ساركوزي يسعى إلى استعادة المبادرة السياسية والخروج من أجواء الفضائح

العيد الوطني الفرنسي: للمرة الأولى عرض عسكري بمشاركة وحدات من 13 بلدا أفريقيا

TT

يحل العيد الوطني على الحكم في فرنسا هذا العام في ظل أجواء غيوم الفضائح في سماء قصر الإليزيه، واستطلاعات الرأي تؤكد تراجع شعبية الرئيس ساركوزي وحكومته بينما المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية تشير إلى استمرار تدهور الوضع. ويتوقع المراقبون أن يكون خريف العام الحالي حارا ومنذرا بالكثير من الإضرابات والمسيرات احتجاجا على تراجع القدرات الشرائية وارتفاع معدلات البطالة وسياسة التقشف القاسية التي تعمل الحكومة على إقرارها بسبب ارتفاع عجز الميزانية والديون العامة. وما كان يمكن لما درجت الوسائل الإعلامية على تسميته بـ«فضائح بتنكور - فيرت» أن يقع في زمان أسوأ من الزمان الذي وقع فيه بسبب أثره النفسي السيئ على المواطنين حيث تتدحرج الملايين ويتداخل العام في الخاص ويبدو أن ثمة تداخلا بين السلطة السياسية من جانب وأهل الثراء، أي سلطة المال، من جانب آخر.

وللتذكير فإن مسلسل الفضائح الذي انطلق قبل شهر ارتبط سريعا باسم وزير المالية السابق ووزير العمل الحالي أريك فيرت الذي بينت تسجيلات سرية في منزل ثرية فرنسا الأولى ليليان بتنكور أن زوجة فيرت تعمل في شركة تدير ثروة وريثة شركة «لوريال» للمستحضرات التجميلية، وأن الأخيرة تملك حسابات سرية في سويسرا تهربا من دفع الضرائب في فرنسا بينما وظيفة الوزير فيرت هي تحديدا محاربة التهرب الضريبي. كذلك أفادت مدققة حسابات لدى عائلة بتنكور بأن هذه العائلة درجت على تمويل السياسيين بمن فيهم الرئيس ساركوزي، حيث تؤكد أن مدير أعمال بتنكور طلب منها سحب مبالغ كبيرة من المال (150 ألف يورو) لتسليمها لأريك فيرت الذي كان أمين مالية حملة ساركوزي للانتخابات الرئاسية وتحول بعدها إلى أمين مالية الحزب الرئاسي (الاتحاد من أجل حركة شعبية). ولذا فإن «خطيئة» فيرت المكلف بإصلاح النظام التقاعدي والشخصية المركزية في الحكومة الحالية أنه وقع في «تضارب مصالح» بين موقعه كوزير يفترض عليه التشدد لتحصيل حقوق الدولة، وموقعه كأمين مالية الحزب حيث من المفترض أن يرضي أصحاب الثروات للتبرع لحزبه. والتضارب الآخر قائم بينه وبين زوجته فلورانس التي أعلنت استقالتها من عملها. والسؤال المطروح: ما معنى استقالة فلورانس إذا كان ما يقوله الوزير صحيحا، من أنه لا تداخل بين وظيفته وعمل زوجته؟ فإما أن هناك تداخلا وبالتالي فالاستقالة مبررة واتهامات الإعلام واليسار قائمة على أشياء موجودة، وإما لا تداخل وبالتالي فلماذا الاستقالة؟

وجاءت هذه التطورات على خلفية فضائح استغلال مواقع رسمية وإهدار أموال عامة أدت إلى استقالة وزيرين من حكومة فرنسوا فيون، هما وزير الدولة لشؤون التعاون الدولي والفرنكوفونية ألان جويانديه، ووزير تطوير باريس الكبرى (العاصمة ومنطقتها) كريستيان بلان.

إزاء كل هذه التطورات، ومنها فتح ثلاثة تحقيقات تمهيدية قضائية واستجوابات كثيرة، لم يكن في وسع الرئيس ساركوزي أن يبقى صامتا بعد أن تزايدت الانتقادات وبعد أن استهدف مباشرة من خلال رواية الـ150 ألف يورو لحملته الانتخابية، لأن ذلك، إذا كان صحيحا، ينتهك القانون الانتخابي انتهاكا فاضحا. واكتفى ساركوزي بتأكيد دعمه للوزير فيرت وتجديد ثقته به بينما تكفل أقطاب اليمين في الحزب والحكومة بمهاجمة اليسار والإعلام واتهم سكرتير عام الحزب الرئاسي بعض الصحف باتباع «أساليب فاشية» في توزيع «الأكاذيب» مستهدفا بشكل خاص موقع «ميديا بارت» الذي نقل «اعترافات» كلير تيبو، موظفة المحاسبة لدى ليليان بتنكور. ولذا، كان من الملح أن يتحدث ساركوزي الذي هبطت شعبيته لدى الفرنسيين إلى أدنى مستوى لها منذ انتخابه، إلى مواطنيه وهو ما فعله مساء أمس طيلة ساعة كاملة على القناة الثانية من التلفزيون الفرنسي.

ولم يكن اختيار الزمان اعتباطيا. فالرئاسة انتظرت، من جهة، صدور تقرير مديرية التفتيش المالي الذي أكد أن الوزير فيرت «لم يتدخل» في إدارة ملف ليليان بتنكور المالي ولم يعط أي تعليمات للدوائر المالية، وتوكأت، من جهة ثانية، على ما اعتبرته «تراجع» محاسبة بتنكور عن تصريحاتها الأولية، للانتقال من الدفاع إلى الهجوم واستعادة المبادرة السياسية ومحاولة إطفاء الحريق وإغلاق ملف الفضائح بشكل نهائي بالتأكيد على أن ما يهم الفرنسيين هو مواضيع العمل والبطالة والقدرة الشرائية وإصلاح النظام التقاعدي، وغيرها.

غير أن المعارضة الاشتراكية وأصوات من اليمين لم توقف سيل انتقاداتها واستمرت في المطالبة بإحالة الملف إلى قاضي تحقيق مستقل عن وزارة العدل أو نقل الملف برمته إلى منطقة قضائية أخرى غير مدينة نانتير، حيث تربط المدعي العام فيليب كوروا في هذه المدينة «علاقات شخصية» بالرئيس ساركوزي مما يعني أنه ليس طرفا حياديا. وهاجم الناطق باسم الحزب الاشتراكي بونوا هامون مسارعة اليمين إلى تبييض صفحة فيرت بالاستناد إلى تقرير التفتيش المالي، بالإشارة إلى أن وزيرا حاليا للمالية هب لنجدة وزير مالية سابق.

في ظل هذه الأجواء المسممة، يحل العيد الوطني الفرنسي غدا (الأربعاء) بحلة جديدة، إذ إنها المرة الأولى التي تشارك فيها وحدات من 13 بلدا أفريقيا في العرض العسكري التقليدي في جادة الشانزليزيه إلى جانب الوحدات الفرنسية. ووجه ساركوزي الدعوة إلى رؤساء هذه الدول التي كانت مستعمرات فرنسية سابقة حازت على استقلالها قبل خمسين عاما ليكونوا ضيوف فرنسا في هذه المناسبة الوطنية، وهذه الدول هي: بنين، وبوركينا فاسو، والكاميرون، وأفريقيا الوسطى، والكونغو، وغابون، ومدغشقر، ومالي، وموريتانيا، والنيجر، والسنغال، وتشاد، وتوغو.

وفي رسالة الدعوة، كتب ساركوزي أن احتفالات هذا العام «تكرم وحدة الدم التي تحققت من مساهمة القوات الأفريقية في الدفاع عن فرنسا وتحريرها»، في إشارة إلى الحربين العالميتين الأولى والثانية التي شارك فيهما عشرات الآلاف من الجنود الأفارقة الذين جندتهم الإدارة الفرنسية وأرسلتهم إلى جبهات القتال.