شركة «بي بي» تعترف بممارستها ضغوطا على حكومة لندن لتبادل سجناء مع ليبيا

الكونغرس يبدأ تحقيقا في علاقتها بالإفراج عن المقرحي.. ونواب يطالبون بوقف خططها في خليج سرت

عبد الباسط المقرحي في طريقه الى ليبيا بعد الإفراج عنه في أغسطس (آب) 2009 (رويترز)
TT

اعترفت شركة النفط البريطانية العملاقة «بي بي» (بريتيش بتروليوم) أمس بأنها ضغطت على الحكومة البريطانية أواخر عام 2007 بشأن اتفاق لتبادل السجناء مع ليبيا، في وقت بدأ فيه الكونغرس الأميركي تحقيقا حول مدى علاقتها بإطلاق سراح الليبي عبد الباسط المقرحي، المدان بتفجير لوكيربي. وتواجه «بي بي» أسوأ عاصفة في تاريخها، بسبب البقعة النفطية في خليج المكسيك، حيث ينظر الكونغرس الأميركي، في توصية بمعاقبتها. وجاء اعتراف الشركة تاليا لإعلان وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون التي قالت إنها سوف تنظر بطلب مجموعة من أعضاء مجلس الشيوخ للتحقيق بدور مزعوم لـ«بي بي» بالإفراج عن المقرحي.

وقالت «بي بي» في بيان أمس إن ضغطها على الحكومة البريطانية جاء «بسبب قلقها من أن يؤدي التأخر في اتخاذ قرار بشأن اتفاق لتبادل السجناء مع ليبيا، إلى تعطيل اتفاق للتنقيب عن النفط قبالة السواحل الليبية». وأضافت: «قلنا لحكومة المملكة المتحدة إننا قلقون بشأن بطء التقدم المتحقق في التوصل إلى اتفاق لتبادل السجناء مع ليبيا.. نعرف أن ذلك قد يكون له أثر سلبي على المصالح التجارية البريطانية بما في ذلك تصديق الحكومة الليبية على اتفاق التنقيب الخاص بشركة (بي بي)». لكن «بي بي»، قالت إنها لم تتدخل في المناقشات بشأن الإفراج عن عبد الباسط المقرحي المدان بتفجير لوكيربي. وأضافت: «قرار الإفراج عن المقرحي في أغسطس (آب) 2009 اتخذته الحكومة الاسكوتلندية. وليس لشركة (بي بي) أن تعلق على قرار الحكومة الاسكتلندية.. (بي بي) لم تتدخل في أي مناقشات من هذا القبيل تتعلق بالإفراج عن المقرحي».

وردت كلينتون على تلك التقارير بقولها: «لقد تلقيت هذه الرسالة، وسوف ننظر في الأمر». وفى مؤتمر صحافي، طالب أربعة نواب أميركيين الشركة البريطانية بتجميد خططها للتنقيب في خليج سرت إلى حين خروج النتائج والتحقيقات التي تقوم بها بريطانيا والولايات المتحدة. وقال تشارلز شومر، وهو سيناتور ديمقراطي من نيويورك: «إنه مثير للاشمئزاز أن يكون لـ(بي بي) دور محتمل في تأمين إطلاق سراح إرهابي لوكيربي في مقابل اتفاق النفط». وقال السيناتور الديمقراطي روبرت منديس خلال المؤتمر الصحافي: «إذا تبين أن (بريتيش بتروليوم) ساعدت في الإفراج عن هذا القاتل فهذا سينزع الشرعية بصورة إضافية عن قرار المحكمة الاسكوتلندية التي أفرجت عنه لأسباب صحية».

وأدين المقرحي بتفجير طائرة (بان أميركان) الرحلة رقم 103 فوق لوكيربي باسكوتلندا عام 1988 وقتل فيه 270 شخصا. وأفرج عنه لأسباب إنسانية في أغسطس (آب) الماضي بعد أن قال أطباء إنه يعاني من مرض السرطان وإنه من المرجح أن يعيش فقط لأشهر. وتم نقله إلى ليبيا حيث يقيم حاليا هناك.

وأعلنت الخارجية الأميركية أنها متعاطفة مع الغضب في الولايات المتحدة حول إطلاق سراحه. وقال المتحدث باسم الخارجية الأميركية فيليب كراولي «كان هناك توقع في أغسطس الماضي أن السيد المقرحي لن يعيش سوى بضعة أشهر.. في كل يوم يعيش كرجل حر، نعتقد أنه إهانة لعائلات وضحايا طائرة بان آم 103». لكن كراولي، قال من جهة ثانية إن هنالك «بعض الأسئلة العملية المتعلقة بما سوف يطلبون منا القيام به بالضبط». وأضاف قائلا إنه يظل هنالك أسئلة بشأن قدرة وزارة الخارجية على التحقيق بحديث يُزعم أنه جرى بين شركة خاصة وحكومتي بلدين».

وبدا مستقبل «بي بي» في أميركا محفوفا بالمخاطر، حيث أوصت لجان تشريعية بمنع الشركة من مشاريع الحفر البحرية لمدة سبع سنوات. وقالت لجنة الموارد الطبيعية بالكونغرس إن «التشريع الذي أعدته وسينظر فيه الكونغرس من شأنه أن يحظر على شركات النفط التي لها تاريخ في انتهاك السلامة والأنظمة البيئية من مشاريع الحفر الجديدة».

من جهتها نأت ليبيا أمس بنفسها عن الجدل المحتدم بين الشركة البريطانية وأعضاء في الكونغرس الأميركي ومسؤولين في الإدارة الأميركية بشأن حقيقة الدور الذي لعبته في الإسراع بالإفراج عن المقرحي. وقال مسؤول ليبي بارز لـ«الشرق الأوسط»: «هذه معركة بريطانية أميركية، لسنا طرفا فيها»، معتبرا أن ملف المقرحي مغلق تماما بالنسبة إلى ليبيا.

وأضاف المسؤول، الذي طلب عدم تعريفه، في اتصال هاتفي من العاصمة الليبية طرابلس، أن توقيت إثارة ملف المقرحي من جديد يستهدف ممارسة الضغوط على المهندس سيف الإسلام النجل الثاني للزعيم الليبي العقيد معمر القذافي بسبب موقفه الداعم لإعادة الإعمار في قطاع غزة وإرساله سفينة المساعدات الليبية «الأمل». واعتبر أن ما أعلنته الشركة البريطانية أمس من أنها ضغطت على الحكومة البريطانية نهاية عام 2007 بشأن اتفاق لتبادل السجناء مع ليبيا بسبب قلقها من أن يؤدي التأخر في اتخاذ قرار بهذا الشأن إلى تعطيل اتفاق للتنقيب عن النفط قبالة السواحل الليبية، هو أمر صحيح.

وتابع قائلا: «الشركة كانت تدافع عن مصالحها الاقتصادية والتجارية لدى حكومتها، هذا حق مشروع، وليس لنا أن نعلق عليه». ووقعت الشركة البريطانية اتفاقية مع السلطات الليبية عام 2007 للتنقيب عن النفط بعد أن تم رفع جميع القيود الدولية التي كانت تحظر عمل شركات قطاع الأعمال الأجنبية في ليبيا.

وتواصلت الحملة الأميركية على سيف الإسلام القذافي، رئيس مؤسسة القذافي للتنمية، على خلفية نجاحه في إبرام صفقة سياسية مع الحكومة الإسرائيلية عبر رعاية مصرية ووسطاء غربيين، لإطلاق عملية إعمار غزة مقابل موافقة سفينة الأمل الليبية للمساعدات على الدخول إلى ميناء العريش تمهيدا لنقل المساعدات التي تحملها إلى الشعب الفلسطيني برا عبر الأراضي المصرية.

وتواجه الشركة البريطانية حملة دعائية منذ بضعة أسابيع بسبب علاقتها مع ليبيا، خصوصا بعد إعلان الدكتور شكري غانم، رئيس مؤسسة النفط الليبية، أن أسهم الشركة المعروضة في السوق تمثل فرصة سانحة للباحثين عن الاستثمارات الاستراتيجية طويلة المدى. ورغم الصعوبات التي تتعرض لها الشركة بسبب التسرب النفطي في خليج المكسيك، فإن غانم دافع عن استمرار وبقاء الشركة في السوق الليبية، معتبرا أن ما حدث في خليج المكسيك أمر عارض لن يؤثر في قيمة الشركة البريطانية العملاقة. وتخطط الشركة لحفر بئر عميقة في الجرف الليبي في الأسابيع القليلة المقبلة، على عمق يصل إلى نحو كيلومترين.

وقالت مصادر ليبية لـ«الشرق الأوسط» أمس إن تحرك أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي يأتي في إطار ما وصفته بحملة الابتزاز والضغوط الأميركية التي تشنها عدة دوائر أميركية وإسرائيلية ضد المهندس سيف الإسلام القذافي بسبب موقفه من القضية الفلسطينية.

وأوضحت أن اللوبي الصهيوني في واشنطن يقف وراء تحرك هؤلاء الأعضاء وهم السيناتور تشارلز شومار، وكيرستين جيليبراند عن ولاية نيويورك وزميلاهما روبرت مينينديز، وفرانك لوتينبيرج عن ولاية نيوجيرسي.

يُشار إلى أن الرئيس الأميركي باراك أوباما كان قد أعرب عن خيبة أمله حيال الإفراج عن المقرحي، وذلك في مكالمة هاتفية أجراها مع رئيس الوزراء البريطاني آنذاك غوردن براون. لكن براون أوضح للرئيس الأميركي أن قرار الإفراج عن المقرحي يعود تماما للحكومة الاسكوتلندية، كما نفى تماما وجود «مؤامرة أو اتفاق سري» وراء الإفراج عن المقرحي، لافتا إلى أن العلاقات التجارية بين بريطانيا وليبيا، التي انتعشت منذ عام 2004، لم تؤثر على القرار.

وأثار قرار الإفراج عن المقرحي جدلا واسعا في كل من بريطانيا والولايات المتحدة، إذ انتقدت أحزاب المعارضة في أدنبرة ولندن عملية الإفراج التي أثارت أيضا غضب بعض عائلات الضحايا، ومنهم 200 من الأميركيين. وسمحت اسكوتلندا بإطلاق سراح المقرحي وعودته إلى ليبيا بعدما أشارت تقارير طبية إلى أن أيامه معدودة. إلا أن تقريرا صدر مؤخرا أشار إلى إمكان أن يبقى على قيد الحياة لأكثر من عشر سنوات.