مذكرات ترصد الاضطراب داخل «10 داوننغ ستريت» بعد الانتخابات البريطانية

ماندلسون: لم أرد أن يغادر براون مقر رئاسة الوزراء في الظلام

TT

«يتعين عليك أن تتخذ قرارا. لقد اتخذت قراري وهو قرار نهائي. إنني سأذهب إلى القصر. إلى اللقاء».

وفقا لمذكرات سياسية صدرت حديثا، أسدلت هذه الكلمات التي تحدث بها غوردن براون، رئيس وزراء بريطانيا في ذلك الوقت، عبر الهاتف بصوت ينم عن الإنهاك والشعور بالمرارة والإهانة، الستار على 13 عاما من حكم حزب العمال خلال ربيع العام الحالي. كما دفعت هذه الكلمات خصومه السياسيين، إلى جانب مسؤولين في قصر باكنغهام، إلى القيام بترتيبات ليتولى رئيس وزراء جديد المنصب.

وفي هذه المكالمة كان براون يتحدث إلى نيك كليغ، زعيم حزب الديمقراطيين الأحرار، الذي جاء ثالثا بفارق كبير في الانتخابات العامة غير الحاسمة التي أجريت يوم 6 مايو (أيار) ولكن لم يكن لأي كتلة عدد حاسم من المقاعد يحتاجها المحافظون أو العمال لتشكيل حكومة ائتلافية. وبعد خمسة أيام من العذاب، أعلن الديمقراطيون الأحرار، الذين كانوا بعيدين عن السلطة منذ مطلع الثلاثينات من القرن الماضي، توصلهم إلى اتفاق مع المحافظين، وأصبح كليغ نائبا لرئيس الوزراء في حكومة يرأسها زعيم حزب المحافظين ديفيد كاميرون.

وعلى الرغم من أن كثيرا من الأحداث الدرامية تناقلتها شاشات التلفزيون، فإن اللحظات الحاسمة والحرجة تكشفت وراء الكواليس - فالقرار المفاجئ والغاضب للسيد براون الخاص بإعلان عزمه التنحي عن منصب رئاسة الوزراء - تم الكشف عن تفاصيله للمرة الأولى في مذكرات جديدة لبيتر ماندلسون، رجل الدعاية والعلاقات العامة القوي داخل حزب العمال. وبدأت هذه المذكرات في الظهور في حلقات مسلسلة في صحيفة «التايمز» اللندنية كل يوم اثنين.

وتبدو مذكرات ماندلسون، التي جاءت تحت عنوان «الرجل الثالث: الحياة في قلب حزب العمال الجديد»، هادفة إلى تعزيز سمعته كأهم الشخصيات المطلعة داخل رئاسة الوزراء في «داوننغ ستريت»، وذلك باستغلال نفوذ منقطع النظير (وكما يضيف خصومه، لا مبالاته بتأنيب الضمير) لتشكيل مسار السياسة البريطانية. وكان ماندلسون، هو الشخصية الرئيسية التي كانت تقدم المشورة لبراون بينما كان يعمل بلا هوادة، كما تشير المذكرات، من أجل البقاء في منصبه بعد أن جاء حزب العمال في الانتخابات العامة متأخرا بما يقرب من 100 مقعد عن حزب المحافظين.

وكتب ماندلسون في مقتطفات نشرتها «تايمز» أن «ما كان واضحا أنه إذا كانت هناك أية فرصة للتوصل إلى اتفاق، فإن براون ما كان ليدعها تفلت. فقد كان براون يقول بعواطفه القوية: (إذا وصل المحافظون إلى الحكم، ودخلوا داوننغ ستريت، فلن نستطيع إخراجهم من هناك بعد ذلك)».

وبعد تسعة أسابيع من الانتخابات، تثير مذكرات ماندلسون الأسى والشفقة. فحكومة كاميرون - كليغ، بحسب كثير من المعلقين في بريطانيا، بدأت بداية مبشرة بوضع سياسات جديدة وحاسمة لخفض عجز الميزانية، والحد من انتهاك الدولة للحقوق المدنية، ووضعت برنامجا طموحا للإصلاح السياسي. بينما حزب العمل، الذي يفتقد إلى زعيم منذ استقالة براون من منصبه كرئيس للوزراء وزعيم للحزب، يعكف على جهود قد تستمر حتى نهاية الصيف لانتخاب زعيم جديد. ومضى براون (59 عاما) مع زوجته سارة، وولديهما الصغيرين إلى منزل العائلة بالقرب من مدينة أدنبره، وتوقف عن الإدلاء بأية تصريحات علنية.

إن ما ورد في مذكرات ماندلسون عن الساعات الأخيرة لبراون في مكتب رئاسة الوزراء يعزز صورته كشخص يميل إلى الانعزال ويتسم بتقلب المزاج وافتقاده إلى حد بعيد للمسة السياسية، ولكنه كان مع ذلك عرضة للهجوم والانتقاد بطريقة جذبت تعاطف قطاع واسع في بريطانيا. وفي مشهد مؤثر - بعدما طلب كليغ منه التنحي عن رئاسة الوزراء ثمن الموافقة على تشكيل ائتلاف من شأنه أن يبقي حزب العمال في رئاسة الحكومة - قال براون لماندلسون إنه يرغب في الرحيل وبكرامة، وأضاف: «لقد تم إذلالي بما فيه الكفاية».

ولكن عندما أعلن براون يوم 10 مايو (أيار) أنه سيستقيل من منصبه كزعيم لحزب العمال ليمهد الطريق لتشكيل ائتلاف مع الليبراليين، تردد كليغ وقرر العودة إلى المفاوضات مع حزب المحافظين. وعند هذه اللحظة، ووفقا لكلام ماندلسون، فقد براون صبره وأخبر كليغ بعد ظهر يوم 11 مايو (أيار) أنه سينسحب فورا وسيتوجه إلى قصر باكنغهام، ليقدم استقالته في لقاء رسمي مع الملكة.

وقال براون لزعيم حزب الأحرار كليغ، وفقا لمذكرات ماندلسون: «لقد نفد صبر الشعب وكذلك أنا أيضا. لقد خدمت البلد قدر استطاعتي. وأنا أعلم المزاج العام في بريطانيا. إنهم لن يسامحونني لو انتظرت ليلة أخرى. ليس لدي خيار آخر. أنت رجل طيب ويتعين عليك اتخاذ قرار». ويقول ماندلسون إنه أيد هذه الخطوة وقال لبراون إنه يجب أن يتنحى قبل حلول ظلام مساء ذلك اليوم، وهو ما فعله براون بالفعل متجنبا ما اعتبره ماندلسون مزيدا من الإذلال في الاستقالة ليلا، وفاتحا الباب أمام كاميرون للوصول إلى «داوننغ ستريت» لتولي منصب رئيس وزراء بريطانيا بالكاد بعد ساعة من استقالة براون.

* خدمة «نيويورك تايمز»