تفجيرات أوغندا تعكس توسعا جديدا لجماعات مرتبطة بـ«القاعدة»

حركة الشباب الصومالية زادت جرأتها بعد انضمام مقاتلين تدربوا في أفغانستان وباكستان

TT

تمثل التفجيرات التي خططت لها حركة الشباب الصومالية وأدت إلى مقتل 74 في المائة من مواطنين أثناء مشاهدتهم نهائي كأس العالم على شاشات التلفزيون مساء الأحد الإشارة الأخيرة إلى الطموح المتنامي لمجموعات إقليمية تابعة لتنظيم القاعدة بعيدا عن الميادين التقليدية في أفغانستان وباكستان والعراق.

وتعد الهجمات، التي كان الهدف منها إلحاق أكبر ضرر ضد أهداف مدنية، أول عملية دولية كبرى لمسلحين صوماليين في منطقة تسعى الولايات المتحدة وحلفاؤها داخلها من أجل وقف نمو الجماعات المتطرفة المسلحة فيها. وقتل في هذه الهجمات أميركي واحد على الأقل، فيما أصيب الكثير بجروح في هجمات يوم الأحد.

وتقدم الولايات المتحدة ملايين الدولارات في صورة مساعدات عسكرية واقتصادية وتدريبات وأجهزة ودعم لوجيستي واستخبارات إلى حلفاء إقليميين في مجال مكافحة الإرهاب، مثل أوغندا وإثيوبيا وكينيا. وفي إطار برنامج تدعمه الولايات المتحدة ودول أوروبا، تستخدم أوغندا لتدريب جنود من أجل الحكومة الانتقالية داخل الصومال، التي تسعى حركة الشباب إلى الإطاحة بها. وتقوم قوات من أوغندا وبوروندي بدور قوة حفظ سلام تابعة للاتحاد الأوروبي تدعمها الولايات المتحدة والدول الغربية داخل العاصمة الصومالية مقديشو تحمي الحكومة الضعيفة.

وتعهد متحدث باسم الجيش الأوغندي بألا يغادر جنود بلاده الصومال. وقال فليكس كولياجي: «يزيد ذلك من عزمنا على جعل الصومال مكانا هادئا. ولا يمكن أن نمنح هؤلاء المجرمين فرصة للتوسع لأنهم يمثلون تهديدا للسلام الدولي والإقليمي». وأضاف «إذا كانوا يأملون أن هذا العمل الجبان سيجعلنا نترك الصومال، فهم مخطئون بدرجة كبيرة».

وقد زادت جرأة حركة الشباب مؤخرا مع زيادة نفوذ مقاتلين أجانب حصلوا على تدريبات داخل أفغانستان وباكستان في الحركة، وقيامهم بجلب تكتيكاتهم العنيفة. وقد قام انتحاريون، ومن بينهم أجانب لهم أصول صومالية، خلال الأشهر الأخيرة بتنفيذ الكثير من الهجمات داخل مقديشو. وتستمر الميليشيات في جذب أميركيين إلى الصراع الصومالي، ومن بينهم رجلان من نيوجرسي ألقت السلطات الأميركية القبض عليهما الشهر الماضي واتهما بالسعي للانضمام لحركة الشباب. وتصنف الولايات المتحدة حركة الشباب كتنظيم إرهابي.

وتأتي هجمات الأحد بعد مرور 7 أشهر على قيام تنظيم القاعدة في اليمن (القاعدة في شبه الجزيرة العربية) بإظهار طموحاته الدولية من خلال محاولة تفجير طائرة كانت متجهة إلى ديترويت في إجازة الكريسماس. وساعدت حركة أخرى لها علاقات بتنظيم القاعدة، وهي حركة طالبان باكستان، على التخطيط لمحاولة تفجير في ميدان تايمز في مايو (أيار) الماضي.

واتهم قيادي بارز في حركة الشباب مختار عبد الرحمن أبو الزبير قوات الاتحاد الأفريقي الأسبوع الماضي بارتكاب «مذابح» ضد الصوماليين. وحذر من أن قواته سوف تنتقم من شعبي أوغندا وبوروندي.

وتحرم هذه الميليشيات، التي تسعى لإقامة إمارة إسلامية والتي فرضت إملاءات شبيهة بتلك التي تفرضها حركة طالبان، كرة القدم في الكثير من المناطق التي تسيطر عليها كما فرضت حظرا على إذاعة مباريات كأس العالم، ووصفت كرة القدم «بالعمل الشيطاني» الذي يفسد المسلمين.

واستهدفت تفجيرات كمبالا نادي كيادوندو للرغبي ومطعم «القرية الإثيوبية» حيث كانت مجموعات كثيرة من مشجعي الكرة المتحمسين، ومن ضمنهم عدد من الأجانب، يشاهدون إسبانيا تهزم هولندا في نهائي كأس العالم.

ومن بين القتلى في التفجير الذي استهدف نادي كيادوندو للرغبي، الأميركي نات هانين (25 عاما) من سكان مدينة ويلمنغتون في ديلاوير، الذي كان يعمل لحساب منظمة «إنفيزبول تشلدرن» التي تقدم المساعدة للأطفال الذين يتم تجنيدهم للمشاركة في الصراعات المسلحة، ومقرها في ولاية كاليفورنيا، وذلك بحسب إعلان نشر على موقع المنظمة على الإنترنت. كما أصيبت إيملي كيرستيتير (16 عاما)، وهي من سكان مدينة إليكوت، وذلك كما أورد خبر بث على محطة تلفزيون «WMAR - TV» في بلتيمور. وكانت كيرستيتير في كمبالا برفقة جماعة كنسية من بنسلفانيا. وأوضحت جوان لوكرد المتحدثة باسم السفارة الأميركية، أنه لم تكن ثمة توجيهات للموظفين في السفارة أو غيرهم من مواطني الولايات المتحدة بمغادرة كمبالا، التي تعتبر من أكثر العواصم أمنا في القارة الأفريقية. وخلافا للجارين كينيا وتنزانيا، حيث فجرت «القاعدة» سفارتي الولايات المتحدة عام 1998، لم تكن أوغندا هدفا للإرهاب الدولي.

وخلال زيارة قام بها لنادي الرغبي، الاثنين، تعهد الرئيس الأوغندي يوري موسيفيني بمطاردة المسؤولين عن هذه التفجيرات. وأضاف في تصريحات صحافية قائلا «إذا كنتم تريدون القتال، فعليكم البحث عن الجنود، لا أن تقوموا بتفجير أناس يتابعون مباريات كرة القدم».

وفي نادي الرغبي، أكد شهود العيان والشرطة وقوع انفجاريين على الأقل، مما أدى إلى مقتل 43 شخصا كانوا قد تجمعوا في ملعب الرغبي لمشاهدة نهائي كأس العالم على شاشة تلفزيونية كبيرة. وأوضح شهود العيان أنه عندما ذهب الناس لمساعدة ضحايا الانفجار الأول وقع انفجار ثان أقوى.

ويقول سيمون بيتر لاباغاسا (28 عاما): «بدا وكأنه إطار هائل ينفجر. وكان الناس على الأرض يصرخون، وأصيبوا بجروح في رؤوسهم. ورأيت أحد الأشخاص وقد أطاح الانفجار بأذنه».

وفي مطعم «القرية الإثيوبية»، تجمعت حشود من الأوغنديين، لتنظر من فوق السور على مكان المذبحة، بينما وقف رجال الشرطة لحراسة المكان، وقام المحققون بتمشيط الأنقاض، التي جعلت المكان يبدو كما لو أن إعصارا قد ضربه. وهز الأوغنديون الذين تجمعوا رؤوسهم عندما رأوا الموائد منقلبة في فناء المطعم، وشظايا الزجاج المحطم وقطعا صغيرة من الملابس.

وتساءل غودفري إفيمبا (34 عاما) الذي يمتلك دار طباعة قائلا «كيف يمكن لشخص قتل الأوغنديين الأبرياء؟». وقال السكان إن المطعم كان مكتظا بالإثيوبيين والإريتريين، فضلا عن غيرهم من الأجانب.

وفي مستشفى مولاغو، ترقد بيتي نباغير (37 عاما) على سرير، وعيونها مغلقة، والأنابيب الطبية متصلة بجسدها، وهي تكافح من أجل البقاء على قيد الحياة. وكانت نباغير في نادي الرغبي عند حدوث التفجير. وكانت شقيقتها سالومي بجانبها. ومن على سريرها في المستشفى، دعت نباغير حكومتها إلى سحب القوات الأوغندية من الصومال.

وقالت وصوتها يكاد يكون همسا: «إذا كان هذا هو سبب هذا الهجوم، فيتعين على جنودنا العودة إلى الوطن. يجب أن يكونوا هنا لحمايتنا وليس لحماية هؤلاء الناس في الصومال».

- ساهم في هذا التقرير المراسل الخاص في مقديشو يوسف حاجي حسين.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»