«بنت القصيم».. من حرمانها التعليم إلى المشاركة في لجان المناصحة

تجاوزت العوائق وفرضت نفسها بجدارة على الموروث والسائد

نجحت المرأة في القصيم في الدخول إلى عالم التجارة وتحقيق نجاحات مشهودة تجاوزت حتى الإقليم إلى العالمية (تصوير: ثامر الناصر)
TT

من فتنة «تعليم الفتيات في بريدة (منطقة القصيم) وحتى الحرب الإعلامية التي شنتها أقلام نسائية في الصحف السعودية للمطالبة بحقوقهن الشرعية في التعليم وفرص العمل وإن كانت تحت أسماء مستعارة، وحتى صدور قرار تعليم الفتيات الرسمي وافتتاح مدارس البنات، إلى مرحلة مكافحة الأمية وافتتاح مدارس تعليم الكبيرات 1392هـ، وهي الخطة التي انتهجت رسميا لتوفير كوادر نسائية سعودية في القطاع التعليمي عقب سيطرة الوافدات العربيات على مجمل الفرص الوظيفية آنذاك.. «مطبات اصطناعية» عديدة تمكنت (القصيمية) من تجاوزها وفرض نفسها بجدارة على الموروث والسائد، فبعد أن كان حرمانها من التعليم من قبل أفواه تلبست الغطاء الشرعي باعتباره وسيلة للحفاظ على الفضيلة «المزعومة»، إذا بها تثبت لمن عارضها أنه وبالعلم وحده منحت الرجل الحماية والفضيلة، فبعد أن كان الجهل سلاحا إذا بها تتخذ من العلم سلاحا تدافع به عن مجتمعها، حتى باتت تشارك في لجان مناصحة «الداخلية».

وحلت (القصيمية) 2010 الصدارة في المراكز الإدارية التعليمية، والصحية والثقافية وأصبحت علامة فارقة في مركز المال والأعمال العالمي، حتى إن السيدة البريداوية افتتحت مؤخرا «السبتية» كأول صالون أدبي نسائي في منطقة القصيم، بعد أن كان هناك تجاهل شعبي لاستصدار شهادة ميلاد لها نتيجة غيابها عن مرافق ومؤسسات الدولة.

بلغ عدد السيدات العاملات في منطقة القصيم في عام 1394 هـ بحسب إحدى الدراسات الرسمية 804 فقط حصد القطاع التعليمي النسبة الأكبر منهن، مقابل 34 ألف امرأة لا تعمل، أي ما يعادل 28 ألف ربة منزل.

وفي هذه الحلقة من سلسلة «المرأة القصيمية» تستعرض «الشرق الأوسط» الطرق الوعرة التي خاضتها القصيمية حتى تبلغ مبلغ علمها الحالي في المجال العقاري والاستثماري والانخراط البارز في عمل المجتمع المدني من خلال الجمعيات الخيرية والتعاونية وصولا إلى الأهم والأكثر جدلا «النشاط الدعوي النسوي» في منطقة (القصيم) من خلال المكاتب التعاونية لتوعية الجاليات ودور تحفيظ القرآن والمناشط الدينية في مدارس الفتيات.

رغم ما ساد من عادات وتقاليد ألبست العباءة الشرعية في منطقة (القصيم)، اشترك فيها أيضا عدد من المدن السعودية حرمت على المرأة السعودية حقها الشرعي في التعلم والعمل، تمكنت مؤخرا سيدة القصيم وعقب 50 عاما، من الانتصار على موانع الثقافة الاجتماعية باستعادة أمجاد آبائها في برهنة ما ورثته من ملكة التجارة.

فمن تاريخ (العقيلات) ممن اشتهروا برحلاتهم لطلب الرزق والاتجار والمضاربة بالمال، استعادت (القصيمية) ملكتها التجارية التي ورثتها أبا عن جد، فبات زائر القصيم لا يغيب عن ناظره افتراش ستينيات وسبعينيات بضائعهن وسط سوق «قبة رشيد» وبين أروقة سوق «مسوقف» وكأن لسان حالهن يقول «عادت ذكرى الماضي» والتي شهد لها أحد الرحالة بأن من بين أولئك الجالسين الذين يبيعون الخضراوات هناك الكثير من النساء، «دمشق ليست على هذه الدرجة من التحضر» في إشارة وفق رؤية الرحالة داوتي إلى موقع المرأة الفاعل مبكرا، حيث كانت شريكة في السوق والتجارة والحضارة. لتتمكن (البريداوية) و(العنيزاوية) وباقي نساء محافظات ومدن «القصيم» من التغلب على مسألة اختلاط الديني بالاجتماعي بالأخلاقي، لحقبة من الزمن، عائدة بقوة من وسط مركز المال والأعمال إلى ترسيخ خطواتها وسط جيوش العقاريين والمستثمرين والتجار الذين اشتهروا وشَهرت بهم منطقة «القصيم».

وصفت رنا الدبيان رئيسة الغرفة التجارية (القسم النسائي) في بريدة ومديرة مركز سيدات الأعمال في حديثها لـ«الشرق الأوسط» مراحل تحول سيدة (القصيم) من الناحية الاستثمارية، والذي كان أبرزه بعد صدور قرار وزارة التجارة 2009 الذي نص على «مساواة المرأة تماما في نشاطاتها الاستثمارية مع الرجل» عقب احتكار لعقود طويلة. وقالت: «تمتعت المرأة (القصيمية) وعلى مختلف مراحل تعليمها بملكة فطرية في حس الاستثمار والاتجار، مبادرة بقوة وحماسة إلى تحديث وعيها الاستثماري في محاولة لمواكبة التغيرات العصرية والخروج بأفكار استثمارية وتجارية تتميز بجرأتها إلى العلن بعد الحجر عليها لسنوات عديدة، لتمتد استثماراتها في أعوام قليلة إلى المجالات التعليمية والصحية بتخصصات مختلفة بالإضافة إلى إنشاء نواد رياضية و«سبا»، وتبلغ تأسيس وإدارة مصانع من بينها مصنع للوجبات الخفيفة والذي تعكف على تأسيسه في الوقت الراهن إحدى (القصيميات) برأس مال فاق 10 ملايين ريال سعودي في خطوة بارزة لمنافسة الرجل.

من ملامح العقود الماضية عدم حماسة منطقة القصيم قديما وحتى بداية تعليم البنات في تسجيل حالات مواليد (الإناث) لديها مقارنة (بالذكور)، حيث لم تشكل لدى «رجال القصيم» أهمية بالغة لما يسمى بـ«شهادة الميلاد» للفتاة نتيجة شح مشاركتها العملية، على عكس ما هو لـ«الذكر» حيث أظهرت الأرقام الرسمية الخاصة بمدينة «بريدة» أنه مقابل 100 أنثى يسجل كحد أعلى 134 ذكرا.

إلا أن سيدة القصيم ومن كافة المحافظات باتت مؤخرا رقما مهما ولاعبا أساسيا على الساحة الاستثمارية السعودية وقطاع المال والأعمال والذي برز من خلال تأسيس (مركز سيدات الأعمال) في بريدة منذ عام 2008 ضمت سجلاته أكثر من 2000 رخصة استثمارية بأسماء الجنس «اللطيف» بعد أن حظر لفترة طويلة حتى عن ترديده أمام العامة أو كتابته في صحيفة وبرؤوس أموال بلغت الملايين.

كما لم تستثن نفسها من لم تحظ بإنهاء تعليمها أو في أسوأ الأحوال لم تظفر بشيء منه من المشاركة في سوق المال والأعمال والاستثمار في منطقتها، فالفطرة والحنكة التجارية ولدت من جديد عقب تواريها لسنوات متعددة، وهي من قال عنها أحد المؤرخين «الجنس اللطيف في بريدة لا يقل مهارة في التجارة والاتجار عن الجنس الخشن»، بعد أن تجاوزت النمط الاجتماعي السائد فيها بجرأة وقوة (امرأة القصيم) التي هضمت حقها الإعلامي، سائرة على خطى (لبنى العليان) الذي تردد اسمها وطوال أعوام عديدة في شارع المال والأعمال العالمي «وول ستريت».

رغم ذلك فهناك صعوبات تعترض مسيرة عمل المرأة القصيمية مثل، رفض الجهات الحكومية - بحسب الدبيان - تفعيل القرار 120 والداعي إلى فتح فروع نسائية في مختلف الجهات والوزارات الحكومية، والتزام الجهات ذاتها الصمت حيال الطلب الذي تقدمت به الغرفة التجارية ممثلة بقسمها النسائي منذ عام 2009 وعدم الإجابة على كافة الإلحاقيات بخصوص فتح فروع نسائية لتسهيل مهام استصدار التراخيص والتأشيرات والسجلات التجارية مع رفض استقبال سيدة الأعمال أيضا في الجهات الحكومية وقصر متابعة أعمالها من قبل الرجال أو المعقبين.

وهو لا يعد المثال الأوحد لما رشح كنموذج عن ضغوط الثقافة الاجتماعية في منطقة القصيم، إنما أيضا سطوع قضية غياب المطاعم الغربية الخاصة بالوجبات السريعة فبحسب مديرة مركز سيدات الأعمال «الجمهور يتحكم كثيرا بالمنتجات ومرجعية الاستثمار» مؤكدة «المستثمرون يوظفون أموالهم تبعا لمعتقداتهم».

إلا أن القصيمية وبسياسة مكتسبة وفطرية تمكنت من الانتصار على كثير من موروثات بيئتها، فهي لا تمانع عرض أفكارها التجارية بداية على هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في وسيلة لجس نبض الشارع (القصيمي) فقبيل تقديم مشروعها إلى الغرفة التجارية أو افتتاحه تفاديا لما جرى مع مشاريع مقاهي الإنترنت الخاصة بالفتيات والتي انتهى بها المطاف إلى الإغلاق بحجة عدم جواز خلوة الفتاة «بشبكة العنكبوتية» تفضل سيدة الأعمال القصيمية عرض فكرتها على جهاز الهيئة للمس مدى التقبل أو الرفض المجتمعي، أو حتى لمعرفة الرأي الشرعي لذلك.

وحول دور جهاز هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالنسبة للمشاريع «النسوية» في منطقة «القصيم» أكدت رنا الدبيان عدم تدخل الجهاز في حظر تنفيذ أي من المشاريع، مؤكدة على تشجيع الهيئة لعدد من المستثمرات افتتاح محال لبيع المستلزمات النسائية الخاصة والتي بدأت تتزاحم في شارع خاص لعدد من المحال التجارية الذكورية والتي كانت بحسبها بتشجيع من جهاز الهيئة ذاته.

ولم يمض على مخاض المجتمع المدني النسوي في منطقة القصيم مدة طويلة حتى بدأت تشهد أعداد الجمعيات الخيرية النسائية العامة والمتخصصة إلى جانب التعاونية منها تكاثرا ملحوظا، فبعد مضي نحو 30 عاما على تأسيس جمعية الملك عبد العزيز النسائية الخيرية في (بريدة)، التي تعد أول جمعية نسائية، بات هناك (الجمعية التعاونية) والتي ترأسها حرم أمير منطقة القصيم الأميرة نورة وجمعية (فتاة البدائع) والتي لم يمض على إنشائها سوى خمسة أعوام تلتها جمعية (عنيزة) الخيرية النسائية قبيل (4 أعوام).

ورغم حداثة العمل الاجتماعي النسوي من قبل سيدات القصيم فإنه اكتسى بغطاء حداثي ونظرة منفتحة واعية شملت التركيز على تأسيس جمعيات متخصصة كجمعية «بلسم» الخيرية النسائية (لمرضى السرطان)، وجمعية (العوق البصري) و(السمعي) والتي تحوي أقساما نسائية، لتفرض «القصيمية» نفسها على الساحة السعودية كناشطة اجتماعية ومتطوعة في العمل الخيري، الأمر الذي أرغم وزارة الشؤون الاجتماعية فرع «القصيم» على استحداث مكتب «إشراف نسائي اجتماعي» المسؤول الأول عن القطاع الاجتماعي النسوي في المنطقة.

ككافة البدايات واجه العمل التطوعي النسوي تحدياته الخاصة سواء أكان على البعد الديني والاجتماعي والثقافي والسياسي لفترة مضت من تاريخ منطقة القصيم، فما زالت تذكر رئيسة «جمعية عنيزة الخيرية»، والتي أنشأت حاليا جمعيتها في منزلها الخاص، عقب أن اقتسمت منه طابقا خاصا للجمعية، ما واجهته من رفض اجتماعي لتأسيس جمعيتها منذ عام 1400هـ، وذلك لدعم من عانين من شظف العيش آنذلك من خلال الجمعية، بإيجاد فرص عمل مختلفة لتأمين لقمة العيش كالتدريب على المهن الحرفية وغيرها، إلا أن الرفض الرسمي كان الجواب الأوحد منذ 30 عاما كما ذكرت، وهي بداية نشوء الفكرة بتهمة (إخراج المرأة من منزلها)، لتعاود ذات الطلب عقب خمسة أعوام، إلا أن التحفظ كان ذاته مع اتهامات خارجية لفاطمة التركي رئيسة جمعية عنيزة الخيرية كما ذكرت في حديثها لـ«الشرق الأوسط» فما زالت ألسنة المجتمع تلسعها بشواظ من نار، وترميها (بالعلمانية) و(استيراد أفكار دخيلة على المجتمع) طوال مطالبتها بتأسيس الجمعية، إلا أن محاولاتها هي ورفيقاتها آتت ثمارها محققة انتصارا بعد التحفظ 3 مرات متتالية على طلب إنشاء الجمعية، الذي مضى عليه أكثر من 30 عاما، إذ تم قبول آخرها في عام 1427هـ من قبل المحافظ الجديد للمنطقة وبحسب تعبيرها (أتت الموافقة بعد أن كن 5 فقيرات حتى بلغ عددهن 5000).

إلا أن الخصومة الاجتماعية تجاه التحرك النسوي في منطقة القصيم سرعان ما بدأت تتلاشى رغم بعض الاتهامات التي ما زالت تتردد أصداؤها هنا وهناك من بين عدد من نساء (بريدة وعنيزة) من حيث استمرار وجود بعض بقايا آثار حرب الخطاب الثقافي للتيارات المتنوعة في منطقة القصيم وبقايا رواسب ما سكن في المخيلة الشعبية، كتعمد بعض أفراد المجتمع القصيمي حصر معوناته المالية وتوزيع أموال أوقافه على الجمعيات الذكورية، إضافة إلى افتقار التبادل المعرفي والتعاوني ما بين أعضاء الجمعيات الخيرية النسائية والذكورية واعتماد المناطقية في مسألة تقديم التبرعات كاستغلال مغلوط للمنهج التراثي «الأقربون أولى بالمعروف».

ومع الاتهامات النسوية على وجود قيود ذكورية لاحتكار العمل التطوعي والخيري والتي تسببت لإحداهن بافتتاح جمعية خيرية في منزلها، خرج الدكتور فهد المطلق مدير الشؤون الاجتماعية في منطقة القصيم في حديثه مع «الشرق الأوسط» بنفي قاطع لمثل هذه التحفظات، مشيرا إلى أن حداثة نشاط العمل التطوعي والذي بدأ ينشط في السنوات الأربع الأخيرة، تشمل الجنسين، فـ 32 جمعية خيرية ذكورية ارتفع عددها مؤخرا إلى نحو 52 جمعية، نتيجة ارتفاع مستوى الوعي لمفهوم المؤسسات الخيرية، ووزارة الشؤون الاجتماعية تحفز العمل الخيري بتقديم مظلة قانونية شرعية بالإضافة إلى الإعانات التأسيسية وإعانات سنوية ومتابعتها والإشراف عليها إداريا وماليا، مشددا على أن الشؤون الاجتماعية (كالأب الذي لا يميز بين أبنائه من الذكور والإناث)، إلا أن التنوع والابتكار ببرامج الجمعيات وجودة التسويق لها هي أهم المسببات لنجاح وذيوع صوتها - بحسبه - بغض النظر عن هويتها الجنسية. ولم تمض سوى أسابيع قليلة على إنشاء المجلس التنسيقي للجمعيات الخيرية في منطقة القصيم، والذي يعقد على مستوى كل منطقة لتنسيق العمل الخيري من حيث تحديد العمل الجغرافي وتوحيد التدريب وربط شبكة موحدة لكافة المستفيدين وتبادل التجارب برئاسة أمير المنطقة، والذي عقد أول اجتماعاته مؤخرا حضره كافة المنخرطين في العمل الخيري، لطرح أبرز هموم العمل التطوعي من قبل الجنسين عبر الشبكات والنقل المباشر.

ولم تكن دار الحماية (عون) في بريدة، التي استحدثت مؤخرا لاستضافة المعنفات في منطقة القصيم والتابعة للجنة الحماية الاجتماعية الخاصة بوزارة الشؤون الاجتماعية والتي تقوم عليها عدد من المختصات النفسيات والاجتماعية احتضنت مع بداية افتتاحها 4 فتيات، الشاهد الأبرز الوحيد لمدى صلابة خطى المجتمع (القصيمي)، وثمار عمل نسوته لرعاية شؤون المرأة القصيمية، حيث إن الجمعية التعاونية (حرفة) التي أسستها حرم أمير منطقة القصيم مؤخرا تعد خطوة مهمة في سبيل تأهيل السيدة القصيمية (البريداوية والعنيزاوية وغيرهما) من كافة الأعمار والمؤهلات، من حيث تدريبهن وصقل مهاراتهن التي لعب عامل الزمن فيها دوره بإجهاضها، في خطوة لإيجاد فرص عمل مختلفة لعدد كبير من السعوديات ومصدر رزق مستمر طوال العام لأعمار مختلفة من خلال إتقان مهن حرفية مختلفة من صناعة الأغذية الشعبية والتطريز بموضة عصرية ساعدت في إعالة أسر كاملة وإجادة العمل في مصانع الأغذية والتغليف وغيرها، بالإضافة إلى دورها في مساندة الأسر المنتجة، حتى باتت منتجات أنامل الحرفيات القصيميات مطلب الجهات الدبلوماسية والسفارات الغربية.

ولعل ممارسة نشاط الوعظ الديني كان أول المناشط الاجتماعية التي طرقتها المرأة السعودية وبالأخص القصيمية من خلال عملها كـ«مطوعة» في «الكتاتيب» والتي تركزت على تعليم تلاوة القرآن وحفظه بالإضافة إلى إلقاء دروس فقهية.

إلا أنه وحين استبدال الفتيات للمدارس الدينية، بالانتساب إلى مدارس التعليم النظامي منذ إقراره، تحول المنشط الديني إلى عمل خيري ومناصحة واحتساب من قبل من تعتقد في نفسها القدرة على تقديم الدروس الدينية والوعظية في أماكن تجمع النساء، سواء أكان في (المراكز الترفيهية) أو (الزواجات)، أو في أماكن انتظار السيدات في بعض (المستشفيات) وكأنها وسيلة لقطع وقت الانتظار بالذكر وبحثا عن حف الملائكة للتجمعات النسوية أيا كانت، وبالطبع المناسبة الأهم تبقى خلال (مجالس العزاء النسائية) و(الدوريات) الشهرية أو الأسبوعية التي اعتادت جارات الحي الواحد القيام بها بصورة مستمرة.

ونتيجة لابتعاد العمل الوعظي النسوي سابقا عن المتابعة الرسمية للمرأة الداعية والقدرة على طرح أي من القضايا التي تشاؤها مع حشو ديني وقع كثيرا في فخ الأحاديث الضعيفة والموضوعة بحجة تحقيق مبدأ الترغيب والترهيب، مع عدم مراعاة القضايا الجدلية خصوصا بين الوافدات الموجودات في منطقة «القصيم» من وجوب تغطية الوجه والكفين وتحديد اللباس الشرعي للمرأة وسط بنات جنسها.

بعد تفاقم إشكالية التطرف والغلو والابتعاد عن الوسطية والانفتاح على الآخر حتى في المجتمعات النسوية بدأت الجهات الرسمية في تفعيل عمليات ضبط مناشط العمل الدعوي النسوي في المجتمع السعودي بشكل عام، فعاد طرق أبواب الوعظ الديني للنساء في منطقة (القصيم) من خلال ثلاثة اتجاهات لا رابع لها: دور وجمعيات تحفيظ القرآن، أو الأقسام النسائية للمكاتب التعاونية للتوعية والإرشاد وتوعية الجاليات والبالغ عددها 15 مكتبا، وكلاهما تحت إشراف وكالات وزارة الشؤون الإسلامية، أو من خلال مناشط دعوية مرخصة من الوزارة ذاتها في الدور النسائية والمدارس.

عقب السنوات (السمان) من المواجهات الإرهابية والرؤية الأحادية عمدت وزارة الشؤون الإسلامية ممثلة بوكالة الدعوة والإرشاد إلى مراقبة المناشط الدعوية سواء أكانت للرجال أم النساء بفرض ضوابط محددة أبرزها ترخيص الوزارة للمرأة الداعية والاطلاع على ماهية المحاضرة الدينية مع التأكيد على أهمية مراعاة التخصص في ذلك سواء أكانت من حملة التخصص الشرعي أو الأكاديمي.

أما فيما يتعلق بشأن المحاضرات الدينية المقامة في قطاع وزارة التربية والتعليم (الفتيات) فهناك ما يسمى بـ«إدارة التوعية الإسلامية» والتي يعمل ضمنها عدد من المختصات الشرعيات والمشرفات تجاوز العشرة قسمت بينهن انتصافا مدارس الفتيات الأهلية والحكومية، ومن خلال زيارات شهرية تقوم الواعظات والداعيات بإلقاء محاضراتهن في فناء المدارس.

ومن وزارة الشؤون الإسلامية ينتهي النشاط الدعوي النسوي بـ «مشرفة المصلى» والتي يعنى بها من يوكل إليها من معلمات المدرسة كمهمة إضافية الإشراف على المصلى ومرتاداته، تخضع هي ذاتها لرقابة ومتابعة «إدارة التوعية الإسلامية» بوزارة التربية.

وكما ذكرت «نوال العجاجي» مديرة إدارة التعليم الأهلي والأجنبي، هي تطالب مدارسها بإقامة محاضرات دينية وتوعوية من قبل 7 مشرفات مخصصات للمدارس الأهلية يركزن فيها على القضايا العصرية كالحوار، وتطوير الذات، ومناقشة بعض الإشكاليات التي تواجهها الطالبات في مرحلتهن العمرية، مضيفة إلى ذلك الاستعانة ببعض الدعاة المعروفين لإلقاء محاضرات في المدارس من خلال نقل صوتي مباشر من إحدى القاعات التابعة للمدرسة أو باستضافة الشيخ في غرفة الحارس الذي لا يتوانى عن الإجابة على تساؤلات الطالبات المكتوبة.

يؤكد عبد الرحمن البليهي مدير مركز الدعوة والإرشاد ببريدة في حديثه مع «الشرق الأوسط» أنه ورغم تفوق النشاط الدعوي الذكوري عن النسائي في منطقة القصيم فإنه وكما ذكر «ليس بعيدا عنه»، فمن خلال مركز الدعوة «ببريدة» تقوم وزارة الشؤون الإسلامية بتنظيم المناشط الدعوية النسوية هناك.

وأضاف البليهي بعدم وجود أية عوائق أمام الداعيات أو المنظمين لإقامة محاضرات دينية وتوعوية، وما تفرضه الوزارة ممثلة بمراكز الدعوة من شروط لإقامة المحاضرات الدينية هي ذاتها لكلا الجنسين من الرجال والنساء.

وحول الانتقادات التي طالت المناشط الدعوية النسوية والتي كان أبرزها لغة التشدد وعدم تقبل الآخر وبالأخص عقب أن ظهر اسم «هيلة القصير» في بريدة كإحدى قيادات تنظيم القاعدة كما وصفها التنظيم نفسه في تسجيل مصور والتي كانت ناشطة في المجال الدعوي الاحتسابي وجمع التبرعات بصورة غير رسمية. قال عبد الرحمن البليهي: هناك أهداف خارجية لتشويه ونزع الثقة عن الدعاة والعلماء والداعيات، قائمة على تهويل الأخطاء وتعميمها، مشيرا إلى أنه مع الأعداد الكبيرة للمناشط الدعوية النسائية لم ترد لمراكز الدعوة أية ملاحظات أو تذمر من قبل الحاضرات سواء أكان للمضمون أو نمط الطرح.

إلا أنه عاد وأكد تخصيص مركز الدعوة «بريدة» 49 ندوة جميعها فقط لمعالجة الغلو وفكر الإرهاب وتعزيز الوسطية بين الشباب واحترام الرأي الآخر، بالإضافة إلى توجيه الدعاة الخطباء بتفعيل دورهم في توعية المجتمع من بعض المخاطر ومناصحة الشباب بالطريقة العصرية المناسبة، إلى جانب تطوير مهارات الدعاة وقدراتهم وتفعيل دورهم في معالجة مشاكل العصر.

واعترف البليهي بوجود بعض الركود من قبل بعض الدعاة الخطباء في شأن معالجة القضايا المعاصرة أو التي تهم المجتمع والتي من بينها تعزيز الأمن الفكري وتحقيق الوسطية.

وطالت توجيهات مراكز الدعوة بحث قضايا تختص بالمرأة من ضمنها تفعيل دور المرأة إلى جانب تزايد حالات العنف الأسري التي أكد البليهي ارتفاعها في المجتمع «البردواي» إلى جانب نسب الطلاق التي ذكر أنها بلغت في مركز واحد 10 حالات طلاق خلال أسبوع واحد فقط كان العنف أحد أبرز مسبباتها كما أن من بين ما تم رصده أن للرجل نصيب الأسد من الأخطاء القائمة في الحياة الزوجية.

ألسنة عديدة لسعت بشواظ من نار دور تحفيظ القرآن النسائية بتصويرها (الأعشاش) التي فرخت من وسطها العقول التكفيرية والإرهابية، ولدى هذه الألسنة أن غموض عمل دور التحفيظ النسائية وانكفاءها على ذاتها أسهم كثيرا في تعزيز مثل هذه الاتهامات، إضافة إلى ضبابية أطر عملها والتي لم تكتف بتولي مهام إتقان تلاوة القرآن وحفظه بالإضافة إلى تجويده، بل امتدت إلى تفسير آيات القران الكريم والقيام بحلقات توعوية ومحاضرات دينية في مناسبات مختلفة من قبل معلمات الدور أو بعض الداعيات المفوهات أو من قبل من عرفت بشعبية كبيرة بين الجمهور النسوي الشعبي، بما في ذلك مساحة الحرية الكبيرة لتدخل القائمات والمنتسبات للدور بالمظهر الخارجي لأخريات من حيث التحكم بزي ومظهر الأخريات كفرض ارتداء العباءة على الرأس والقفازين، فباب «المناصحة والاحتساب» مشرع على مصراعيه دون التقيد بأي اعتبارات وإن كانت حداثة العهد بالإسلام أو الاختلاف المذهبي للوافدات.

حتى تم تقييد مهام (دور تحفيظ القرآن النسائية) ومتابعتها من خلال استحداث إدارة نسائية تتولى مهام مراقبة الجوانب الإدارية والتربوية القائمة في دور تحفيظ القرآن الكريم التابعة للجمعية الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم والتي هي تحت مظلة وزارة الشؤون الإسلامية التي تقوم بالإشراف على كافة دور وجمعيات تحفيظ القرآن في مختلف مناطق ومدن السعودية.

40 دار تحفيظ قرآن تتولى فاطمة الرشودي من خلال إدارة مركز الإشراف التربوي بالجمعية الخيرية لتحفيظ القرآن عن القسم النسوي «ببريدة»، إدارتها ومتابعتها، والتي لم يمض على استحداثها سوى 5 أعوام، والتي تحدثت لـ«الشرق الأوسط» في خطوة جادة لمنهجية عمل جديدة ومنفتحة من قبل دور وجمعيات تحفيظ القرآن النسوية وهي التي سبقت إدارتها بخبرة عملية في مجال تعليم القرآن الكريم في مساجد الولايات المتحدة الأميركية لعدد من المسلمات الغربيات أثناء إقامتها هناك لسنوات متعددة.

وتقول فاطمة الرشودي «منذ توليها إدارة الإشراف التربوية النسائية والتي تشرع على أبواب السنة السادسة من العمل أنها انتهجت سياسة عمل جديدة ألزمت فيها دور التحفيظ النسائية بالمهمة الرئيسية لإنشاء هذه الدور ألا وهي تدبر القرآن الكريم وحفظه، وما عدا ذلك فهو ليس من مهام الدور».

في المقابل تؤكد عدم إقامة أي من المحاضرات أو المناشط الدعوية داخل دور التحفيظ، بالإضافة إلى عدم تقديم أي من دروس التفسير لآيات الذكر الحكيم. وتشدد الرشودي على رفض إدارتها السماح لمعلمات جمعيات تحفيظ القرآن القيام بأية أنشطة دعوية خارجية تحت مظلة دور التحفيظ، حيث إن مهامها محصورة في تعليم القرآن الكريم. وتسعى الرشودي كما ذكرت إلى منع سيطرة العادات والتقاليد على العقلية الشعبية عوضا عن الاستحكام بالمنهج القرآني ومطالبة الخطباء بضرورة زرع ثقة المرأة بذاتها وقدراتها والتعريف بحقوقها الشرعية، مضيفة «ما ألاحظه على عدد من الفتيات والقيادات النسوية التي تعمل معي غياب الثقة بذات المرأة واعتمادها منهج التبعية».

منهج تطويري تتبعه الرشودي في إدارة جمعيات تحفيظ القرآن النسوية والتي تعتمد نظام المكافآت الشهرية للعاملات فيها والتي يراعى مقدارها بحجم عدد ساعات العمل ومستوى الدار فمن 3000 ريال كأعلى مستوى قد تتدنى حتى 800 ريال.

خاتمة القول بتأكيدها أن المرأة القصيمية استطاعت أن تحقق إنجازات ليس على مستوى المنطقة فحسب ولكن على مستوى البلاد، فحققت إنجازات يشار إليها بالبنان واستطاعت فرض نفسها بجدارة على الموروث، وتصدرت المراكز الإدارية التعليمية، والصحية والثقافية وأصبحت علامة فارقة في مركز المال والأعمال ليس على المستوى المحلي بل تجاوز ذلك إلى مستوى أوسع يشمل العالم.