يطلق عليك النيران. فعندما يطلق عليك النيران، لا يكون لديك وقت لتوضيح الصورة لمن هم داخل مقر القيادة، فرأسك تحت الأرض».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»