ذكرى «ثورة قاسم» تتحول إلى مطالبة للإسراع بتشكيل الحكومة العراقية

الزعيم العراقي ما زال يثير الجدل حتى الآن بين من يسميه «أبو الضعفاء» ومن يصفه بـ«المتفرد بالسلطة»

أنصار الحزب الشيوعي العراقي يحتفلون بذكرى قيام الجمهورية العراقية، وسط بغداد أمس (أ.ف.ب)
TT

تحولت مسيرة لإحياء ذكرى ثورة 14 يوليو (تموز) 1958 وسط بغداد إلى مظاهرة تطالب قادة الكتل السياسية الفائزة في الانتخابات التشريعية بالإسراع بتشكيل الحكومة والابتعاد عن الصراع على المناصب والمنافع الخاصة بعد أربعة أشهر من الانتخابات التشريعية.

وتجمع المئات من العراقيين في ساحة الفردوس وسط بغداد في مسيرة نظمها الحزب الشيوعي العراقي، لإحياء ذكرى الزعيم العراقي عبد الكريم قاسم، وسرعان ما تحولت إلى مظاهرة تنتقد الوضع السياسي القائم في البلاد.

ورفع المتظاهرون لافتات كتب عليها: «اتركوا الصراع على السلطة والتفتوا إلى معاناة الشعب»، و«نطالب بتشكل حكومة وحدة وطنية حقيقية بعيدا عن المحاصصات الطائفية».

فيما كتب على أخرى: «نفذوا وعودكم الانتخابية يا قادة الكتل الفائزة».

وقال أحمد جاسم (54 عاما) لوكالة الصحافة الفرنسية: «نطالب بتشكيل الحكومة بأسرع وقت لمعالجة مشاكل الناس وإنجاز البرامج السياسية التي وعدوا بها في حملاتهم الانتخابية». واستمرت المظاهرة ساعة في شارع السعدون وعند ساحة الفردوس في وسط بغداد، بمشاركة عدد كبير من النساء تحت شمس لاهبة.

وقالت خيال محمد مهدي الجواهري إحدى المشاركات في المظاهرة إن «أول أهدافنا من التظاهر المطالبة بالإسراع بتشكيل الحكومة وأن تكون حكومة تكنوقراط بعيدا عن المحاصصة الطائفية». وأضافت أن «التأخير يؤكد صراعا على المناصب السيادية والمصالح الخاصة» للكتل السياسية.

وهتف المتظاهرون: «الكرسي صار الهدف.. والشعب تنسونه»، و«اتقاسموا استعجلوا وزعوا كراسيكم، يا اللي انتخبناكم..غلط بينت أساميكم»، و«شكلوا حكومة بالعجل ما ظل صبر عدنه (عندنا)». وعزفت فرق موسيقية طوال المظاهرة موسيقى شعبية ابتهاجا بذكرى ثورة يوليو (تموز). وجرت مسيرة مماثلة في مدينة السماوة كبرى مدن محافظة المثنى في جنوب البلاد.

وقد ولد قاسم في 21 نوفمبر (تشرين الثاني) عام 1914 في محلة المهدية ببغداد من والد سني كان يعمل نجارا ويدعى قاسم محمد البكر وأم شيعية من مدينة الصويرة جنوب العاصمة، تدعى كيفية حسن يعقوبة التميمي.

وعمل قاسم معلما قبل أن يلتحق بكلية الأركان عام 1941. وكان قاسم عضوا في تنظيم «الضباط الوطنيين» وانتخب رئيسا له، وقام بتخطيط وتنفيذ ثورة يوليو (تموز) 1958 التي أنهت الحكم الملكي، وأعلنت قيام الجمهورية العراقية ليصبح أول حاكم للعراق ورئيسا للوزراء وقائدا عاما للقوات المسلحة في 14 يوليو 1958 ولغاية 8 فبراير (شباط) 1963.

وعرف عن قاسم حبه للطبقات الفقيرة التي كان ينتمي لها وعلى الرغم من قصر فترة حكمه فما زال العراقيون يتذكرون أنه أمر ببناء آلاف المنازل للعائلات الفقيرة التي تتحدر من أصول فلاحية هاجرت من الريف إلى منطقة «مدينة الثورة» في بغداد التي أصبحت بعد ذلك «مدينة صدام» وتسمى اليوم «مدينة الصدر». كما تبنى قاسم مشروعا زراعيا إصلاحيا يقوم على تأميم الأراضي الزراعية وتوزيعها على المزارعين والدعوة إلى تحرير المرأة لضمان حقوقها. وفي المجال النفطي أصدر القانون رقم 80 حدد بموجبه حقوق استكشاف واستثمار شركة النفط العراقية - البريطانية.

كما عرف قاسم بالعفو وغالبا ما يردد البغداديون عباراته الشهيرة «عفا الله عما سلف» و«الرحمة فوق العدل» حتى لأولئك الذين أرادوا قتله. لكنه كان في الوقت نفسه من أكثر الشخصيات التي حكمت العراق إثارة للجدل، فقد اتهمه خصومه بالتفرد بالحكم وسماه المقربون منه في وسائل الإعلام آنذاك بـ«الزعيم الأوحد».

وينقسم العراقيون في وصفهم لقاسم؛ فمنهم من يعتبره الأكثر نزاهة وعدالة وصدقا بين حكام العراق حتى لقبه البعض بـ«أبو الضعفاء». ويرى آخرون أنه كان ميالا إلى أحزاب سياسية دون أخرى خصوصا الحزب الشيوعي العراقي الذي شاركه في الحكم عام 1958، وبارتكاب أعمال عنف في مدن الموصل وكركوك (شمال العراق) في أعقاب محاولة انقلاب فاشلة قادها العقيد عبد الوهاب الشواف.

لكن سياسيين عراقيين ينفون أن تكون «للزعيم» يد في ارتكاب «مجزرة الرحاب»، أي مقتل أفراد العائلة المالكة في القصر المذكور لحظة قيام الثورة. ويعزون ذلك إلى عناصر اشتركت في الانقلاب أرادت توريط قاسم.

وأعدم قاسم بعد انقلاب الثامن من فبراير (شباط) عام 1963 في شهر رمضان وكان صائما حين نفذ فيه حكم الإعدام رميا بالرصاص في مبنى الإذاعة والتلفزيون وعرضت مشاهد الإعدام عبر التلفزيون لكي يصدق العراقيون مقتله.