رئيس الوزراء الياباني فقد الأكثرية المطلوبة لسن القوانين ومضطر لعقد تسويات مع أحزاب أخرى للاستمرار

الناخب «عاقب» الحزب الحاكم.. على ضرائبه

TT

اعتبر العديد من المحللين أن خسارة الحزب الديمقراطي الحاكم في اليابان لأغلبيته في مجلس المستشارين (المجلس الأعلى في البرلمان)، في الانتخابات الأخيرة بمثابة «احتجاج» من الناخبين على الوعود التي قطعها رئيس وزراء البلاد، ناوتو كان، خلال الحملة الانتخابية السابقة ولم يتم الوفاء بها.

وقال محللون إن رئيس الوزراء الياباني، الذي ينتمي ليسار الوسط، يجد نفسه على رأس دولة يابانية عصية على الحكم مع برلمان منقسم ومصمم على عرقلة تنفيذ برنامجه للإصلاحات، بعد هزيمته في انتخابات مجلس الشيوخ.

والحزب الديمقراطي الياباني الذي سبق أن حقق فوزا ساحقا على المحافظين في الانتخابات التشريعية في أغسطس (آب) 2009، خسر أول من أمس سيطرته على مجلس الشيوخ، إذ لم يعد يملك سوى 106 مقاعد من أصل 242. لم يحتفظ الحزب الديمقراطي الياباني سوى بعدد 44 مقعدا من المقاعد التي جرى التنافس عليها، وعددها 54 مقعدا، في الانتخابات التي أجريت أول من أمس لشغل نصف مقاعد مجلس المستشارين، ليبلغ بذلك إجمالي عدد مقاعده 106 مقاعد في المجلس الذي يضم 242 مقعدا.

وحتى مع المقاعد الثلاثة المتبقية لشريكه الأصغر في الائتلاف الحاكم، وهو حزب الشعب الجديد الذي كان يرجح كفة الحزب الحاكم قبل الانتخابات، لم يعد الحزب الديمقراطي الياباني يحظى بالأغلبية اللازمة لسن القوانين.

أما الحزب الليبرالي الديمقراطي، حزب المعارضة الرئيسي الذي تولى الحكم في البلاد خلال معظم نصف القرن الماضي، فقد حصل على 51 مقعدا، ليصل إجمالي عدد مقاعده إلى 84 مقعدا مقابل 71 مقعدا قبل الانتخابات.

أما حزب «حزبك»، أكثر الأحزاب الصغيرة شعبية، ففاز بعشرة مقاعد في الانتخابات، ليصل إجمالي عدد مقاعده إلى 11 مقعدا، مقابل مقعد واحد قبل الانتخابات.

وهكذا، بعد قرابة شهر على توليه السلطة، سيكون على رئيس الوزراء، كان، (63 عاما) أن يسعى إلى تسويات مع المعارضة لتمرير مشاريع القوانين التي أعدها. وتبدو هذه المهمة معقدة إلى حد كبير، خصوصا أنه لا يتمتع كذلك بغالبية الثلثين الضرورية لإقرار أي مشروع قانون في قراءة ثانية في مجلس النواب في حال رفضه مجلس الشيوخ.

وناوتو كان، الناشط اليساري سابقا الذي تحول إلى الاهتمام بضبط الوضع المالي، استفاد مع ذلك منذ تعيينه في الثامن من يونيو (حزيران) الماضي من دعم شعبي فاقت نسبته 60%. وهو يخلف بالفعل رئيس الوزراء يوكيو هاتوياما الذي لم يكن يتمتع بدعم شعبي وأرغم على الاستقالة بعد تسعة أشهر من توليه السلطة بسبب عجزه عن حكم البلاد وعدة فضائح سياسية ومالية.

لكن ناوتو كان أخطأ في التطرق عشية الانتخابات إلى احتمال فرض زيادة على رسم الاستهلاك البالغ حاليا 5%. واتفقت كل الصحف اليومية الوطنية الكبرى أمس على إلقاء مسؤولية هزيمة الحزب الديمقراطي في اليابان على هذه «الهفوة»، معتبرة في الوقت نفسه أن مثل هذه الزيادة ضرورية، وكان اقترحها الحزب الليبرالي الديمقراطي، أكبر حزب معارض، الذي فاز في الانتخابات.

وكتبت صحيفة «نيكاي» الاقتصادية «إن العديد من الناخبين يعتقدون أن زيادة الرسم لا يمكن تفاديها لتمويل برامج الحماية الاجتماعية»، مذكرة بأن اليابان ينبغي أن تواجه حاجات سكان يتقدمون في العمر. وقالت «ينبغي أن لا تؤدي الهزيمة إلى إرغام حكومة ناوتو كان على العودة عن هذه المسألة». من جهتها، كتبت صحيفة أساشي شيمبون (يسار الوسط) «من الواضح أننا لا يمكن أن نترك عجز الموازنة يواصل الارتفاع».

وتعهد كان، الذي قدم نفسه على أنه «ابن أحد الموظفين» خلافا لأسلافه ورثة أسر سياسية نافذة، بإعادة ثقة اليابانيين في المستقبل والحد من الديون الخيالية للدولة وإصلاح نظام التقاعد والحماية الاجتماعية. لكنه يجد نفسه اليوم ضعيفا في وضع مشابه للوضع الذي عاشه آخر ثلاثة رؤساء حكومة محافظين بين يوليو (تموز) 2007 وأغسطس (آب) 2009. وسيخضع على غرارهم، أسبوعا بعد أسبوع لسلسلة استطلاعات الرأي التي قد تصل إلى طرح السؤال الذي يتوقعه العديدون: هل ينبغي أن يستقيل كان؟.

ويتهم المعارضون ناوتو كان، بأنه لا يتمتع بخبرة اقتصادية أو دبلوماسية، وبعدم الوفاء بالوعود التي قطعها خلال الحملة الانتخابية السابقة. ويقول المعارضون إن زيادة الضرائب التي اقترحت مؤخرا تتعارض مع الالتزامات التي تعهد بها الحزب الديمقراطي الياباني قبل الانتخابات السابقة التي أجريت في أغسطس الماضي.

وأقر ناوتو كان، رئيس الوزراء الخامس لليابان خلال ثلاثة أعوام، بأن اقتراحه «القاسي» بزيادة الضرائب أسهم في هزيمة حزبه في انتخابات أول من أمس، غير أنه أشار إلى عزمه عدم التنحي.

وبدون حصولهما على الأغلبية في المجلس الأعلى، يحتاج الحزب الديمقراطي الياباني وشريكه في الائتلاف للسعي وراء حلفاء جدد.

ورغم أن كافة الأحزاب الأخرى أشارت من قبل إلى عدم رغبتها في الانضمام إلى ائتلاف الحزب الديمقراطي الياباني، فمن المتوقع إجراء المزيد من المناورات السياسية.