فرنسا: معارضو قانون منع النقاب يراهنون على المجلس الدستوري لوقفه

بعد تصويت مجلس النواب بأغلبية ساحقة على المشروع

امرأة منقبة في باريس (أ.ف.ب)
TT

اجتاز مشروع قانون منع ارتداء النقاب في فرنسا منعا تاما العقبة التشريعية الأولى بسهولة بالغة، إذ لم يتواجد من بين النواب إلا نائبا واحدا للتصويت ضده. وصوت لصالحه 335 نائبا هم كل نواب اليمين والوسط وعدد محدود من نواب المعارضة. أما الأكثرية الساحقة من اليسار والخضر فقد رفضت المشاركة في التصويت على الرغم من معارضتها الشديدة لارتداء النقاب على الأراضي الفرنسية.

وستكون المحطة الثانية لمشروع القانون هي عرضه على مجلس الشيوخ في شهر سبتمبر (أيلول) المقبل. وإذا ما أقره الشيوخ بالصيغة التي صوت عليها مجلس النواب من غير أي تعديل، فسيجد القانون طريقه إلى رئاسة الجمهورية ليصدر عنها ويصبح معها قانونا نافذا. وبالنظر إلى هيمنة اليمين الحاكم على مجلس الشيوخ، فإن اجتياز المحطة الثانية سيكون بسهولة الأولى، إذ أن مجلسي الشيوخ والنواب يعكسان «المزاج الفرنسي العام» الذي لا يستسيغ رؤية نساء منتقبات بشكل كامل في المكاتب الرسمية والنقل العام والساحات والشوارع، وفق ما أظهرته استطلاعات الرأي منذ إثارة الموضوع للمرة الأولى العام الماضي.

غير أن العقبة الكبرى اسمها المجلس الدستوري المكلف بالفصل في مدى تطابق مشاريع القانون مع نصوص الدستور. والحال أن رئاسة الحكومة الفرنسية استبقت طرح مشروع القانون على السلطة التشريعية باستشارة مجلس شورى الدولة الذي أفتى بأنه «ليس هناك أساس قانوني لا جدل حوله» يتيح استصدار قانون يمنع ارتداء النقاب منعا تاما، بما في ذلك في الشارع، أي في كل ما يسمى «الفضاء العام».

وبدلا من ذلك، اقترح المجلس المذكور على الحكومة قانونا يمنع النقاب في المكاتب الرسمية والإدارات ووسائل النقل والبنوك وجوار المدارس، تحت حجة الأمن والحاجة إلى الكشف عن الوجه لدواع أمنية. غير أن الحكومة فضلت «المخاطرة» لأسباب يظن كثيرون أنها سياسية، وعلى صلة بدغدغة المشاعر الشعبية، خصوصا الرأي العام اليميني، ما يعد استكمالا لقانون منع ارتداء الحجاب في المدارس بحجة تفادي إظهار الشعارات الدينية.

وتفاديا لنقض المجلس الدستوري، أعلن جان فرنسوا كوبيه، رئيس مجموعة نواب حزب الاتحاد من أجل حركة شعبية (اليميني الحاكم)، وأحد أشد المنادين بالمنع التام، أنه سيطلب رأيا استشاريا من المجلس الدستوري قبل إقرار مشروع القانون بشكل نهائي. وبأي حال، لن تنتهي «متاعب» الحكومة مع المجلس الدستوري، إذ أن المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان يمكن أن تنظر في الموضوع وأن تقف بالمرصاد وتحتج على إقرار قانون من هذا النوع يقيد حق التعبير الديني والتصرف الفردي (اللباس) بالمعنى العام للكلمة، ما دام أنه لا يضير حقوق الآخرين ولا يمس بالمصلحة العامة أو الأمن أو النظام. وكانت منظمة العفو الدولية قد أصدرت بيانا نددت فيه بفرنسا معتبرة أن منع النقاب «انتهاك لحرية التعبير وحرية النساء الدينية اللاتي يرتدين النقاب كشارة دينية أو تعبير عن الهوية».

وأصابت مشاريع الحكومة (بخصوص النقاب) بالإحراج الكثيرين في فرنسا وعلى رأسهم المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية. فصوته لم يسمع كثيرا في الجدل الذي تشهده البلاد منذ شهور. وعلى الرغم من معارضته المبدئية لسن قانون بهذا الخصوص لتخوفه من أن يكون مدخلا للتنديد بالإسلام كدين ينتهك حرية المرأة، علما أن هناك فقط ألفي امرأة من أصل 3 ملايين مسلمة يرتدين النقاب، فإن قادته أكدوا أنهم مواطنون فرنسيون وسيحترمون القوانين التي تسن. كذلك أحرجت الحكومة اليسار الاشتراكي والخضر والشيوعيين لأنهم من جهة يعارضون ارتداء النقاب ومن جهة ثانية ينددون بمشروع القانون من غير أن تصل بهم الشجاعة إلى التصويت ضده في مجلس النواب بالأمس وفي مجلس الشيوخ غدا.

وهكذا تسير الأمور في فرنسا، التي هي ثاني بلد أوروبي بعد بلجيكا، نحو منع النقاب. وقد ناقش عدد من البلدان الأوروبية اعتماد قانون شبيه، إلا أنها لم تمرره، وبين بينها إسبانيا وإيطاليا وسويسرا وهولندا.

وإذا ما اجتاز القانون العقبات القائمة بوجهه ووجد طريقه إلى التنفيذ في فرنسا، فإن مخالفته تعني تغريم المرأة المخالفة 150 يورو أو إلزامها متابعة دورة تأهيلية في المواطنة والتعريف بالحقوق والواجبات. لكن مشروع القانون يعد أكثر تشددا مع من يلزم الفتيات أو النساء (في إشارة إلى الرجال) ارتداء النقاب، إذ أن الغرامة تصل هنا إلى 30 ألف يورو والسجن لمدة عام كامل. وتتضاعف العقوبة إذا كانت الفتاة التي تلزم بارتداء النقاب قاصرة. ولا يحدد القانون إذا كان سيطبق على الفرنسيين فقط أو غير الفرنسيين، ما يعني أن السائحات قد يتم تغريمهن أيضا.

من جهتها، قالت منظمة العفو الدولية إن تطبيق حظر مقترح لارتداء النقاب ينتهك الحقوق الأساسية ويزيد التمييز الذي تعاني منه بالفعل النساء المسلمات. وذكرت المنظمة الحقوقية في بيان لها أصدرته في لندن بعد عملية تصويت على الحظر في الجمعية الوطنية الفرنسية، أن تطبيق حظر شامل يشكل خطورة تتمثل في مكث النساء في بيوتهن ويحد من أنشطتهن العملية والتعليمية.

وأضاف البيان «كقاعدة عامة، الحق في حرية الاعتقاد والتعبير يؤكد على أن كل البشر يجب أن يكونوا أحرارا في اختيار ما يلبسونه وما لا يلبسونه. لا يمكن تقييد هذه الحقوق ببساطة لأن بعض الأشخاص حتى ولو كانوا أغلبية يجدون أن نوعا من الزي يعتبر مثيرا للاعتراض أو أنه مسيء». ويلزم القانون الدولي الدول بحماية النساء ضد الضغوط والتهديدات في ارتداء النقاب. يمكن تلبية المخاوف الأمنية المشروعة من خلال وضع قيود محددة بشأن تغطية كامل الوجه في «الأماكن المصنفة على أنها مرتفعة الخطورة».

وذكر البيان «ومع هذا، فإن فرض حظر شامل ليس هو السبيل لفعل هذا.. ينطوي هذا على خطورة تتمثل في أن النساء اللاتي يرتدين حاليا النقاب سيصبحن محاصرات في منازلهن، وأقل قدرة على العمل أو الدراسة أو الحصول على الخدمات العامة». وطالبت منظمة العفو الدولية الحكومات بالنظر في تعزيز الجهود لمكافحة التمييز الذي تواجهه النساء المسلمات في كل من مجتمعاتهن وفي المجتمعات الخارجية التي يعشن فيها. وأضافت المنظمة «يتعين أن ينصب اهتمامها (الحكومات) على تشجيع النساء على اتخاذ خياراتهن، بدلا من تضييق نطاق الخيارات المتاحة لهن».