وزير الإعلام اللبناني: مفهوم الحوار محاط بعدة التباسات.. ويجب أن يكون مرادفا للتواصل المتكافئ

بن عيسى: محاربة اللغة العربية لن ترفع من شأن اللغات المحلية.. واللغات الأجنبية هي المستفيد

TT

قال طارق متري، وزير الإعلام اللبناني، إن مفهوم الحوار محاط بعدة التباسات، مشيرا إلى أنه إذا كان البعض ينظر إليه على أساس أنه تبادل للأفكار والآراء، فإن آخرين يرفعونه إلى منزلة التفاوض، في حين يحبذ هو أن يكون الحوار مرادفا للتواصل المتكافئ. وزاد قائلا خلال الجلسة الافتتاحية لندوة «حوار الثقافات العربية: التطلعات والآفاق»، التي انطلقت مساء أول من أمس، وهي الثالثة ضمن ندوات جامعة المعتمد بن عباد الصيفية، المنظمة في إطار موسم أصيلة الثقافي الدولي الثاني والثلاثين: «في المجال الثقافي، لا توجد ثقافة (عليا) في مقابل أخرى (دنيا)».

ودعا متري إلى مراجعة بعض المقولات النمطية التي شاعت في الوطن العربي من قبيل أن القاهرة تؤلف وتكتب، ولبنان تطبع وتنشر، في حين يتولى العراق دور المستهلك الأول للبضاعة الثقافية. وخلص متري إلى القول إن تلك المقولة إذا صح أنها كذلك، تتطلب تدقيقا في إطار توضيح العلاقة بين المركز والمحيط في المجال الثقافي، مضيفا أن الركون إلى «الهوية» يعني وجود ثقافة متجانسة تفترض إخفاء «التنوع والاختلاف»، على اعتبار أنهما سببا الفرقة، علما بأننا، يقول متري، «أكثر تنوعا مما نعتقد، وذلك مما يعزز مشروعنا الوحدوي، وينسجم مع توجهنا كشركاء في الحوار على الصعيد العالمي، الذي تعكسه عدة وثائق واتفاقيات؛ ضمنها وثيقة منظمة اليونسكو، ذات الصلة». وزاد متري قائلا: «إننا نعيش راهنا في عالم ينزع فيه البعض نحو تجاوز الفروق الثقافية، وآخرون يتشبثون بالخصوصيات، ومن المنطقي أن يتموقع الحوار في الطرق الضيقة بين التهويل من (أمر) أهمية الخصوصيات والاستهانة بها».

من جهته، قال محمد بن عيسى، أمين عام مؤسسة «منتدى أصيلة»، إنه في الوقت الذي يعيش فيه العالم متغيرات كثيرة بعد أحداث سبتمبر (أيلول) الشهيرة، وينشغل بإثارة قضايا فكرية وكونية كبرى، من قبيل «حوار الحضارات» و«حوار الأديان» و«حوار الثقافات»، ارتأت جامعة المعتمد بن عباد أن تخصص السؤال، وتحصره في موضوع يهم العرب بالدرجة الأولى، ألا وهو: «(حوار الثقافات العربية)، شعورا منا بأولوية مخاطبة ذواتنا وفهمها قبل توسيع مجال الحوار والتفكير حول قضايا كونية، من دون أن يعني ذلك أننا نلغي الحوار والتواصل مع الآخر أو نهابه».

وزاد بن عيسى قائلا: «كانت مواسم أصيلة سباقة إلى الحديث عن (حوار الثقافات) و(حوار الحضارات)، بمثل سبْقِها أيضا إلى التنبيه إلى محدودية حوارنا الثقافي العربي، وهو ما تعكسه اليوم ضآلة حجم معرفة بعضنا بعضا. فكيف إذن نتحدث عن الانتماء إلى ثقافة عربية ونحن نجهل ثقافاتنا القطرية والمحلية؟ أخذا بعين الاعتبار، هنا، أن لكل قطر عربي ثقافته، وخصوصيته، وفنونه، تلك التي مرت بفترات قومية ونزعات ومواجهات، كما خضعت بسبب الاستعمار لمؤثرات ثقافية أجنبية منذ بداية القرن التاسع عشر».

وذكر بن عيسى أن «أول ما قد يستوقفنا في هذه الندوة عنوانها، حيث وردت فيه لفظة (الثقافات)، بالجمع، خلافا للاستعمال الذي درجنا عليه عقودا من الزمان، إيمانا منا، ومنذ الوهلة الأولى، بمسألة التنوع والتعدد التي تعرفها الثقافات الوطنية والمحلية العربية، أو غيرها»، مشيرا إلى أن القول بثقافة عربية واحدة، استطابه السياسيون العرب، خاصة المثقفين منهم، ممن انخرطوا في العمل السياسي، خلال فترات الكفاح الوطني ضد الاستعمار، وأنه «أمر مبرر، بل هو الصواب عينه؛ إذ من حق السياسي، بل ومن واجبه الاستعانة واللجوء إلى الأسلحة التعبوية كافة، بما يشحذ الطاقات ويوحد الهمم في المعارك التي يخوضها، على سائر الجبهات، ضد الاستعمار القديم والجديد». وتحدث بن عيسى عن العولمة، التي وصفها بـ«الوافد الجديد»، وقال إنها لا تعترف بالحدود والمتاريس، لكونها آتية على صهوة ثقافة كونية متعالية على الأوطان، عابرة للقارات، مشيرا إلى أن ذلك من شأنه أن يعرض الثقافات الوطنية والمحلية لآفة المحو والانقراض إذا لم تعرف كيف تحافظ على البقاء، لكن ليس بالانكفاء والانغلاق ورفض التغيير، وهو وضع، للأسف الشديد، ما زال قائما لدى بعض النخب العربية.

وقال بن عيسى إنه لا بد من الاعتراف بـ«أننا، أقصد نحن المنشغلين بالهم الثقافي، حائرون، ولم نخرج بعد من نقاش طوته آلة الزمن، وكان يفترض أن يقفل منذ مدة». وذكر بن عيسى أنه مهما حسنت النوايا وصدقت الرغبة في الانفتاح، فإن النتيجة لن تكون في صالح الثقافات واللغات الوطنية. ويجب التأكيد بكل صراحة وقوة على أن محاربة اللغة العربية، لن ترفع وتقوي من شأن اللغات المحلية، بل ستصبح اللغات الأجنبية المستفيد الأكبر، لأنها جاهزة بعتادها وعدتها لتسلم الدور، والإجهاز على اللغات الأخرى.

وعبر بن عيسى عن اعتقاده أن العربية ليست خصما للغات أو للهجات التي تساكنت معها في وئام، ودعا إلى إقرار ما سماه «مبادئ التعايش بين اللغات والثقافات القطرية» حتى يتحقق الإثراء المتبادل.

من جهته، رأى الباحث والأكاديمي الموريتاني، عبد الله ولد أباه، في موضوع الندوة، مسحة استفزاز، متسائلا: «هل ثقافتنا واحدة أم متنوعة أم تقصينا عن بعضنا؟»، موضحا أنه لا يريد ترسيخ الانكفاء المغاربي ولكن الثقافة العربية، من وجهة نظره، انقسمت وتصدعت بعد المرحلة التي تدعى «الإصلاحية النهضوية» التي تلت حملة نابليون، ونهضت بها أقلام من المشرق والمغرب.