الصين تعلق آمالا كبيرة على برامج الأمن الاجتماعي

يسعى قادة البلاد إلى إقناع المواطنين بإنفاق المزيد من المال وادخار القليل

TT

لي جيان يبلغ من العمر 90 عاما، قاتل وميليشيا محلية تابعة له إلى جانب الشيوعيين في الحرب الأهلية الصينية التي دارت في أربعينات القرن الماضي، ثم تطوع بعد ذلك للمشاركة في حرب في كوريا. والآن يقول لي، بصوت تملؤه المرارة: «لقد قدمت الكثير لهذا البلد. لكن الحكومة لم تقدم لي الرعاية أبدا».

وهذا يحدث حتى الآن. ففي يناير (كانون الثاني)، تلقى لي أول معاش - نحو 40 دولارا لمدة خمسة أشهر. ويتلقى لي 7.38 دولار إضافية شهريا كمصاريف إعاشة من الدولة لأنه فقير. وكما يقول لي فإن هذا المبلغ ليس بالكثير ولكنه يمكنه من شراء السجائر والمشروبات الكحولية التي يتناولها من وقت لآخر. هذه هي النسخة الصينية من دولة الرفاه: شبكة موسعة من البرامج المعدة من أجل مساعدة المرضى وكبار السن والفقراء والعاطلين.

وبصرف النظر عن المنافع الفردية، فإن هناك ضرورة اقتصادية أكبر للبرامج الاجتماعية الجديدة. ويسعى قادة البلاد حاليا إلى إقناع المواطنين الصينيين بإنفاق المزيد من المال وادخار القليل، وهو الهدف الذي يقول محللون إنه يمكن تحقيقه في حال وفرت الحكومة للمواطنين شبكة أمان. فزيادة الاستهلاك المحلي ستساعد على تقليص اعتماد الصين على أسواق التصدير الأميركية والأوروبية لزيادة معدل نموها الاقتصادي - وهو هدف تسعى إلى تحقيقه أيضا واشنطن والشركاء التجاريون الغربيون للصين.

وكما يقول الخبراء، فإن السبب الرئيسي الذي يدفع المواطن الصيني إلى الادخار كثيرا والاستهلاك قليلا جدا، أنه من دون دعم حكومي يمكن الاعتماد عليه، فإن المواطن الصيني سيحتاج إلى ادخار المال - لكي يعتمد عليه في حالات الطوارئ الطبية، وفي تغطية نفقات تعليم الأطفال، وكضمان عند فقدان الوظيفة أو لمساعدة الآباء والأمهات المسنين. وتعليقا على ذلك، يقول تانغ جون، الباحث الاجتماعي بالأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية: «عندما لا يكون لدى الشخص تأمين صحي وتأمين ضد البطالة وتأمين على دخله، كيف يجرؤ على أنفاق كل أمواله؟ الشعب الصيني يحب ادخار المال.... لكن المواطن العادي قد يشعر بعدم الحرج من زيادة الإنفاق إذا أحس أن عليه ألا يقلق من عدم وجود مال معه عند تقدمه في العمر أو عندما يذهب إلى المستشفى».

ففي العقود الثلاثة الماضية، ومنذ أن قضت القفزة الصينية الكبيرة إلى الرأسمالية على فكرة «وعاء الأرز الحديدي» الاشتراكية القديمة، والمزارعين الفقراء مثل لي دفعوا إلى هامش المجتمع - وتجاوزهم الرخاء المتنامي للصين مع عدم وجود دعم من الدولة. يعتمد فقراء المناطق الريفية على مدخرات ضئيلة وعلى كرم أبنائهم، الذين يعملون في الغالب كعمال مهاجرين في المدن وذلك لافتقارهم إلى أية شبكة أمان اجتماعية.

الرئيس هو جنتاو ورئيس الوزراء ون جياباو، الذي تولى منصبه عام 2003، جعل شعار فترة حكمه «الانسجام الاجتماعي»، والذي غالبا ما يعني سد الفجوة المتسعة في الدخل بين أهالي القرى والمدن وتوسيع دائرة الرعاية الصحية والتعليم وتقديم الدعم لمن أغفلهم ركب النمو الاقتصادي الصيني السريع والخطير. وكجزء من هذا الجهد، اتخذت الحكومة في السنوات الأخيرة خطوات أولى نحو نسج شبكة أمان اجتماعي تتضمن للمرة الأولى معاشات تقاعدية وتأمينا صحيا يغطي 830 مليون مزارع، وبرنامجا موسعا للتأمين ضد البطالة، ومساعدات نقدية مباشرة - وهي ما تعرف بالـ«دايبو» - لأفقر الفقراء. وقد خصصت الحكومة 9 مليارات دولار لهذه المساعدات النقدية في العام الماضي، بزيادة قدرها 70% عن العام السابق.

ويقول محللون إن هذه البرامج ما زالت حديثة جدا، والمبالغ التي أنفقت ضئيلة جدا، لتحدث أي تأثير ملحوظ في عادات الإنفاق لدى الصينيين. إلا أن الإنفاق شهد ارتفاعا طفيفا في المناطق الريفية وذلك بسبب الحوافز التي تضمنتها حزمة التحفيز الحكومية، والتي شملت خفض ضريبة القيمة المضافة في الريف وتمكين سكان المناطق الريفية من شراء الأجهزة المنزلية الجديدة بأسعار مخفضة. وتسعى الحكومة لخلق سوق محلية للمنتجات من أجل تقليل الاعتماد على الصادرات وخلق نمط مستدام للنمو في المستقبل.

العديد من هذه البرامج ما زال في المرحلة التجريبية. وهنا في مقاطعة هيبي، قال بعض المزارعين إنهم بدأوا يدفعون في صندوق التأمين الصحي في هذا العام فقط. وعلى الرغم من وجود دعم كبير للمساعدات الحكومية، فإن هناك بعض الحذر حول ما إذا كانت ستستمر وعما إذا كان سيتم توزيعها بشكل عادل. إلى جانب ذلك، فإن ثقافة الاعتماد على الذات والأسرة ما زالت متأصلة بشدة في المجتمع الصيني.

ويقول لي، بصوت يملؤه الصمود والشدة رغم أعوامه التسعين: «ما زلت بحالة صحية جيدة. ما زلت أريد أن أزرع وأبيع الطعام في السوق لأوفر ما أقتات عليه.... وأسرتي تعاملني معاملة حسنة. إلى أي شيء آخر أحتاج؟» وهو ما توافقه عليه زوجة ابنه تشانغ يو شيا (52 عاما)، قائلة: «الآن نحن نحاول القيام بالمزيد من العمل وادخار المزيد من المال. في المستقبل، أعتقد أنه سيتعين علينا الاعتماد على الأبناء. ففي الصين لا يمكن أن تتكهن بما ستقوم به الحكومة. المستقبل غير واضح وسيكون من الأجدى أن نعتمد على أنفسنا».

فقريتهم هولينغ تقع في محافظة لوانبينغ، التي تصنف كواحدة من أفقر محافظات الصين. تبلغ مساحة هذه المحافظة 93 ميلا فقط، ولكنها تشكل عالما مختلفا تماما عن ناطحات السحاب ومجمعات التسوق الموجودة في بكين. وكثير من شباب هذه المنطقة يذهبون للعمل في مواقع البناء في المدن الصينية الكبيرة. تمتلئ هولينغ والقرى التي مثلها بالنساء وكبار السن والأطفال الصغار.

لكن، وكما يقول الخبراء، فإنه سيمر وقت طويل قبل أن تصل برامج الأمن الاجتماعي إلى المستوى المطلوب. ويقول هان كيكنغ، الأستاذ المساعد بجامعة رينمين: «لسنوات طويلة، لم تقدم الحكومة الرعاية للفئات الضعيفة. إلا أن زيادة الاستثمار في أنظمة الأمن الاجتماعي في المناطق الريفية يوضح أن الحكومة أدركت أنه يجب ألا يتم تجاهل المزارعين». لكنه استطرد قائلا: «لا يزال هناك طريق طويل لنقطعه».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»