التقسيط المريح في كردستان.. يحلب جيوب الموظفين لكنه يبهج قلوب زوجاتهم

موظف لـ«الشرق الأوسط»: زوجتي تصر على تلفزيون بلازما ونسيت أيام الأبيض والأسود

جانب من محلات البيع بالتقسيط المريح في إقليم كردستان («الشرق الأوسط»)
TT

ازدهرت في السنوات الماضية تجارة المواد والأجهزة الكهربائية المستعملة، وازدهرت معها مهن التصليح لتلك الأجهزة التي كان معظم الناس عاجزين عن شراء الجديد منها بسبب قصر ذات اليد، حيث كانت معظم العوائل تعتمد في معاشها على راتب رب الأسرة أو عوائد مهنته، وهي بالكاد تكفي لسد الرمق بسبب الحصار الاقتصادي في سنوات التسعينات، وغلاء الأسعار في السنوات التي تلتها.

كانت الأجهزة الكهربائية، كالتلفزيونات والثلاجات والمجمدات والمبردات والستلايت، يعز شراؤها على أصحاب ذوي الدخل المحدود وهم الغالبية في المجتمع، فيلجأون إلى تصليح المعطوب منها لاستخدامها لأطول فترة ممكنة.

في منتصف التسعينات، ظهرت أجهزة الستلايت حديثا، وكانت نوعياتها ومواصفاتها متخلفة قياسا إلى الأجهزة الحالية، حيث تدار كمؤشرات الراديو بحثا عن القنوات ومن دون ريموت كنترول، وكان أحدهم من أوائل المتمكنين من شراء هذا الجهاز صرف ما يقرب من 60 ألف دينار سويسري حينذاك، الذي كان يسمى «الدينار الأصلي»، وكان يعادل 900 دولار، من أجل نصب الستلايت في بيته، ولكن أسعار أحسن جهاز للستلايت وبالريموت كنترول وبأصغر الأحجام لا تكلف اليوم سوى عشرة دولارات في كردستان، ويلتقط آلاف القنوات الفضائية مثله مثل أي جهاز آخر.

قبل سنوات قليلة، ظهرت في مدن كردستان محلات التقسيط التي انتهج أصحابها سياسة تجارة جديدة كانت مألوفة في عقدي الستينات والسبعينات إلى حد ما، ولكنها انمحت بعدها من دون سبب يذكر، وعادت هذه المحلات إلى الظهور مرة أخرى بسبب اشتداد المنافسات التجارية مع انفتاح الإقليم على التجارة الخارجية، وتمكن التجار المحليون من التعاقد مع كبرى الشركات المنتجة للمواد والأجهزة الكهربائية في مختلف أنحاء العالم، فقد أصبح متيسرا لأي صاحب دكان في أربيل أن يسافر إلى الصين أو تايوان أو سنغافورة أو ألمانيا والسويد للتعاقد مع شركاتها للتجارة، وكان هذا حلما بعيد المنال في عهد النظام العراقي السابق الذي كانت سفرات الخارج محصورة فقط في أركان النظام، وكان الاقتصاد مركزيا موجها من الدولة والتجارة محصورة في كبار رموزه.

مع ظهور محلات التقسيط في كردستان، أقبل المواطنون في البداية على الشراء بالشروط القاسية التي كان أصحاب تلك المحلات يفرضونها على المشتري، ولكن بسبب عزوف الكثير منهم عن شراء الأجهزة بسبب تلك الشروط، لجأ أصحاب المحلات إلى التبسيط والتقسيط المريح والتساهل في الشروط، فتهافت الناس على الشراء بحيث أصبحت معظم المحلات مثل المصارف تمسك بإيصالات ودفاتر وسجلات ضخمة بالمشتركين.

ويقول عبد الرحمن ملا شكر، وهو وكيل متعهد لشركة «KMK» الإلكترونية في أربيل: «في البداية، صرفنا أعدادا كبيرة من الأجهزة الكهربائية بالتقسيط، وكانت الشروط صعبة إلى حد ما، فقد كنا نفرض فوائد معينة على بيع المواد، لأن البيع السريع بالنقدي غير البيع بالتقسيط الذي نضطر معه إلى الانتظار شهورا حتى نستوفي المبلغ والربح، وكان البيع بالتقسيط في البداية محصورا في الموظفين في الحكومة، وذلك لهدفين، أولهما لضمان سداد الأقساط، حيث كنا نطالب الموظف بكتاب رسمي من دائرته باعتبارها الضامن للدفع، والثاني هو رغبتنا في مساعدة هذه الشريحة المحرومة من شراء مثل هذه المواد، وعندما وجدنا الإقبال ضعيفا، عمدنا إلى إلغاء نسبة الفائدة، وأعلنا البيع بسعر النقدي نفسه، وشيئا فشيئا رفعنا شرط التوظيف وأصبحت المواد الآن متوافرة لجميع الشرائح ومن دون فوائد، وبهذا ازدهرت تجارتنا». ويعرض صاحب هذا المتجر أنواع التلفزيونات وبأحجام مختلفة من النوعين العادي والبلازما التي أصبحت معلقة على جدران الكثير من البيوت، وكذلك الثلاجات والمجمدات والمبردات والسبليتات والطباخات والمكانس الكهربائية وغيرها وحتى الموبايلات.

ولم تقتصر هذه التجارة على محلات الأجهزة الكهربائية، بل شملت محلات الموبيليات والمطابخ الحديثة، فأصبحت القنفات والمطابخ الأوروبية الحديثة بمتناول الجميع وبالأقساط المريحة.

ويقول يوسف حسين، وهو صاحب محل موبيليات: «أنا وكيل لشركة تركية متخصصة بصنع كاونتترات المطابخ وقنفات غرف الاستقبال، ونبيع جميع منتجاتنا بالتقسيط ومهما كان ثمنها، فالأطقم التي يزيد سعرها على 30-40 ألف دولار لا نمانع من تقسيطها على سنتين لكي نسهل على المشتريين دفعها، المهم عندنا هو رضا المشتري بعد ضمان الدفع، سواء بمعرفة شخصية أو بضمان كفيل معروف».

وحتى محلات بيع الأقمشة والإكسسوارات تلجأ إلى البيع بالتقسيط. تقول آشنا سليمان وهي ربة بيت: «أنا سعيدة جدا لأنني جهزت بيتي بأحدث المواد، وملأت خزانة ملابسي أيضا بالتقسيط، أشعر الآن بارتياح شديد عندما يأتينا ضيف ويرى بيتي مجهزا ومرتبا وفيه كل ما تحتاجه العائلة».

ولكن زوجها دلدار يقاطعها بالقول: «لماذا لا تحدثيه عن التلفزيون الجديد الذي اشتريناه السنة الماضية واستبدلتي به تلفزيون بلازما جديد لأنه موديل حديث».. ويرمقها بنظرة معاتبة ويقول: «حذار من الغرور يا امرأة، قبل سنين لم نكن نجد قوت يومنا». ويعترف آوات، وهو موظف حكومي، بصعوبة العيش مع زوجة تلهث وراء أحدث الموديلات، ويقول: «تستنزف زوجتي كل راتبي الشهري، هي تريدنا أن لا نأكل، ونصرف كل ما لدينا لشراء آخر الموديلات، تصوروا معي قبل شهرين اشترينا جهاز تلفزيون بلازما حجم 32، غيرته قبل أيام بتلفزيون أكبر حجما 40 بوصة لأنه موديل حديث، وتقول كيف يجوز أن تكون صاحبتي الفلانة تعلق شاشة أربعين ونحن 32، فأرغمتني على شراء تلفزيون آخر بالتقسيط، وحولت التلفزيون الآخر إلى غرفة الأطفال، لكنها نسيت أن عائلة كاملة في السنوات الماضية كانت تجلس أمام تلفزيون من حجم 14 إنج وبالأسود والأبيض!».

ويقول هيرش أحمد وهو موظف حكومي أيضا: «إن الجزء الأكبر من راتبه الشهري يذهب إلى الأقساط: قسط الثلاجة، وقسط المكنسة الكهربائية، وقسط الملابس للزوجة، واشتراك المولدة وكارتات الموبايل». ويقول: «لم تعد هناك قناعة لدى أحد، الكل مسه الغرور ويلهث وراء الموديلات، وكل ذلك على حساب جيوبنا نحن الموظفين، ونحن نستلم راتبا معينا لا يزيد ولا ينقص، ولذلك لا أدري والله كيف أوازن بين المصاريف والراتب، والمشكلة أن زوجتي لا تنتظر حتى نسدد أقساط شيء حتى نشتري آخر، وهذا ما يربكني ويخرب علي حساباتي ومصاريفي».