أسئلة عالقة بعد إعلان أميركا وجود «شهرام» على أراضيها.. والسماح له بالعودة لإيران

طهران تعتبر القضية انتصارا لها *الخارجية الأميركية لـ«الشرق الأوسط»: أميري كان موجودا بمحض إرادته وعلى طهران إطلاق سراح معتقلينا

منوشهر متقي خلال تصريحاته للصحافيين في إسبانيا أمس وفي الاطار عالم الفيزياء النووي الإيراني شهرام أميري (أ.ف.ب) (أ.ب)
TT

في تطور يزيد قضية عالم الفيزياء النووي الإيراني شهرام أميري غموضا، أقرت الولايات المتحدة، أمس، أن أميري كان موجودا على الأراضي الأميركية «بمحض إرادته» وأنه سيغادر أيضا بمحض إرادته. وجاء التأكيد الأميركي لوجود أميري على أراضيها بشكل مفاجئ، إذ إن واشنطن قالت مرارا منذ اختفى أميري في يونيو (حزيران) 2009 إنها لا تعلم عنه أي شيء. وبينما تبدو العلاقات الأميركية - الإيرانية متوترة بشكل خاص بعد قرار العقوبات الرابع من مجلس الأمن وقرار العقوبات أحادي الجانب الذي فرضته واشنطن مطلع الشهر الحالي، فإن إعلان واشنطن وطهران أمس أن أميري بصدد التوجه إلى إيران وعلم السلطات الأميركية مسبقا أنه كان يفترض أن يتوجه لطهران أول من أمس، يطرح تساؤلات جدية حول «حوار القنوات السرية» بين أميركا وإيران، وما إذا كان فرار أميري، أو إطلاق سراحه، والسماح له بالعودة لطهران مرتبطا بصفقة بين أميركا وإيران تسمح بعودة المعتقلين الأميركيين الثلاثة المحتجزين في طهران منذ نحو عام تقريبا. وكان لافتا بشكل خاص التضارب في روايات أميري نفسه الذي بث 3 أشرطة فيديو خلال الأسابيع الماضية. ففي أحد الأشرطة قال أميري إنه تم اختطافه عنوة وأخذ لأميركا رغما عنه، وفي شريط آخر قال إنه يدرس في أميركا بمحض إرادته، وفي شريط ثالث قال إنه هرب من عناصر الاستخبارات الأميركية ويريد العودة لإيران وإنه مختبئ في مكان سري في فرجينيا. وزاد دبلوماسي باكستاني في واشنطن من تعقيد الصورة عندما قال أمس إن أميري قال للمسؤولين الإيرانيين في مكتب رعاية المصالح الإيرانية في السفارة الباكستانية في واشنطن بعدما لجأ إليها «إن خاطفيه أوصلوه إلى السفارة وتركوه هناك»، مما يلقي بشكوك في روايته أنه هرب، ويفتح الباب لاحتمال صفقة إيرانية - أميركية لإطلاقه.

وعلمت «الشرق الأوسط» أن أميري لجأ إلى السفارة الباكستانية في واشنطن منذ أول من أمس، وأنه كان يتجهز للسفر منذ ذلك الحين، لكن تأخر سفره بسبب الحاجة لإعداد أوراق تسمح بسفره لبلد ثالث يكون محطة ترانزيت قبل سفره لإيران، وذلك لعدم وجود طيران مباشر بين أميركا وإيران. ومن غير المعروف بعد محطة الترانزيت التي أعدت لأميري، لكن يعتقد أنها ستكون واحدة من ثلاث، إما الإمارات أو تركيا أو باكستان.

ونفى مسؤول في الخارجية الأميركية أن يكون أميري موجودا في أميركا رغما عنه، موضحا لـ«الشرق الأوسط»: «السيد أميري كان موجودا في أميركا بإرادته الحرة، وقرر أن يعود إلى إيران بإرادته الحرة.. وذلك على خلاف مواطنين أميركيين، بينهم مواطنونا الثلاثة، الذين دخلوا الأراضي الإيرانية بطريق الخطأ، والذين اعتقلتهم إيران واحتجزتهم بدون محاكمة ورغما عن إرادتهم».

وتابع المسؤول الأميركي: «يجب على إيران أن تطلق سراحهم فورا وتسمح لهم بالعودة للولايات المتحدة الأميركية». ورفض المسؤول الأميركي الحديث عن متى دخل أميري الأراضي الأميركية ومتى عرفت السلطات الأميركية أنه على أراضيها، إلا أنه أوضح: «السيد أميري موجود حاليا في السفارة الباكستانية في انتظار تجهيز وثائق السفر المناسبة من طرف بلد ثالث يخطط أميري إلى أن تكون محطة ترانزيت قبل التوجه إلى إيران». ورفض المسؤول الأميركي أيضا الخوض في تفاصيل كيف دخل أميري الأراضي الأميركية وما إذا كان دخلها بأوراق هويته الحقيقة أم بأوراق أخرى مزورة.

من ناحيته، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية فيليب كراولي، أمس، إن أميري أقام في الولايات المتحدة «لبعض الوقت» وأبلغ الولايات المتحدة برغبته في مغادرة البلاد، موضحا للصحافيين «لا أستطيع أن أقول لكم» ما إذا كان أميري سلم معلومات بشأن البرنامج النووي الإيراني. وفي حين تؤكد إيران أن مواطنها تعرض «لضغوط نفسية»، أكد المتحدث الأميركي عدم وجود «أي معلومات تشير إلى أنه تعرض لمعاملة سيئة أثناء وجوده في الولايات المتحدة». فيما قالت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون إن أميري «حر في أن يغادر»، موضحة: «هذه قرارات يمكنه وحده اتخاذها»، وذلك دون مزيد من الإيضاحات وما إذا كانت تشير ضمنا إلى أنه توجه إلى أميركا بمحض إرادته ثم طلب العودة. ودعت كلينتون طهران إلى إطلاق سراح الأميركيين المعتقلين لديها أيضا، وأشارت إلى عميل المباحث الفيدرالية الأميركية روبرت ليفنسون الذي اختفى من جزيرة «كيش» الإيرانية منذ 2007 وما زال مصيره مجهولا.

وجاء الإعلان الأميركي الرسمي عن وجود أميري على أراضيها، بعدما أعلن عالم الفيزياء النووي الإيراني في اتصال مع التلفزيون الرسمي الإيراني أمس «أنه تمكن من اللجوء إلى شعبة المصالح الإيرانية في السفارة الباكستانية في واشنطن ويريد العودة لإيران في أسرع وقت ممكن». وقال أميري بحسب ما نقل عنه التلفزيون الإيراني «منذ اليوم الذي بثت فيه تصريحاتي على الإنترنت أدرك الأميركيون أنهم الخاسرون في هذه القضية»، وذلك في إشارة منه إلى 3 أشرطة فيديو بثها أميري في الأسابيع القليلة الماضية.

وأوضح أميري أنه تعرض خلال الأشهر الأربعة عشر «لضغط نفسي كبير ومتدرج قام به رجال مسلحون». وفيما لم يحدد مكان اعتقاله ولا كيفية تمكنه من الذهاب إلى مكتب المصالح الإيرانية، أعرب أميري عن سروره لوجوده في مكتب رعاية المصالح الإيرانية في واشنطن.

وتابع «بعد نشر تصريحاتي على الإنترنت والإهانة التي لحقت بالولايات المتحدة أرادوا إرسالي (الأميركيون) إلى إيران بدون ضجة في رحلة إلى بلد آخر ليتمكنوا بعد ذلك من نفي علاقتهم بالقضية». وكان التلفزيون الرسمي الإيراني قد أعلن الخبر على موقعه الإلكتروني ونقل تصريحات شهرام أميري بدون صورة أو صوت ولكن كنص.

وفي إسلام آباد قال مسؤول بوزارة الخارجية الباكستانية لـ«الشرق الأوسط» إن الحكومة الإيرانية لم تطلب من الحكومة الباكستانية حتى الآن تسهيل إعادة أميري إلى إيران. وأوضح المسؤول الباكستاني: «لا أعتقد أنهم سيقومون بطلب كهذا لأن ممثل المصالح الإيرانية في واشنطن يتعامل مع القضية بنفسه». وبحسب المسؤول الباكستاني فإن رئيس قسم المصالح الإيرانية في واشنطن الدكتور مصطفى رحماني أعلم السفارة الباكستانية بأن العالم الإيراني وصل إلى بوابات قسم المصالح الإيرانية في واشنطن نحو الساعة السادسة والنصف صباح أول من أمس. وقال المسؤول «نعتقد أن الدكتور مصطفى رحماني قام بالترتيبات اللازمة لعودة شهرام أميري إلى إيران. وقد أعلمنا المسؤولون الإيرانيون بشأن هذا لكنهم لم يطلبوا منا تسهيل عودة شهرام إلى إيران».

وأضاف المسؤول: «يملك قسم المصالح الإيرانية مبنى منفصلا، يبعد على الأقل كيلومترين عن سفارتنا. ومن ثم لم يتوجه العالم النووي الإيراني إلى سفارتنا بل وصل إلى مبنى المصالح الإيرانية. والدور الذي ستلعبه سفارتنا عندما يرغب قسم المصالح أو الحكومة الإيرانية في التواصل مع الحكومة الأميركية هو دور الوسيط، حيث سيرسلون إلينا خطابا لنرسله بدورنا إلى الإدارة الأميركية. فمركز المصالح الإيرانية لا يقع ضمن سلطاتنا الإدارية، وله إدارة وترتيبات أمنية مستقلة». ومنذ قطع العلاقات الدبلوماسية بين الولايات المتحدة وإيران قبل ثلاثين عاما، تتولى سفارة باكستان رعاية هذا المكتب.

وفي أول رد فعل رسمي على الأنباء، قال وزير الخارجية الإيراني منوشهر متقي، في مدريد، أمس، إن إيران تأمل «في عودة من دون أي عقبات» لأميري. وأوضح متقي خلال مؤتمر صحافي في مدريد «نحن لدينا الأمل في أن يتمكن أميري من أن يعود من دون أي عقبات، إلى وطنه وفي أن لا تضع الولايات المتحدة أي عراقيل أمام عودته إلى وطنه»، موضحا أنه أجرى محادثات حول أميري مؤخرا مع الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة في نيويورك، كما تحدث عن آخرين اعتقلوا في أميركا أو خارجها بطلب من الأميركيين «مثلما حصل في جورجيا واعتقال السيد أردبيلي أو سائر حالات المواطنين المفقودين في الخارج»، موضحا أيضا أن «بعض الشواهد والأدلة التي لدينا تشير إلى أن الأميركيين ضالعون في هذا الأمر»، مضيفا أن شهرام أميري كان قد توجه إلى السعودية لأداء العمرة باسم حاجي أميري.

واعتبرت إيران القضية أمس «انتصارا للأجهزة الأمنية في الجمهورية الإيرانية»، وقالت وكالة «فارس» المقربة من الحرس الثوري في تقريرها: «إثر عملية خطف شهرام أميري من قبل المؤسسات الأمنية الأميركية ونقله إلى أميركا بدأت التحركات الاستخبارية للجمهورية الإسلامية لإجبار أميركا على التراجع عن ما قامت به ومن ثم تقوم بتسليمه إلى مكتب رعاية المصالح الإيرانية في أميركا»، بدون أن توضح بدقة ما هي التحركات الإيرانية لإجبار أميركا على التراجع عن احتجاز أميري. وتابعت «فارس»: «يعد ما قامت به الأجهزة الاستخبارية التابعة لإيران إحباطا للأجهزة الاستخبارية الأميركية المعادية لإيران بعد ما حققته أجهزة الأمن الإيرانية في الكشف عن ملابسات اختطاف شهرام أميري من خلال الوثائق التي قدمت إلى الأمم المتحدة والضغط على الرأي العام العالمي». وأضافت «قد عمل أميري على تسجيل نداء مصور له تم إيصاله إلى القوات الأمنية بطرق خاصة أعلن فيه أنه قد تعرض للخطف في يونيو (حزيران) من عام 2009.. وبعد نقله لفترة وجيزة إلى مكان مجهول تم تسفيره على طائرة أميركية إلى الولايات المتحدة». وذكرت «فارس» أن الهدف من عملية الاختطاف «هو ممارسة الضغوط على الجمهورية الإسلامية في مجال البرنامج النووي واتهامها بعدم سلميته من خلال تزوير وثائق واهية»، موضحة أن أميري قال إنه خضع لأشد أنواع التعذيب من قبل أجهزة الاستخبارات الأميركية لسوق اتهامات غير حقيقية إلى إيران، لكن طهران قامت بتقديم وثائق إلى مكتب رعاية المصالح الأميركية تثبت اختطافه من قبل أميركا. كما أكد مصدر مطلع في وزارة الخارجية الإيرانية أن أميري أصبح موجودا في مكتب رعاية المصالح الإيرانية بواشنطن. وأشار بحسب تصريحات لوكالة «مهر» الإيرانية إلى أن وزارة الخارجية الإيرانية تتابع هذه القضية وسيتم قريبا الإعلان عن مزيد من المعلومات حول هذه القضية والخطوات التي ستتخذ بهذا الشأن. وشهرام أميري باحث في النظائر المشعة الطبية في جامعة مالك الاشتر التابعة للحرس الثوري الإيراني.

واتهمت طهران الاستخبارات الأميركية بخطفه خلال أدائه العمرة في يونيو 2009 بهدف الحصول على معلومات حول البرنامج النووي الإيراني. وفي أواخر مارس (آذار) الماضي قالت شبكة التلفزيون الأميركية «إيه بي سي» إن أميري «منشق إيراني» وهو يتعاون مع وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية «سي آي إيه» بمحض إرادته.

وكانت «الشرق الأوسط» قد كشفت في أول أكتوبر (تشرين الأول) الماضي أن منوشهر متقي اشتكى إلى الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، خلال جلسات الجمعية العامة للأمم المتحدة اختفاء علماء ومواطنين إيرانيين، تعتقد طهران أن واشنطن وراء احتجازهم. وقال متقي آنذاك إن طهران لديها شكوى تتمثل في اختفاء 4 إيرانيين تعتقد طهران أنهم إما في السجون الأميركية أو مروا عبر السلطات الأميركية خلال نقلهم لبلد آخر. وتحدث متقى عن شهرام أميري، كما تحدث عن حالة علي رضا أصغري نائب وزير الدفاع الإيراني وأحد القادة البارزين بالحرس الثوري الذي اختفى في تركيا عام 2007 وحتى الآن لم يعثر له على أثر، وإن كان يعتقد أنه في دولة أوروبية بهوية جديدة. كذلك أشار وزير الخارجية الإيراني إلى اختفاء رجل أعمال إيراني اعتقل في جورجيا ويدعى أردبيلي. أما الشخصية الرابعة التي طرحتها إيران أمام بان كي مون فهو نصر الله طاجيك، وهو دبلوماسي إيراني سابق يعيش في بريطانيا اتهم بمحاولة تهريب معدات للرؤية الليلية إلى إيران.