شهرام أميري: أنا باحث بسيط وليس لي علاقة بموقعي ناتانز وفوردو.. والأمر كله لعبة

أولبرايت لـ «الشرق الأوسط»: أميري مصدر المعلومات حول الجوانب العسكرية لبرنامج إيران وقلق أميركي من معلومات سينقلها لطهران

شهرام أميري مع زوجته وابنه لدى وصوله إلى طهران أمس (رويترز)
TT

قال شهرام أميري عالم الفيزياء النووية الإيراني، الذي قال إن المخابرات الأميركية خطفته قبل 14 شهرا خلال أدائه العمرة، إنه لم يكن يعمل في المجال النووي وإنه مجرد باحث بسيط، موضحا للصحافيين لدى وصوله إلى مطار طهران الدولي صباح أمس: «ليس لي أي علاقة بنتانز وفوردو (موقعي تخصيب اليورانيوم) كانت لعبة من الحكومة الأميركية لممارسة ضغط على إيران». وبينما يتوالى سرد الروايات حول ما حدث من مسؤولين أميركيين وإيرانيين، يتجلى أكثر النقص والتباينات في روايات الطرفين، مع بقاء غالبية النقاط الحاسمة في هذه القضية غامضة.

فبعدما كانت السلطات الإيرانية الرسمية ترفض في البداية الاعتراف بمشاركة أميري في البرنامج النووي، وصفته مواقع رسمية إيرانية بباحث نووي يعمل في جامعة تتبع للحرس الثوري متخصص في الفيزياء النووية، إلا أن أميري أوضح وهو يبتسم ويرفع إشارة النصر لمستقبليه أمس «لم أجر أي أبحاث في المجال النووي. أنا باحث بسيط أعمل في جامعة مفتوحة أمام الجميع وليس فيها أي سر». وعانق أميري ابنه البالغ من العمر 7 أعوام وزوجته اللذين انهمرت دموعهما وهما يستقبلانه في مطار الإمام الخميني الدولي بطهران مع أفراد آخرين من الأسرة ومسؤول رفيع من وزارة الخارجية هو حسن قشقوي، الذي شكر أميري على «مقاومته الضغوط».

وقال أميري في مؤتمر صحافي قصير في المطار وقد أحاطت بعنقه باقة من الزهور، فيما ارتدى بدلة بلون البيج: «أراد الأميركيون مني أن أقول إني انشققت وهربت إلى أميركا بمحض إرادتي ليستغلوني في الكشف عن بعض المعلومات الكاذبة عن النشاط النووي لإيران». وأضاف: «مارست المخابرات المركزية الأميركية ضغوطا نفسية شديدة علي.. الهدف الرئيسي من خطفي هو القيام بلعبة سياسية ونفسية جديدة ضد إيران». ونفى أميري تصريحات مصادر أميركية قالت إنه غادر أميركا بعدما هددته السلطات في إيران بمعاقبة أسرته، موضحا وهو يمسك بطفله: «م تواجه أسرتي مشكلات».

ورفض أميري الكشف عن الكيفية التي هرب بها من قبضة عناصر الاستخبارات الأميركية، كما رفض الكشف عن الكيفية التي أعد بها 3 شرائط فيديو بثها التلفزيون الإيراني على مدار الشهر الماضي، قائلا إنه لا يريد الكشف عن أسرار أمنية. وفيما تظل هناك أسئلة عالقة في الرواية الإيرانية، فإن هناك أسئلة عالقة أيضا في الرواية الأميركية. فقد قال مسؤول أميركي أمس إن أميري «طلب هذا الأسبوع» إعادته إلى وطنه، موضحا أن «المسؤولين الأميركيين فوجئوا بطلبه، خصوصا أنه يعمل مع الاستخبارات الأميركية منذ أكثر من عام بحسب ما قال المسؤول الأميركي لصحيفة «واشنطن بوست»، دون إيضاحات حول كيف تنسجم حقيقة أن أميري «أبلغ الأميركيين منذ أسبوع واحد فقط برغبته في المغادرة»، مع حقيقة ظهور 3 شرائط فيديو سجلت وبثت على مدار شهر يونيو (حزيران) الماضي تتضمن أقوالا لأميري من بينها أنه اختطف وعذب من قبل الاستخبارات الأميركية، مما يعني أن الاستخبارات الأميركية تعلم برغبته في العودة لإيران منذ أكثر من شهر وليس منذ أسبوع واحد فقط. وبث التلفزيون الإيراني الحكومي شريط فيديو في مطلع يونيو الماضي يؤكد أن أميري محتجز قرب تاكسن في ولاية أريزونا جنوب غرب الولايات المتحدة. وفي ذلك الشريط قال شخص عرف نفسه بأنه أميري إنه اختطف وتعرض للتعذيب. إلا أنه في شريط آخر في وقت لاحق من يونيو قال إنه يدرس في الولايات المتحدة، وفي الشريط الثالث والأخير قال إنه فر من عملاء أميركيين وموجود في فيرجينيا ويريد من الجماعات المدافعة عن حقوق الإنسان مساعدته على العودة إلى إيران. وبسبب التناقضات في روايات الأشرطة ترددت نظريات أن أميري أعد هذه الأشرطة بمشاركة من عناصر استخباراتية أميركية وذلك بهدف تمهيد الأرضية لعودته لإيران، إلا أنه لا يمكن التأكد من مدى صحة تلك التفسيرات بسبب رفض الإدارة الأميركية التحدث حولها.

وأكد أميري مجددا أن عملاء في الاستخبارات الأميركية خطفوه أمام فندقه في المدينة المنورة ونقلوه إلى الولايات المتحدة على متن طائرة عسكرية. وأضاف أن عملاء الاستخبارات الأميركية «طلبوا مني أن أقول لوسائل الإعلام الأميركية إنني طلبت اللجوء إلى الولايات المتحدة وإنني جلبت معي وثائق وكمبيوتر محمول يحوي معلومات سرية حول البرنامج النووي العسكري»، موضحا أن «إسرائيليين كانوا موجودين خلال بعض جلسات الاستجواب، في الولايات المتحدة، ومن المؤكد أنه كان لديهم مخطط لنقلي إلى إسرائيل». وتابع أن الأميركيين عرضوا عليه «عشرة ملايين دولار لإجراء مقابلة مدتها عشر دقائق على شبكة (سي إن إن) الإخبارية الأميركية». غير أنه استطرد: «بعون الله قاومت. لم يكن أي إيراني ليقبل ببيع بلاده إلى الأجانب مقابل المال».

وما زال من الغامض الكيفية التي يمكن أن يكون أميري ساعد بها الأميركيين فيما يتعلق بمعلوماتهم حول البرنامج النووي الإيراني، وما إذا كانت المعلومات الاستخباراتية الأميركية خلال الشهور الأربعة عشر الماضية، منذ اختفاء أميري، قد «تغيرت أو شهدت تحولا نوعيا» بسبب تعاون الباحث الإيراني. وفي هذا الصدد قال ديفيد أولبرايت رئيس معهد العلوم والأمن الدولي في واشنطن وخبير قضايا الانتشار النووي واحد مفتشي الأمم المتحدة على برنامج العراق النووي إن «المعلومات الاستخباراتية الأميركية شهدت تحولا فعلا خلال الفترة الماضية». وأوضح أولبرايت لـ«الشرق الأوسط»: «أحد المسؤولين الكبار في الإدارة الأميركية، الذي أعرفه منذ زمن طويل وأثق فيه، أخبرني قبل فترة منذ اختفى أميري، أن أميري زود الولايات المتحدة بمعلومات مفيدة حول الجانب العسكري من البرنامج النووي الإيراني. واعتقد أن هذا صحيح وليس لدي شواهد تتناقض مع تلك الرواية». ورفض أولبرايت الكشف عن تفاصيل إضافية حول نوعية المعلومات، إلا أنه من المعروف أنه بعد ثلاثة أشهر من اختفاء أميري كشف الغرب في سبتمبر من العام الماضي عن وجود موقع ثان لتخصيب اليورانيوم قرب مدينة قم مما زاد من التوترات مع الغرب بسبب برنامجها النووي، وتزامن مع ذلك تقديم إيران شكوى رسمية إلى الأمم المتحدة تتعلق باختفاء أميري و3 إيرانيين آخرين من بينهم مسؤول في وزارة الدفاع وتاجر أسلحة على صلة بالحرس الثوري.

وأوضح أولبرايت أن الاستخبارات الأميركية أعادت خلال العام الماضي تقييم بعض جوانب برنامج إيران النووي، موضحا: «تقيمنا السابق هو أن إيران أوقفت عام 2003 أبحاثا متعلقة بالجوانب العسكرية لبرنامجها النووي، الآن هناك اعتقاد أن إيران أعادت العمل على الجانب العسكري لبرنامجها النووي»، مشيرا إلى أن أميري ربما يكون لعب دورا في ذلك التحول في التقييم الأميركي. وتابع: «ربما لم يكن لأميري موقع كبير، لكن أحيانا الأصغر سنا يمكن أن يكونوا أكثر فائدة، فهم يلتقون بعدد أكبر من الناس ويعرفون أين تقع منشآت والأشخاص المشاركين وما هي المشكلات».

وفيما قال أولبرايت إن قضية شرائط الفيديو «تبدو غريبة»، إلا أنه أوضح أن تفسيره لها هو أن السلطات الإيرانية هددت عائلة أميري، فقام بنسخ هذه الشرائط وبثها في محاولة لتمهيد الأرضية لعودته إلى إيران. وتابع: «من الخطأ الشديد السماح بانشقاق شخص عن نظامه بدون أن تكون عائلته معه. أعتقد أن أميري واجه مشكلات في التعامل مع وضعه»، غير أنه استطرد: «إذا اختار أميري الانشقاق، فكيف غادر من دون عائلته؟ هذا سؤال هام جدا.. عملت سابقا على حالتين لعالميين نووين من بلدين آخرين انشقا على بلديهما، ورأيت أن الاستخبارات الأميركية تحتاج إلى إقناع كي تقوم بإخراج عائلات المنشقين، فهم لا يفعلون ذلك بشكل تلقائي. لكن إذا لم تحضر عائلات المنشقين معه، فإنه يكون تحت ضغط هائل وضغط يمكن أن يكسر أي شخص».

وفقد أميري في السعودية في يونيو 2009 بينما كان يؤدي مناسك العمرة، وبعد اختفائه بأشهر قليلة بدأت السلطات الإيرانية تشتكي اختفاءه إلى الأمم المتحدة وتتهم أميركا بخطفه قسرا، غير أن واشنطن نفت أي صلة لها باختفائه، إلى أن ظهر العالم الإيراني فجأة في الولايات المتحدة قبل 4 أيام وذلك عندما لجأ إلى مكتب رعاية المصالح الإيرانية في السفارة الباكستانية في واشنطن وطلب أن يتمكن من العودة إلى إيران. وقال أميري في هذا الصدد في تصريحاته للصحافيين في طهران أمس: «فوجئت فعلا بتصريحات وزيرة الخارجية الأميركية، هيلاري كلينتون، التي قالت إن كنت حرا هناك وإني ذهبت بمحض إرادتي. لم أكن حرا. كنت بحراسة رجال مسلحين من الاستخبارات الأميركية». وأضاف: «في الشهرين الأولين، تعرضت لأسوأ حالات التعذيب النفسي».

وفيما نفى نائب وزير الخارجية الإيراني حسن قشقوي الذي كان في المطار أن يكون «الإفراج عن» أميري مرتبطا بأي تبادل مع ثلاثة أميركيين محتجزين في إيران منذ أكثر من عام، قال وزير الخارجية الإيراني منوشهر متقي إن عودة أميري جاءت «نتيجة سنتين من الجهود» قامت بها إيران. وأضاف أن «تفاصيل خطفه ستكشف بعد إجراء تحقيق».

وبدا أن بي جيه كرولي المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية يتوقع المزيد من الاتهامات من طهران بعد عودة أميري. وقال للصحافيين في هذا الصدد: «عقب عودته إلى إيران أتوقع أن تكون لديه عدة أشياء ليقولها ونصيحتي ستكون أن تأخذوا ما سيقوله ببعض التشكك». ونفت واشنطن مجددا أن يكون أميري، أرغم على المجيء إلى الأراضي الأميركية. وقال كراولي «لا أحد أجبره على المجيء إلى هنا أو على المغادرة». وأمام سيل الأسئلة المتعلقة بأميري الذي انهال به الصحافيون على كراولي، قال المتحدث باسم الخارجية الأميركية «لن أتحدث أكثر عن أميري، لقد غادر الولايات المتحدة ويعود إليه أن يقرر ما إذا كان يعتزم الحديث عن تجربته هنا أم لا. لقد أعطيتكم كل ما لدي».

وتعليقا على الموقف الأميركي، قال أولبرايت إن واشنطن تشعر أنها في موقع الدفاع، موضحا: «إذا كنا تحت الهجوم، على أساس أن نصف العالم يعتقد أن أميري اختطف من قبل الاستخبارات الأميركية بغض النظر عما تقول واشنطن، فإن النصف الآخر قد يصدق القصة الأميركية». وتابع: «الإيرانيون يعرفون ماذا فعل أميري، ويفترضون أنه منشق وهم لا يستطيعون فعل أي شيء به الآن. لكن لا أدري ماذا يمكن أن يحدث بعد 6 أشهر، ربما حادثة سيارة غامضة، لكن ليس لدى الإيرانيين خيارات عديدة. الشيء الذي سيعمل الإيرانيون عليه هو التأكد من عدم انشقاق علماء نووين آخرين، فهو سيعملون من وراء الستار لوقف تسرب المعلومات وإخافة العلماء من الانشقاق».

وفيما تحاول كل من إيران وأميركا حساب الخسائر والمكاسب الناجمة عن هذه القضية الغامضة، أوضح أولبرايت أن أميركا لديها سبب للقلق من القضية كلها بسبب المعلومات التي جمعها أميري خلال وجوده في أميركا طوال الأربعة عشر شهرا الماضية، خصوصا فيما يتعلق بأساليب تجنيد المنشقين واجتذابهم لأميركا وأساليب التحقيق والحلقات الوسيطة التي تعمل مع الاستخبارات الأميركية وفي هذا الصدد أوضح أولبرايت لـ«الشرق الأوسط»: «القضية كلها لا تفيد أميركا، إنها معادلة خاسر - خاسر بالنسبة للإدارة بغض النظر عما سيفعلونه في هذه القضية. إنها قضية محرجة وترسل الرسالة الخاطئة للإيرانيين الذين يعملون في برامج سرية أميركية. فأميري انشق عن إيران، ثم قرر العودة إلى إيران، لا بد أن شيئا جسيما حدث كي يقرر العودة لإيران. هذا يحدث، لكنه ليس من الجيد أن يحدث. السؤال الذي ينبغي طرحه هو: ما الذي حدث؟. فكل هذه العلنية أمر غير جيد». وتابع: «أميري سوف يخبر الإيرانيين بتفاصيل عن عملية انشقاقه وكيف حدثت والقنوات التي استخدمت».