كرتي لـ«الشرق الأوسط»: إذا تعذر الوصول إلى وحدة فمن الأفضل أن يكون «طلاقا سلميا»

وزير الخارجية السوداني: إغلاق الحدود مع ليبيا ليست له أبعاد سياسية.. ونريد مصر قريبة منا أكثر

علي أحمد كرتي (أ.ف.ب)
TT

وصف علي أحمد كرتي وزير الخارجية السوداني اتهامات الإبادة الجماعية التي وجهتها المحكمة الجنائية الدولية إلى الرئيس عمر البشير بأنها «قضية سياسية منذ بدايتها، وليست قانونية»، نافيا قدرة المحكمة الجنائية وقراراتها في التأثير على الرئيس البشير أو إعاقة حركته متسائلا: «من من الرؤساء يذرع الدنيا شرقا وغربا». مضيفا أن التواصل ليس بالضرورة أن يكون بالأشخاص.

وقال كرتي في حوار مع «الشرق الأوسط» أثناء زيارة استغرقت يوما واحدا قام بها للعاصمة النمساوية فيينا: إن القرار السوداني بإغلاق الحدود مع ليبيا، ليست له أبعاد سياسية، أو مرتبط بوجود زعيم «حركة العدل والمساواة» المتمردة في دارفور، خليل إبراهيم، مبينا أن القرار يعود لمساع سودانية خالصة، للحد من عمليات التهريب والانفراط الجمركي. وقال: إن السودان قبل التوضيحات التي جاءته من ليبيا بشأن وجود خليل إبراهيم بها وإن هناك أملا لإلحاقه بالتفاوض. وأشار كرتي كذلك لتصريحه اللاذع الذي استهل به تعيينه كوزير للخارجية حول علاقة مصر بالسودان وقال: «إن ما طالب به هو مزيد من التنسيق على مستوى التخطيط الاستراتيجي لقضايا تهم البلدين مثل وحدة السودان والمياه»، مؤكدا أن في ذلك تأمينا لمصر كما هو تأمين للسودان.

وقلل كرتي من الطروحات الجارية بحثا عن إمكانية الوصول لحكم كونفيدرالي بين الشمال والجنوب، مشددا على أن ما يجري بين الطرفين الآن هو من أجل تنفيذ اتفاقية السلام بإجراء الاستفتاء، وأن الذين يطرحون الكونفيدرالية بديلا عن الانفصال يطرحون أفكارا للحوار خارج أروقة التفاوض الذي يجري الآن. ونفى كرتي أن تكون الحكومة المركزية بالخرطوم قد تأخرت في العمل من أجل الوحدة الجاذبة، معددا بعض المشاريع والبرامج التنموية والإصلاحات التي قامت بها الحكومة في الجنوب. وقال: إن الوقت الآن للعمل لمرحلة ما بعد الاستفتاء «حتى إذا تعذر الوصول للوحدة.. فمن الأفضل ألا تنتهي اتفاقية السلام بحرب»، وأن يكون «طلاقا سلميا».

* قبل أيام أضافت المحكمة الجنائية تهمة الإبادة الجماعية لتهمتين سابقتين إلى الرئيس البشير، وقد سارعت بعض القيادات السودانية بوصف تلك الخطوة بأنها محاولة لقطع الطريق أمام التسوية السلمية اللازمة لدارفور، كما وصفها البعض بالهزيمة النفسية والكيد السياسي، فما تعليقكم؟

- المحكمة نفسها موضوع سياسي، وإضافتها لتهمة جديدة ليست مسألة قانونية. لقد ترك المدعي العام مهمته القانونية البحتة وأصبح يطرق باب الدول وكل من له علاقة بإشانة سمعة السودان في نهج لم نسمع به من قبل.. لقد فقد المدعي العام توازنه وابتعد عن العقلانية والمهنية، خاصة بعد فشل تقريره الأخير الذي رفعه لمجلس الأمن، وكان يعتقد أن المجلس سيساعده في الضغط على السودان وعلى الدول التي تؤيده، في حين أهمل المجلس ذاك التقرير. إن المدعي العام ومحكمته لم يجدا طريقا غير تسييس القضايا والابتعاد عن المهنية.

* رغم محاولات القيادة السودانية لتجاهل اتهامات المحكمة الجنائية فإنها أثرت دون شك على حركة الرئيس البشير وجعلته قاصرا على زيارة الدول الصديقة وبعض الجيران..! - أبدا، الرئيس يستطيع أن يسافر إلى أي مكان ولن تستطيع المحكمة الجنائية أو أي كائن من كان أن يمنع الرئيس من الحركة إلى أي مكان.

* الرئيس على سبيل المثال لا يستطيع السفر لأي من دول الاتحاد الأوروبي؟

- ماذا يفعل الرئيس في دول الاتحاد الأوروبي مع كل هذه المواقف السالبة..! وفي كل الحالات فالاتصال بسفراء ومبعوثي الاتحاد متوفر وكذلك مع أميركا. وهناك وسائل للحوار دون السفر إلى أوروبا، ولو نظرنا للرؤساء في كل الدول فمن الذي يذرع الدنيا شرقا وغربا.. إن التواصل ليس بالضرورة أن يكون بالأشخاص.

* أثار حديثكم (بعد أيام من تعيينكم) عن العلاقات مع مصر وقولكم إن المسؤولين المصريين لا يتفاعلون مع قضايا السودان بذات التفاعل السوداني تجاه مصر، ردود فعل ساخنة....

- ما كنت قد طلبته هو مزيد من التنسيق على مستوى التخطيط الاستراتيجي في القضايا التي تهم البلدين مثل وحدة السودان والمياه، وبالتأكيد هذا فيه تأمين للسودان ومصر. قلت هذا الحديث، وكان توقعي أن تكون ردة الفعل متفهمة لضرورة هذا التنسيق وترتيب الأوضاع بين البلدين الشقيقين.

* فيما يخص قضية تقسيم مياه النيل تحديدا، يؤمن عدد كبير من السودانيين بأن اتفاقية تقسيم مياه النيل اتفاق قديم، وأن مصر هي المستفيدة الأكبر منه، وأنها تستغل السودان للحفاظ عليه مما يوسع الشقة بين السودان وجيرانه من الدول الأفريقية؟

- لا أعتقد أن التنسيق بين مصر والسودان هو لاستغلال السودان، فالسودان يستفيد بدوره من ثقل مصر، ومع مصر بإمكاننا التفاوض معا مع دول الحوض، بدلا عن التفاوض منفردين، وما حدث من تنسيق هو ما كنا ندعو إليه، وبالقطع للسودان علاقات مع دول الحوض ولم نتجاف معها، بل هناك تشاور مستمر حتى لو لم نوقع على ما تم الاتفاق عليه بين أربع من دول حوض نهر النيل.

* فتح السودان جبهة خلاف جديدة مع ليبيا بإعلانه إغلاق الحدود، ألا يكفيكم ما تجابهونه؟

- الحدود لم تغلق من قبل القوات المسلحة، إنما بإخطار السفير الليبي أن هناك معلومات عن تسريب للسلاح بواسطة تجار ومهربين. إنه مجرد إجراء تأميني فقط للوارد والصادر. ولا يعقل أن تغلق الحدود بواسطة الشرطة، وخصوصا شرطة الجمارك ومكافحة التهريب، إلا لأمر كهذا. نحن في وزارة الخارجية استدعينا السفير لإبلاغه حقيقة الأمر قبل إغلاق الحدود، وإخطاره أن الأمر صادر من وزارة الداخلية وسلطات الجمارك.

* ماذا عن وجود خليل إبراهيم حاليا في ليبيا، أليس هذا التصعيد بسبب استضافته؟

- هذه قضية أخرى لا علاقة لها بالحدود. السودان حتى الآن قبل التوضيحات التي جاءته من ليبيا بأن هناك أملا بإلحاقه بالتفاوض، وإن لم يتضح أين سيكون التفاوض.

* هناك من يعتقد أن ليبيا تستعمل خليل إبراهيم بحثا عن دور فازت به قطر كوسيط للتفاوض؟

- لا أعتقد أن وجود خليل في ليبيا للبحث عن دور، فقد جاءها بطائرة، وكانت تشاد قد رفضت استقبالها، إلا أنهم يقولون: إنهم يحاولون إلحاقه بالتفاوض.

* ما رأيكم في التشاور الجاري حاليا لطرح الكونفيدرالية كحل بين الشمال والجنوب بديلا عن الانفصال؟

- لا أعتقد أن الكونفيدرالية مطروحة الآن للحوار، فما يجري بين طرفي اتفاق السلام هو تنفيذ لاتفاقية السلام بإجراء الاستفتاء. والمعلوم أن الاستفتاء هو خيار فقط بين وحدة السودان حسب اتفاقية السلام الحالية أو الانفصال. والذين يطرحون الكونفيدرالية بديلا عن الانفصال يطرحون أفكارا للحوار خارج إطار أروقة التفاوض الذي يجري الآن.

* هناك اتهامات قوية ومتكررة أن اهتمام «المؤتمر الوطني» بالوحدة الجاذبة جاء متأخرا؟

- هذا خطأ إعلامي. فالأمر ليس متأخرا، وقد بدأ العمل من أجل الوحدة منذ توقيع اتفاقية السلام الشامل. أولا نجد أن مجرد التنفيذ بصدق خلال الفترة الماضية في مجالات تقسيم الثروة والسلطة والترتيبات الأمنية وإقامة مؤسسات الحكم الاتحادي وحكم الجنوب يشكل في حد ذاته دافعا للجنوبيين، إذ يدل على صدق التوجه من قبل الشمال في تنفيذ الاتفاقية. ثانيا ظلت الحكومة المركزية تقدم عروضا كثيرة للتدريب وإصلاح المؤسسات، وقد قدمت في ذلك الكثير. الحكومة المركزية أيضا لم تطالب حكومة الجنوب بتقسيم الموارد الأخرى التي تحصل عليها حكومة الجنوب في الجمارك والضرائب حسبما تنص اتفاقية السلام. كذلك قامت الحكومة المركزية بإصلاحات في المؤسسات الإقليمية في الجنوب مثل المطارات والطرق والمياه، كما قامت بدراسة إمكانية إنشاء سدود على النيل الأبيض وفروع النيل الأخرى. وقد اكتملت الآن دراسة لإنشاء سد ضخم يمكن أن ينتج أكثر من 450 ميغاواط كلها لصالح الجنوب، وقد تم إعداد كراسات العطاءات وستطرح قريبا. الآن اكتمل العمل في عدد من الطرق بين الولايات الجنوبية وطرق رابطة بين الشمال والجنوب بمئات الكيلومترات. هذا بالإضافة للكثير الذي قدم خلال الفترة الماضية وإن كنت أقر أن المتابعة الإعلامية حول هذه المشاريع لم تكن بالقدر الكافي. هذه المشاريع نفذت بواسطة صندوق تم إنشاؤه خصيصا لدعم الوحدة بين الشمال والجنوب، سمي «صندوق دعم الوحدة» تشارك فيه الحكومة المركزية بأكثر من 70%.

* تطال «المؤتمر الوطني» (الحزب الحاكم) اتهامات قوية أنه يسعى لزعزعة الأمن بالجنوب حتى لا تنعم الحركة الشعبية بحكم الجنوب والانفراد به، ما حقيقة الدور الذي تقومون به؟

- من يطلقون هذه الاتهامات يعلمون أن من يقود التمرد الآن خرج على الجيش الشعبي وقد كان ضمن هيئة قيادته، فكيف يمكن أن يتحول مثل هذا القائد إلى عميل للمؤتمر الوطني وبين يديه كل إمكانات الجيش الشعبي؟! من اليسير إطلاق هذه الاتهامات التي الغرض منها بالقطع تحويل الأنظار عن الخلافات التي تنشأ داخل حكومة الجنوب. والأفضل بدلا عن ذلك تركيز الاهتمام في كيفية حل إشكالات الأطراف المختلفة داخل هذا الكيان في الجنوب. ثانيا كيف يمكن لأسلحة أن تصل الجنوب والجيش الشعبي نفسه هو الذي يقوم على حراسة المنافذ التي يمكن أن يتسرب منها سلاح؟ ليست هناك صلة بين التمرد الحادث و«المؤتمر الوطني» الذي له مئات القادة الذين كانوا يقودون الميليشيات المقاتلة مع القوات المسلحة خلال فترة الحرب، فلماذا يلجأ إلى قائد داخل حركة التمرد؟! لماذا يترك هؤلاء ويتعاون مع قائد في الجيش الشعبي؟!

* هناك من يخشى محاولات تزوير نتائج الاستفتاء متهما إياكم (الحزب الحاكم) بتزوير نتائج الإحصاء السكاني وكذلك الانتخابات الرئاسية والبرلمانية الأخيرة؟

- الجنوب تحت سيطرة الحركة الشعبية والجيش الشعبي، فلا أتصور أن هناك أي إمكانية لتدخل «المؤتمر الوطني» في أي مرحلة من مراحل الاستفتاء كي يتهم بالتزوير. لقد نصت اتفاقية السلام على طريقة حراسة الاستفتاء ومن سيقوم بهذا الاستفتاء وليس هناك سبيل للتزوير إلا إذا رغبوا هم في التزوير.

* هل تقصد أن الحركة الشعبية ستزور نتائج الاستفتاء بغرض الانفصال؟

- أعتقد أن من تابع الانتخابات الأخيرة وما تم فيها والنتيجة التي حدثت في الجنوب سيكون محقا لو تشكك في نتيجة الاستفتاء إذا قامت به نفس المجموعة المتنفذة الآن.

* ما دوركم إذن لمنع ما تخشونه من تزوير؟

- دعونا إلى مراقبة إقليمية ودولية للاستفتاء، وسنبذل كل الجهد حتى تكون نتيجته حقيقية وشفافة، لكن صعوبة الحركة في الجنوب وصعوبة السيطرة على كثير من مجريات الأوضاع خلال الفترة المقبلة وخلال فترة الاستفتاء تدعونا إلى مزيد من الحذر وأعتقد أن إجراء الاستفتاء تحت رقابة حقيقية هو الضمان الأكيد لنتيجة يمكن أن تكون مقبولة ولا تؤدي إلى نزاع.

* هل أنتم من المنادين بفكرة الطلاق السلمي؟

- أدعو للوحدة، لكن إذا تعذر الوصول إلى الوحدة فالأفضل ألا تنتهي اتفاقية السلام بحرب، فإذا حدث الانفصال بعد الاتفاق على كل ما يمنع النزاع كالحدود والنفط وحركة القبائل المشتركة بين الشمال والجنوب فسيكون ذلك هو الأفضل. إن قضايا ما بعد الاستفتاء قضايا مهمة، لكنها بالقطع لا تؤدي إلى نشوب نزاع.

* رغم أهمية كل تلك القضايا فإن النفط يحظى بأهمية خاصة، هلا حدثتنا عن ذلك؟

- يحتاج النفط إلى اتفاق خاص، فالمعلوم أن 70% من النفط يستخرج من الجنوب حسب حدود 1956، والمعلوم أيضا أن أنابيب البترول ومصافي البترول ومنصات تصدير البترول كلها في الشمال، وذلك مما يقتضي اتفاقا على تعاون ولو إلى فترة يتفق عليها الطرفان من أجل فائدتهما، فهذه موارد مشتركة والاستفادة منها بوضعها الحالي يقتضي اتفاقا هادئا لا يرتبط في مداه الزمني بانتهاء اتفاقية السلام.

* حديثكم يشير وكأن الانفصال أصبح حقيقة واقعة؟

- نحن مسؤولون عن شعبنا في الشمال والجنوب. لقد حددت اتفاقية السلام أطرا معينة لتقسيم الثروة والسلطة والترتيبات الأمنية ونظم الحكم في الشمال والجنوب، وقد شارف مداها على الانتهاء، إذ اتفق طرفاها وبمحض إرادتهما أن تنتهي الاتفاقية باستفتاء يعطي الجنوبيين حق الاختيار بين الوحدة والانفصال، ولهذا فمن الضروري الاهتمام بكل تفاصيل الخيارين، بحيث إذا تم أيهما تكون الأوضاع معلومة سلفا وليس هنالك قضية يمكن أن تحدث نزاعا بين الطرفين.

* حدثنا عن علاقة السودان وإيران التي أدى حديث أحد الصحافيين عنها لإغلاق صحيفة كاملة وتعطيلها عن الصدور؟

- علاقتنا مع إيران تحت ضوء الشمس، فالجميع يعلم أن هناك تعاونا قديما بيننا ومصالح مشتركة لم تتعد المصالح الاقتصادية، فليس هنالك ما يخفى في علاقة بين دولتين تفصل بينهما آلاف الكيلومترات.