أميري حول اختطافه: دخلت سيارة فصوب مسدس لرأسي وخدرت ثم وجدت نفسي في أميركا

يصل إلى إيران اليوم عبر قطر * مسؤول إيراني لـ «الشرق الأوسط»: لم يقدم أي معلومات هامة * مسؤول أميركي: حصلنا على معلومات مفيدة

TT

بينما أعدت إيران استقبالا رسميا لعالم الفيزياء النووي شهرام أميري الذي أعلنت أميركا فجأة أنه كان موجودا على أراضيها «منذ بعض الوقت»، رافضة أن توضح لماذا لم يتم الاعتراف بوجوده قبل يوم أول من أمس، مشددة فقط على أنه كان في أميركا «بإرادته الحرة»، أورد التلفزيون الإيراني الحكومي تفاصيل مثيرة أمس نقلا عن أميري يروي فيها كيف تم اختطافه خلال أدائه العمرة في السعودية يونيو (حزيران) 2009، وفي روايته قال أميري إنه أثناء وجوده في المدينة المنورة طلب منه رجال قدموا أنفسهم على أنهم حجاج إيرانيون الصعود معهم على متن سيارة. وأضاف: «أحد الرجال صوب مسدسا باتجاهي. لقد حقنوني بحقنة وعندما استفقت وجدت نفسي في طائرة عسكرية»، موضحا أن عينه كانت معصوبة وأنه عرف أنه في طائرة من صوت محركاتها. وأوضح أميري أنه عندما وصل إلى الولايات المتحدة «تعرضت لضغوط نفسية جمة. لقد مارسوا علي ضغوطا لكي أظهر على وسائل إعلام أميركية وثائق مزورة حول إيران.. ولكي أقول إنني لجأت إلى الولايات المتحدة بملء إرادتي وإنني جلبت هذه الوثائق معي مع كومبيوتر»، مؤكدا أنه رفض الاستجابة لهذه المطالب رغم تلقيه عرضا بالحصول على 10 ملايين دولار ثمن تعاونه. وتابع: «لو لم أتكلم، عبر أشرطة الفيديو التي سربها للسلطات الإيرانية، لقالوا لوسائل الإعلام الدولية إنني تعاونت معهم ولنشروا باسمي وثائق مزورة». وأوضح أميري أنه تعرض لتهديدات بالقتل من عناصر استخبارات مسلحة كانت تحيط به طوال الوقت، قبل أن يهرب منها ويعد شريط الفيديو الأول الذي سربه إلى السلطات الإيرانية بطريقة لم تتضح تفاصيلها بعد. وكان أميري قد قال للتلفزيون الرسمي الإيراني إنه موجود في مكاتب شعبة رعاية المصالح الإيرانية في السفارة الباكستانية في واشنطن، بعدما نجح في الإفلات من عملاء الاستخبارات الأميركية، معربا عن رغبته بالعودة إلى بلاده. وقبيل مغادرته الأراضي الأميركية قال أميري في مقابلة بثتها قناة «برس تي في» الإيرانية أول من أمس: «عندما أصل إلى إيران سأوضح ادعاءات وسائل الإعلام الأجنبية والحكومة الأميركية التي تناولت سمعتي»، موضحا أنه سيكشف المزيد من التفاصيل لدى وصوله. وأضاف: «لدي قصة طويلة ومليئة بالتفاصيل.. شرحت بعض الأجزاء الرئيسية في لقطات مصورة تم بثها في السابق».

وفيما يتوقع أن يصل أميري إلى طهران اليوم قادما من قطر، محطة الترانزيت التي سيتوقف عندها، قال المتحدث باسم الخارجية الإيرانية رامين مهمان بارست للتلفزيون الحكومي أمس: «بفضل جهود الجمهورية الإٍسلامية الإيرانية والتعاون الفعال من جانب السفارة الباكستانية في واشنطن، غادر شهرام أميري قبل بضع دقائق الأراضي الأميركية في طريق العودة لإيران عبر دولة ثالثة»، موضحا أن إيران ستواصل «جهودها على الصعيد القانوني والدبلوماسي» ضد الحكومة الأميركية «لمسؤوليتها عن خطف أميري». فيما قال مسؤول آخر بوزارة الخارجية إن أميري من المنتظر أن يصل إلى طهران اليوم عن طريق قطر، غير أنه لم يتضح بعد ما إذا كان أميري سيصل على متن طائرة خاصة أم في طائرة ركاب عادية. وما زالت قضية أميري يشوبها الغموض وسط تناقض كامل في الروايتين الأميركية والإيرانية. إذ فيما قالت وزارة الخارجية الأميركية إن الولايات المتحدة لم تختطف أميري وإنه كان في الأراضي الأميركية منذ فترة بمحض إرادته، أكدت طهران أنه اختطف من عملاء الاستخبارات الأميركية بهدف الحصول على معلومات حول البرنامج النووي الإيراني. وبث أميري في الآونة الأخيرة تسجيلات فيديو متباينة قال في أحدها إنه عالم الفيزياء شهرام أميري وإنه اختطف وتعرض للتعذيب، وقال في آخر إنه يدرس في الولايات المتحدة، وفي ثالث قال إنه فر من عملاء أميركيين ويريد من الجماعات المدافعة عن حقوق الإنسان مساعدته على العودة إلى إيران. وأثار الغموض الذي يحيط بقضية أميري تكهنات بشأن إمكانية أن تكون لديه معلومات لها قيمة بشأن البرنامج النووي الإيراني تريد المخابرات الأميركية الحصول عليها.

وفي هذا الصدد قال مسؤول أميركي أمس إن الولايات المتحدة حصلت على معلومات مفيدة من أميري. وأضاف المسؤول الذي طلب عدم الإفصاح عن اسمه لـ«رويترز»: «حصلنا على معلومات مفيدة منه وحصل الإيرانيون على أميري. اسألوا أنفسكم من حصل على الفائدة الأكبر». وامتنع المسؤول عن التعليق على أي تفاصيل محددة بشأن المعلومات التي تم الحصول عليها من أميري الذي هرب إلى الولايات المتحدة العام الماضي. وتتماشى هذه المعلومات مع معلومات ترددت في مارس (آذار) الماضي إذ قالت شبكة (إيه بي سي نيوز) الأميركية إن أميري انشق على نظام الحكم في طهران وهرب وإنه يساعد وكالة المخابرات المركزية الأميركية.

وفيما يشكل احتمال تعاون أميري مع الاستخبارات الأميركية خطرا على حياته وأمنه وبالتالي يثير السؤال حول لماذا اختار العودة لإيران، أوضح المسؤول الأميركي إن السلطات الإيرانية قد تكون أثرت على أسرته وبالتالي فضل أن يعود لإيران. وقال المسؤول الذي طلب عدم نشر اسمه: «ربما شعر بنوع من الضغط من وطنه. الإيرانيون لا يستبعد أن يستغلوا الأسرة للضغط على شخص. قد يكون هذا أحد التفسيرات للرسائل المتناقضة التي يوجهها». وسعى المسؤول الأميركي كذلك لإثارة الشكوك بشأن رواية أميري قائلا إن «حقيقة أنه كان حرا في تسجيل لقطات الفيديو التي جرى بثها وفي الرحيل تقوض مزاعمه بشأن الإكراه».

إلا أن مسؤولا حكوميا إيرانيا نفى أن يكون أميري قد أعطى الاستخبارات الأميركية أي معلومات هامة أو ذات قيمة حول البرنامج النووي الإيراني. وقال المسؤول الإيراني لـ«الشرق الأوسط»: «لم يقدم أميري أي معلومات لعناصر الاستخبارات الأميركية على الرغم من الضغوط الكبيرة عليه. اعتقد الأميركيون أنهم ببعض الحيل يمكن أن يحصلوا منه على معلومات حول أنشطة إيران النووية الشرعية. وعندما فشلوا بدأوا يروون قصصا غير صحيحة حوله وحول الأنشطة النووية لإيران». وأكد المسؤول الإيراني أن الحكومة الإيرانية ستواصل متابعة هذه القضية وقضايا إيرانيين آخرين تعتقد طهران أن أميركا اختطفتهم عبر المؤسسات الدولية. وتابع: «هذه القضية لم تغلق بعد، سنواصل ملاحقة أميركا على جرائمها بحق مواطنينا». وأضاف: «إن أميركا اضطرت مرغمة على ترك أميري يغادر الأراضي الأميركية عندما فضحت قصة وجوده على الأراضي الأميركية». وفيما تتجه الأنظار إلى إيران خلال الأيام المقبلة لمتابعة كيف ستتم معاملة أميري، وماذا سيكون مصيره، وما هي الروايات التي يمكن أن يرويها وكيف يمكن أن تؤثر على الإدارة الأميركية التي تواجه بالفعل إحراجا في هذه القضية، نفى مسؤول في وكالة الاستخبارات الأميركية أن تكون الوكالة خطفت أميري. وقال المسؤول بحسب ما نقلت عنه صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية أمس إن أميري «هرب طواعية». من إيران وإنه قدم «معلومات استخباراتية هامة»، ثم «بدأ يقلق على مصير عائلته في إيران». وأضاف المسؤول: «لا أعتقد أن الحكومة الأميركية تبذل جهودا إضافية لإحضار ناس إلى هنا إذا لم يكن ذلك بسبب فوائد استخباراتية».

وتابع المسؤول الأميركي الذي رفض الكشف عن هويته بسبب حساسية الموضوع أنه بالإضافة إلى شريط الفيديو الذي وزعه أميري في الإنترنت، الذي صوره وهو يعاني وكأنه يريد المساعدة، يوجد شريط فيديو آخر يصور أميري في حالة طيبة ومستقرة، وهو يرتدي بدلة. وأعلن أنه لم يخن وطنه، ودعا إلى التوقف عن نشر «أكاذيب» عنه. وأن حكومة إيران «ستتولى رعاية عائلتي». وقال مسؤول الاستخبارات أن حكومة إيران، رغم تصريحات أميري، هددت، بطرق غير مباشرة، بإلحاق أذى بعائلته. ونفى المسؤول الأميركي ما جاء في شريط الفيديو الأول. وقال إن نشر الفيديو الأول، ووصول أميري إلى قسم رعاية المصالح الإيرانية في سفارة باكستان في واشنطن يوضحان أنه «كذب عندما قال إنه عذب أو اعتقل. يقدر على أن يقول ما يريد. لكن، لن يغير هذا الحقيقة».

وقالت صحيفة «واشنطن بوست» تعليقا على القضية الغامضة إن «هذه التطورات الغريبة صارت سبب حرج للحكومتين الأميركية والإيرانية. فقدت الاستخبارات الأميركية شخصا كانت قالت إن هروبه انقلاب استخباراتي. لكن، ربما قدم أميري أسرارا هامة عن النشاطات النووية الإيرانية إلى الاستخبارات الأميركية». وأضافت: «قدم حادث أميري مثالا نادرا لعالم التجسس بين الولايات المتحدة وإيران، مثلما فعل اعتقال عشرة جواسيس روس في الولايات المتحدة الشهر الماضي. يبدو أن الجاسوسية لا تزال حيه بعد كل هذه السنوات من نهاية الحرب الباردة».

فيما قالت صحيفة «نيويورك ديلي نيوز» إن مسؤولين أميركيين قالوا لها إن أميري «جاء إلى هنا ليدرس لرسالة الدكتواره». لكن، «يبدو أن المسؤولين لا يتذكرون اسم الجامعة». وأشارت إلى أن بي جي كراولي، المتحدث باسم الخارجية الأميركية، عندما سئل عن طريقة حضور أميري للولايات المتحدة، أجاب: «لا أعرف». من ناحيتها قالت صحيفة «لوس انجليس تايمز»: «يبدو أن أميري كان يريد أن يأتي إلى هنا، لكن، بعد فترة، بدا يقلق على عائلته في إيران». وتوقعت صحيفة «بوسطن غلوب» أن أميري سيواجه «مصير جواسيس عادوا إلى أوطانهم»، وأن حكومة إيران لن تغفر له ما ترى أنه تعاون مع الاستخبارات الأميركية.