مسابقة كرة قدم فرصة ثمينة للشركات لتجنيد مترجمين لأفغانستان

توظيفهم من أبناء الجالية الأفغانية المهاجرة منذ الغزو السوفياتي

TT

تعالت أصوات الحشد، الذي تجمع في مقاطعة برينس ويليام للمشاركة في أضخم حدث رياضي أفغاني في أميركا الشمالية، بالتشجيع باللغة الدارية والبشتو والإنجليزية، لكن كأس كرة القدم الأفغانية التي أقيمت نهاية هذا الأسبوع لم تكن مجرد مباراة. فقد غص ملعب كرة القدم في وودبريدج بالإعلانات من الشركات - المدعومة بعقود حكومية تبلغ قيمتها أكثر من 1.3 مليار دولار - التي تتطلع إلى استقطاب مواطنين أميركيين للعمل كمترجمين باللغة الدارية والبشتو في أفغانستان. وقد منحت شركة «إس أو إس» للاعبين قمصانا كتب عليها بلغة البشتو «إذا كنت قادرا على قراءة هذا فربما يكون لدينا عمل لك»، وقد ارتدت العديد من الفرق أسماء وشعارات الشركات الساعية إلى التعاقد مع مترجمين.

تشهد مسابقة كرة القدم التي تجري منافساتها في ملاعب ولاية فيرجينيا الشمالية لمدة ثلاثة أيام في أوائل شهر يوليو (تموز)، والتي تستقطب الآلاف من الأميركيين الأفغان، منافسات قوية بين الفرق الاثني عشر من الأقليات المهاجرة المقيمة في ولايات كاليفورنيا ونيويورك ونيو جيرسي وتورونتو وفيرجينيا. لكن البطولة اتخذت خلال الأعوام القليلة الماضية مسارا جديدا كأرض خصبة لتلبية حاجة الحكومة الملحة إلى متحدثين بلغتي الداري والبشتو، اللغتين الرسميتين في أفغانستان.

وقال ديف سلوفينا، نائب رئيس قسم الاستخدام في شركة «ميشن إسنشيال بيرسونال»، ومقرها أوهايو، التي تمكنت من التعاقد مع 45 مترجما في البطولة التي أقيمت قبل عامين: «هذه فرصة ذهبية بالنسبة لنا، فمهمتنا تتمثل في القيام بزيارات لهذه المجتمعات، ونصافحهم ونشد على أيديهم ونذهب إلى مطاعمهم ومتاجرهم».

قد تكون هذه مهمة شاقة. ففي ظل واحدة من خيام إحدى الشركات الراغبة في الحصول على خدمات أميركيين من أصل أفغاني، قام نصار بارادا بتشجيع فريق أريانا، القادم من مدينة فيرفاكس، والذي سمي على اسم الإمبراطورية قديمة. لكن خلال مشاهدته للمباراة قام بارادا بتقطيع بطاقة الاستخدام إلى قطع صغيرة ورماها على الأرض، قائلا: «200,000 دولار مبلغ كبير من المال لكن ماذا ستفعل به إن قتلت، أو تعرضت لانفجار قبل عودتك إلى بلدك؟».

ومع وجود عدد قليل من المواطنين الأفغان القادرين على التحدث باللغة الدارية أو البشتو أو حتى عدد أقل من الراغبين في العودة إلى بلادهم التي مزقتها الحروب، تصبح «كأس أفغانستان» فرصة ذهبية.

أقيمت البطولة التي تحولت الآن إلى محط اهتمام الشركات الكبيرة في البداية بدعم من متاجر للكباب ومسجد محلي، ويلعب النهائي على ملعب ميريلاند سوكربليكس في مدينة غيرماتاون، حيث يقام حفل موسيقي كبير، وربما يعود الفضل في جزء من ذلك إلى سخاء الشركات. حتى إن مبلغ الـ1,000 دولار الذي يتوجب على الفرق دفعة للاشتراك في البطولة تتكفل به هذه الشركات.

ويقول عمر بشير الذي يدرب فريق أريانا: «الحقيقة أننا ما كنا لنتمكن من إقامة كأس أفغانستان ما لم تتقدم هذه الشركات وترعانا».

وتشير تقديرات شركة «ميشن إسنشيال برسونال»، التي تلقت عقودا بقيمة تزيد على 1.3 مليار دولار من الجيش الأميركي لتجنيد مترجمين يتحدثون لغة الداري والبشتو إلى وجود ما يقرب من 7,760 مواطن أميركي يتحدثون لغة البشتو، لكن حسب تقديراتها، فقط 2,250 مؤهلون للحصول على تصريحات أمنية. وقد أصبح العثور على هؤلاء الأميركيين عملا مربحا خلال السنوات التسع من الحرب في أفغانستان. ومع توسع نطاق العمليات، إثر قرار الرئيس أوباما إرسال عشرات الآلاف من الجنود العام الماضي تحولت تلك الشركة إلى اللهث سعيا وراء العثور على مترجمين.

ويعتبر وحيد بانشيري أحد الأمثلة لنجاح هذه الشركات في استغلال هذه البطولة، حيث تخلى عن مكانه في فريق أريانا وعمله كسائق تاكسي في مطار دالاس في عام 2004 للعمل كمترجم في أفغانستان.

عمل وحيد لدى شركة «وورلد وايد لانغويدتش رسورسيز»، وأطلعته الشركة كما أطلعت غالبية المترجمين بأنهم سيكونون مرافقين لوحدات من الجيش الأميركي، «لكننا لا نعرف ماذا ستفعلون أو أين ستقومون بذلك. وسوف تقسمون أوقاتكم بين القواعد العسكرية الأميركية ومناطق القتال».

ومع ندرة الأفراد الراغبين في الخدمة كمترجمين، أثيرت تساؤلات حول قيام الشركات باستخدام أفراد لا يمتلكون القدرات البدنية التي تؤهلهم للاضطلاع بالعمل، حيث تتراوح أعمار المترجمين في شركة «ميشن إسنشيال» ما بين 47 و65 عاما بحسب الشركة. إضافة إلى إلحاق المترجمين بالوحدات الأميركية بعد ثلاثة أسابيع فقط من التدريب في قاعدة أميركية.

ويقول السيرجنت جيمس سبانغلر، المسؤول عن اللغويات في معسكر ليزرنك بولاية هلمند لوكالة أسوشيتد برس العالم الماضي: «التقيت أشخاصا هبطوا من الطائرات وأعيدوا سريعا لأنهم لم يكونوا في حالة بدنية لائقة. لقد كانوا كبارا في السن وغير قادرين على التنفس، ويشكون من أمراض القلب».

بعد ثلاثة أسابيع من التدريب في قاعدة فورت بننغ، استقل بانشيري الطائرة إلى كابل وقال: «بدا الأمر بالنسبة لي فكرة جيدة في ذلك الوقت، حيث سأتمكن من رؤية بلدي وربح بعض المال».

لكن بانشيري لم يتمكن من الاستمرار لأكثر من ستة أشهر عندما طالبته عائلته بالعودة. ليعود إلى فيرجينيا، و«كأس أفغانستان» ومشاهدة الشركات الساعية إلى استخدام مترجمين واقفة على الخط.

جدير بالذكر أنه عندما قدمت الموجة الأولى من المهاجرين الأفغان إلى فيرجينيا الشمالية خلال الاحتلال السوفياتي الذي وقع أواخر السبعينات وبداية الثمانينات، قاموا بتنظيم دوري لكرة القدم جذب المحامين والناشطين المنفيين ولاعبي المنتخب الأفغاني السابق.

والآن ومع وصول الجالية الأفغانية إلى أكثر 25,000 فرد في المنطقة، فإن نجوم اللعبة هم أبناء المهاجرين - من طلبة المدارس الثانوية والجامعات الذين يتحدثون اللغتين الإنجليزية والدارية.

يعد هذا الدوري واحدا من الروابط القليلة التي تجمع الأقلية الأفغانية فيقول بشير: «في سن الثانية عشرة والثالثة عشرة لم أعتبر نفسي أفغانيا لكن ما إن تنزل إلى أرض الملعب تستشعر جزءا أكبر من الثقافة وتتعلم اللغة مرة ثانية».

في عام 2001 بدأ الجيش في تجنيد المواطنين الأميركيين الذين يتحدثون لغة الداري والبشتو للعمل في أفغانستان. وكان التركيز ينصب على المواطنين الأميركيين بشكل خاص لإمكانية حصولهم على تصريحات أمنية متقدمة لا تتاح لغير الأميركيين. ويقوم الجيش باستخدام المواطنين الأفغان لأعمال الترجمة بين الجيش والسكان المحليين ونظرا لأنهم لا يستطيعون التعامل مع الوثائق الأمنية الحساسة يدفع لهم خمس ما يتلقاه المترجمون الأميركيون.

ويقول مايور ينغ، المتحدث باسم الاستخبارات العسكرية والقيادة الأمنية الأميركية: «توضع الرواتب بناء على سوق العمل وعدد الأفراد المتاحين المؤهلين للوفاء بمتطلبات العقد».

وذكر تقرير مكتب المحاسبة الحكومية قيام الجيش الأميركي بتقييد عدد الشركات المتعاقدة مع مترجمين إلى مجموعة قليلة، وفي بعض الحالات كانت الشركات تدفع أكثر من 256,000 دولار لكل مترجم يوقع العقد. وأن غالبية المترجمين الأميركيين كانوا يتقاضون ما بين 175,000 و200,000 دولار سنويا في أفغانستان فيما يحصل المترجمون الأفغان على 4,500 دولار في العام.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»