طارق متري لـ«الشرق الأوسط»: لست من الذين ينسبون كل ما يجري في البلاد لتدخلات خارجية

وزير الإعلام اللبناني قال إن مشكلة الاتفاقية الأمنية الفرنسية ليست بالحجم الذي تصور به.. والحل معروف

وزير الإعلام اللبناني طارق متري (أ.ف.ب)
TT

قال وزير الإعلام اللبناني طارق متري إن المشكلة المتعلقة بالاتفاقية الأمنية الفرنسية المتعلقة بمحاربة الإرهاب ليست بالحجم الذي تصور به، مشيرا إلى أن عناصر الحل معروفة.

وأبرز متري، في حديث خص به «الشرق الأوسط»، على هامش مشاركته في إحدى ندوات «منتدى أصيلة» بالمغرب، أن الحساسيات الطائفية «في لبنان ليست معطى ثابتا ودائما»، مشيرا إلى أن هناك «ميلا عند كثيرين يروم تفسير كل ما يجري في لبنان من زاوية علاقة الطوائف فيما بينها، وهذا في اعتقادي غير صحيح».

ووصف متري الوضع في لبنان اليوم بأنه أفضل من الماضي بكثير، وقال: «لقد درأنا الكثير من المفاسد». وزاد قائلا: «أنا لست من الذين ينسبون كل ما يجري في لبنان لتدخلات خارجية». وذكر متري أن اللبنانيين يمضون صيفا عاديا مثلهم مثل باقي الشعوب، وأن لديهم إحساسا بأنهم يعيشون في بلد عادي. وتحدث عن العلاقة اللبنانية - السورية، وقال إنها في تحسن مستمر، وإن هذا التحسن في مصلحة لبنان بالطبع، ومصلحة سورية أيضا، مشيرا إلى أن اتجاهات الرأي العام المختلفة في لبنان وسورية مرتاحة كثيرا لهذا التطور، وتطرق لمسألة السلاح الفلسطيني خارج المخيمات، وقال إنه حينما زار الرئيس ميشال سليمان مؤخرا دمشق أثار الموضوع مع الرئيس السوري بشار الأسد، وكان جواب الرئيس السوري: «إن هذا الأمر شأن لبناني، وشأن الفلسطينيين في لبنان»، لكنه أضاف: «على حد ما أطلعنا عليه الرئيس سليمان، أنه رغم أن هذا الشأن شأن لبناني، فإن سورية مستعدة للمساعدة في حل هذه المشكلة»، والحقيقة أن هيئة الحوار الوطني أجمعت في 2006، على قضية إنهاء السلاح الفلسطيني خارج المخيمات، ولكن هذا القرار لم ينفذ.

وفي ما يلي نص الحديث.

* إذا طلبت منك أن تشخص لي الوضع في لبنان الآن، فماذا تقول بهذا الشأن؟ - كما تعلم، لبنان بلد نظامه السياسي، وحياته السياسية على درجة عالية من التعقيد، وأنه مثلما ذكر أحد الكتب، التي صدرت حديثا، فإن الدول الصغيرة مثل لبنان، التي تعرف تنوعا كبيرا، غالبا ما تتقاطع فيها التناقضات الداخلية والتأثيرات الخارجية، أنا لست من الذين ينسبون كل ما يجري في لبنان لتدخلات خارجية، هذا غير صحيح، لكنني لست بالمقابل من الذين يفسرون مجريات حياتنا السياسية بمنظور الصراعات والتناقضات الداخلية ولا سيما الطائفية منها، أعتقد أن هناك ميلا عند كثيرين يروم تفسير كل ما يجري في لبنان من زاوية علاقة الطوائف فيما بينها، وهذا في اعتقادي غير صحيح.

إن الوضع في لبنان اليوم أفضل من الماضي بكثير، وقد درأنا الكثير من المفاسد، وفي هذا السياق، غالبا ما يحضرني قول الفقهاء «درء المفاسد خير من جلب المنافع»، كما أن الذين يعملون في الحياة العامة عندنا يحسون أحيانا كثيرة بأنهم يبذلون جهدا كبيرا لدرء المفاسد، فالحكومة التي أنتمي إليها مثلا، تسعى بجدية كبيرة، في اعتقادي، رغم كل ما يقال ورغم كل الصعوبات، من أجل أن تنجز وتقوم بواجبها، لكنها لا تحقق ما تريد أن تحققه لأنها كثيرا ما تنشغل بتدارك التأثيرات أو المخاطر التي تحملها إليها الأحداث الداخلية، أحيانا، والخارجية، وكثيرا ما تنشغل أيضا بتدارك المخاطر والمساوئ، التي تنذر بها أحيانا تصريحات وخطابات عالية الصوت، وأنا هنا لا أقول إن كل ما يقال بصوت عال هو تهويل وتخويف، إن الأمر لا يمكن أن نتجاهله بدءا من تهديد إسرائيل، رغم اعتقادنا أنه ليس هناك حرب وشيكة على لبنان. لكن بين الفينة والأخرى نسمع تهديدات إسرائيلية عالية المصدر، ولا يمكن التصرف حيالها باستخفاف أو استهانة، لذلك فإن كثيرا من جهدنا السياسي والدبلوماسي يدور حول حماية لبنان من تهديدات إسرائيل واعتداءاتها، من خلال وقف انتهاكات إسرائيل للسيادة اللبنانية، وقد شهدنا الأسبوع الماضي بعض الحوادث في جنوب لبنان، حيث كان همنا أن نضمن أن هذه الحوادث لن تتكرر، وقد أعلنت الحكومة بإجماع أعضائها، أنها متمسكة ببقاء قوات الأمم المتحدة في لبنان، وحريصة على تطبيق القرار 1701 بمندرجاته كافة، ويعني ذلك أن بين التزامنا نحن بتطبيق القرار 1701، ومطالبتنا المجتمع الدولي بتطبيقه، ولا سيما لجهة وضع حد لانتهاكات إسرائيل له، فإن هذين الموقفين على علاقة وثيقة، أي أنه كلما التزمنا، نحن، جديا بتطبيق القرار 1701، أصبحنا أكثر قدرة على مطالبة الأسرة الدولية بالضغط على إسرائيل لوقف انتهاكاتها، ومما يؤسف له أن الأسرة الدولية لا تقوم بضغط كاف على إسرائيل لوقف انتهاكاتها للسيادة اللبنانية، وغير ذلك من الخروقات للقرار 1701، مثل شبكات التجسس، التي نكتشف الواحدة منها تلو الأخرى، التي زرعتها إسرائيل، وهي بالطبع شكل من أشكال خرق السيادة اللبنانية، ولما نص عليه القرار 1701.

طبعا هناك مشاكل سياسية يومية يواجهها لبنان، لكن الوضع الأمني عموما على قدر كبير من الاستقرار، فاللبنانيون يمضون صيفا عاديا، مثلهم مثل باقي الشعوب، وعندهم إحساس بأنهم يعيشون في بلد عادي، وهذا أمر بالنسبة للبنانيين مهم، لأننا نحس بأننا نعيش حياة طبيعية في بلد عادي، وليس في بلد يوجد في حالة استثناء مستمرة، ونواجه المشكلات التي تواجهها الدول العادية، مثل حوادث السير وغير ذلك، وحتى المشكلات والحوادث الخاصة، مثلما حدث مؤخرا في مطار بيروت، فرب قائل إن حادثة كهذه تحصل في كل مطارات العالم، لكن هذا القول لا يبرر التقصير ولا التساهل، خصوصا وأن صدقية لبنان كبلد فيه أمن واستقرار هي مسألة حيوية بالنسبة لنا، لذلك فإن هذه المشكلة تتطلب حلا سريعا، واستكمال التحقيق لمعرفة الأسباب الفعلية التي جعلت من هذا الحادث أمرا ممكنا.

* الملاحظ أن الجيش الإسرائيلي أعرب مؤخرا عن مخاوفه من حفر حزب الله لأنفاق عبر الحدود اللبنانية مع إسرائيل؟ أنتم في الحكومة اللبنانية، كيف تنظرون إلى المخاوف الإسرائيلية، ولا سيما في هذا الظرف بالذات؟

- هذا الحديث الإسرائيلي، هو حديث يتكرر، وإن كان بصيغ مختلفة، فقبل أشهر كان الأمر يتعلق بصواريخ «سكود»، التي سلمت، حسب زعمهم، إلى حزب الله، ودخلت الأراضي اللبنانية، وهي مزاعم إسرائيلية لم تتحقق منها الأمم المتحدة مثلا، فالأمم المتحدة في القرار رقم 1701، الصادر عنها، تقول إنه لم يتوفر لها التحقق من صحة هذه الأنباء من مصادر مستقلة، وبالنسبة لنا نحن اللبنانيين فإن هذه المعلومات ليست معلوماتنا، وبالطبع نتعامل معها باعتبارها تهديدا وتهويلا، كما قلت، ويجب ألا نستخف به، بيد أن إسرائيل ظلت في علاقتها بلبنان وبسائر العرب منذ اغتصاب فلسطين، تمارس الحرب النفسية.

* سيزور الرئيس سعد الحريري دمشق غدا (الأحد) لترؤس هيئة المتابعة والتنسيق مع نظيره السوري ناجي العطري، والملاحظ أن العلاقات السورية - اللبنانية تعرف حركية متميزة في الآونة الأخيرة، فما تقييمك حاليا للعلاقات بين البلدين، وإلى أين ترونها تمضي؟

- أعتقد أن العلاقة اللبنانية - السورية في تحسن مستمر، وهذا التحسن يصب في مصلحة لبنان بالطبع، ومصلحة سورية أيضا، فأيا كان من أمر الاضطرابات التي شهدتها العلاقات بين البلدين، فهناك مسعى يقوم به الرئيس الحريري لكي يرتقي، وهنا استعمل لغة البيان الوزاري، بالعلاقات اللبنانية - السورية إلى مستوى الروابط التاريخية بين البلدين الشقيقين، والمصالح المشتركة الحقيقية الكثيرة، أي المصالح بالمعنى الشامل للكلمة بما فيها المصالح الرمزية المعنوية، فنحن في عملية ارتقاء بالعلاقات من المستوى الذي كانت فيه، إلى مستوى أفضل، وهي عملية تسير قدما.

إن زيارة الحريري لدمشق غدا، هي في الشكل زيارة لعدد من الوزراء الذين سيوقعون مع نظرائهم السوريين اتفاقات سورية - لبنانية، جرى الاتفاق على تعديل بعض موادها، والتعديل هنا في معظمه تحديث وتكييف مع الواقع الجديد في سورية ولبنان، لكنها بالإضافة إلى المهمة التي سيضطلع بها هذا الوفد، فهي إشارة أخرى من سلسلة إشارات قوية بأن العلاقة السورية - اللبنانية، هي علاقة بين دولتين، وعلاقة من دولة إلى دولة، وعلاقة على كل المستويات سواء على مستوى رئاسة الجمهورية، أو رئاسة الوزراء، أو الوزراء، وأنها تبنى على مدى الثقة والصراحة المتبادلة، فالثقة والصراحة متلازمان هنا، وأعتقد أن مختلف اتجاهات الرأي العام في لبنان وسورية مرتاحة كثيرا لهذا التطور، ونرجو له أن يستمر على النحو ذاته.

* في سياق الحديث عن العلاقات اللبنانية - السورية، اتهمت دمشق مؤخرا الأمانة العامة للأمم المتحدة بالتدخل في العلاقات بين البلدين، وقالت إنها ترى وكأن العلاقة تدخل ضمن ولاية القرار 1701، بحيث طالب التقرير سورية بالتعاون من أجل المساعدة على تفكيك المواقع الفلسطينية، بينما ترى دمشق أن المواقع الفلسطينية تدخل ضمن العلاقات اللبنانية - الفلسطينية، فما قراءتكم لذلك ؟

- حينما زار الرئيس ميشال سليمان مؤخرا دمشق أثار مسألة السلاح الفلسطيني خارج المخيمات مع الرئيس السوري بشار الأسد، وكان جواب الرئيس السوري أن هذا الأمر شأن لبناني، وشأن الفلسطينيين في لبنان، لكنه أضاف: «على حد ما أطلعنا عليه الرئيس سليمان، أنه رغم أن هذا الشأن شأن لبناني، فإن سورية مستعدة للمساعدة في حل هذه المشكلة». والحقيقة أن هيئة الحوار الوطني أجمعت في 2006، على قضية إنهاء السلاح الفلسطيني خارج المخيمات، ولكن هذا القرار لم ينفذ، وفي البيان الوزاري لحكومتنا الحالية، هناك تشديد على تنفيذ ما جاء في هيئة الحوار، وتعبير على أهمية التعاون مع كل الفرقاء بشأن هذا التنفيذ، بمعنى أننا لم نسم جهة بعينها أو بلدا بعينه، لكن الفكرة أنه قد لا تكون مسألة السلاح الفلسطيني خارج المخيمات مسألة لبنانية صرفة يستطيع اللبنانيون بمفردهم أن يعالجوها، فكل مساهمة من الأشقاء، وفي مقدمتهم سورية، لمعالجة هذه القضية، ستساهم بلا شك في حل مشكلة عالقة في لبنان، وقد أجمعت كل القوى السياسية على ضرورة حلها بما فيها بالطبع، إذا جاز لي استخدام هذا التعبير، الأكثرية الفلسطينية، أي القوى الرئيسية الفلسطينية، فهي ليست متمسكة على الإطلاق بالسلاح الفلسطيني خارج المخيمات، أما السلاح الفلسطيني داخل المخيمات، فتلك مسألة أخرى. هناك حديث منذ سنوات عن تنظيم أو ضبط السلاح الفلسطيني داخل المخيمات لكن خارج المخيمات، فإن العبارة المستخدمة هي «إنهاء»، فالمسألة لا تتعلق بالتنظيم بل تتعلق بإخراج وتسليم السلاح الفلسطيني.

* في سياق الحديث عن نزع السلاح الفلسطيني، هل يمكن القول إن عدم التوفيق في تحقيق ذلك ألقى بظلاله على مسألة منح وإعطاء الحقوق المدنية للفلسطينيين، وما رأيكم كحكومة في هذا المشروع؟

- نحن كحكومة، وهذا رأيي طبعا بوصفي وزيرا فيها ملتزم ببيانها الوزاري وبصفتي الشخصية أيضا، نرى أنه لا توجد هناك علاقة بين هذه المشكلة وتلك، وليس هذا شرطا لذلك، ولا ذاك شرطا لهذا، فنحن في البيان الوزاري تعمدنا في الصياغة أن نفصل بين مسائل ثلاث.

* ما هي؟ - أولا، هناك مسألة مبدئية سياسية تتعلق بالتزام لبنان بالعمل السياسي والدبلوماسي من أجل الدفاع عن حق عودة الفلسطينيين إلى ديارهم، وهذا ما أشارت إليه مبادرة السلام العربية، فالأمر يتعلق بموقف مبدئي سياسي يدافع عنه لبنان من أجل حق العودة، ومنع التوطين، وهناك أمر آخر يتعلق بالسلاح الفلسطيني خارج المخيمات كما أسلفنا الذكر، وهناك أمر ثالث يتعلق بمسائل تستقل فيها الواحدة عن الأخرى، ذلك أن العلاقة بينها ليست اشتراطية، ولا علاقة مقايضة، ويتعلق الأمر بتوفير الحقوق الإنسانية والاجتماعية للفلسطينيين، وهذا التزام التزمت به الحكومة ولكنها في الوقت نفسه حملت الأسرة الدولية مسؤوليتها لجهة الإسهام في توفير هذه الحقوق، لكن تحميل الأسرة الدولية مسؤوليتها لا يعفينا نحن اللبنانيين من هذه المسؤولية، هناك حقوق إنسانية أساسية لا يمكن التنكر لها، لا بالمعيار الأخلاقي ولا بالمعيار الإنساني، ولا بمعيار القوانين الدولية، ناهيك عن المعيار القومي، وأعتقد أن بعض ما يقال في لبنان، يتعمد أو لا يتعمد الخلط بين قضايا التوطين ومحاربته والسلاح الفلسطيني، والحقوق الاجتماعية، طبعا إذا ربطنا توفير الحقوق الإنسانية والاجتماعية للفلسطينيين بحل كل المشكلات الأخرى، فكأننا نقول إننا سنبقي الحال على ما هي عليه، وهي في اعتقادي حال غير مقبولة، وأحسب أننا تأخرنا في معالجة هذه المشكلة، وعلينا معالجتها بشجاعة، وعدم التذرع، والقيام باشتراطات ومقايضات، وربط مصطنع لم يكن في تصور الحكومة منذ بداية هذه القضية.

* إلى أي حد يمكن القول إن «الحساسيات الطائفية» في لبنان ساهمت أيضا في تأخير إيجاد حل لهذا الموضوع، خاصة في ضوء تخوف المسيحيين من انعدام وجود توازن بينهم وبين السنة، بما أن غالبية اللاجئين الفلسطينيين من السنة؟

- أولا، ما دام هناك إجماع لبناني حول مسألة التوطين، فلن يأتي يوم يصبح فيه الفلسطينيون لبنانيين، ما داموا لا يرغبون في ذلك، كما أن اللبنانيين لا يقبلون بذلك أيضا، إذن لن يصبح الفلسطينيون المقيمون في لبنان يوما ما لبنانيين، فهذه المسألة ليست مطروحة. لكن دعني أقول كلمة بسيطة عن «الحساسيات الطائفية» في لبنان، فهي ليست معطى ثابتا ودائما، وقلت في مستهل حديثي إننا نميل أحيانا إلى تفسير كل شيء من منظار العلاقات الصعبة الحساسة المتأزمة القائمة على الحذر بين الطوائف، وهذا ليس صحيحا، فالحساسيات الطائفية في كثير من الأحيان أمر مخترع، ومثار، ومفتعل بقدر كبير، وفي اعتقادي فإن المسؤولية مسؤولية القوى السياسية، وغالبا ما يحصل أن تثار المشاعر الطائفية ثم يجري استخدامها كوسيلة.

إن الشخص الذي يحدثك، مسيحي، وأعرف كثيرا من المسيحيين، أنا لست زعيما سياسيا، مثل أولئك الذين يلقون الخطابات الرنانة، لكن هناك مواطنين مسيحيين كثر، إذا شرحت لهم هذه القضية على النحو الذي ذكرته، فإنهم ليسوا في معرض إغلاق أبوابهم، وصم آذانهم، وإغماض عيونهم، أمام هذا الواقع، وهم لا يمكن أن يرفضوا إعطاء الحقوق الإنسانية الأساسية لأي كان، ثم إن هناك عملا بعضه من فعل الزمن، وبعضه عمل انفرادي يقوم على تنقية أو شفاء الذاكرة اللبنانية - الفلسطينية، ولنتذكر هنا أن الإخوان الفلسطينيين طرحوا وثيقة اسمها «إعلان فلسطين» كانت بمثابة اعتذار للشعب اللبناني على الممارسات التي أساءت للشعب اللبناني أو اعتبرها الشعب اللبناني مسيئة له، وهذا تطور كبير في العلاقة اللبنانية - الفلسطينية.

وهنا أعود لمسألة وضع الحقائق في نصابها، وأقول إن هناك حقائق بسيطة مثل القول إن الفلسطينيين لن يصبحوا لبنانيين، أي أن تجنيس الفلسطينيين في لبنان أمر غير وارد عند أحد، لا عند الفلسطينيين ولا عند اللبنانيين، ولا حتى عند المجتمع الدولي، فأكثر من مرة قيل لنا نحن لم نفرض عليكم توطينا بالقوة، وهناك مثل آخر، يتمثل في أعداد الفلسطينيين، ففي حمى السجالات يجري تضخيم عدد الفلسطينيين في لبنان، فإحصاءات الفلسطينيين المسجلين تقول إن عددهم نحو 425 ألفا، وهناك من يضخم هذا العدد إلى 500 ألف فلسطيني، والحقيقة أن عدد الفلسطينيين المقيمين في لبنان أدنى من 425 ألفا بكثير بسبب هجرة الفلسطينيين المقيمين في لبنان إلى الخارج، وخصوصا الذكور الشباب، لكن هناك عائلات برمتها تركت لبنان عام 1982، جراء مغادرة المناضلين الفلسطينيين وعائلاتهم، ثم الذين كانوا يعملون في المؤسسات الفلسطينية الكثيرة، وكانوا مسجلين، ومن بعدهم كل الذين سافروا إلى أوروبا وأميركا، سعيا وراء الرزق والعمل، بعدما ضاقت بهم فرص العمل في لبنان. ليس عندي رقم محدد أعطيه، لكنني أرجح ألا يتجاوز عدد الفلسطينيين المقيمين على الأراضي اللبنانية اليوم 275 ألفا، فيما الحديث السياسي عن هذا الموضوع يرفع العدد إلى نصف مليون. لذا يجب أن نتحدث في هذا الموضوع بعقل بارد، ونحترم الناس، ونقول لهم الحقيقة كما هي، أنا أتفهم المخاوف والمشاريع المتضاربة التي يتنازع كل اللبنانيين ليس فقط المسيحيون، هناك مشكلات لبنانية - فلسطينية، لم تكن فقط مسيحية - فلسطينية، إذ كانت هناك في الماضي مشكلة بين المسلمين اللبنانيين والفلسطينيين، والمسلمين الشيعة والفلسطينيين، والعلاقات الفلسطينية - اللبنانية إجمالا، شهدت مراحل اضطراب من الجهتين، وهناك مسؤولية لبنانية وأخرى فلسطينية، والكل معني بها، وهي ليست حكرا على المسيحيين، ففي كل مرة نتحدث فيها عن الموضوع يقال إن هذه مسألة تثير حساسية المسيحيين والفلسطينيين، طبعا شاءت الظروف إثارة الموضوع في المجلس النيابي، وهو ما جعل من بعض القوى التي تمثل قطاعات من المسيحيين أن تقوم برد فعل، فظهر وكأن القضية هي قضية المسيحيين، والحقيقة أنها ليست كذلك.

* هناك جدل في لبنان حول الاتفاقية التي طرحتها فرنسا لمحاربة الإرهاب، وهناك رد فعل لحزب الله إزاءها لأنها تعتبر اللاجئين الفلسطينيين إرهابيين، فكيف تنظرون إلى هذه الاتفاقية، وما إمكانية حظوظ قبولها في المجلس النيابي؟

- المشكلة ليست بالحجم الذي تصور به، وعناصر الحل معروفة، وعرضت على مجلس الوزراء، وناقشناها وكنا متفقين بشأنها.

* ما هذه العناصر؟

- العناصر بسيطة جدا، ذلك أننا عرضنا الاتفاقية، ووافقنا عليها، على افتراض أن عبارة الإرهاب الواردة فيها، في تفسيرها اللبناني، تختلف عن التفسير المفترض عند الفرنسيين، وهذه ليست أول مرة، ولا ثاني مرة، ولا ثالث مرة، ولا المرة العاشرة، فنحن في كل مناسبة، وبلسان كل مسؤولينا، وفي كل المحافل الدولية حيث نشارك في اجتماعات عربية أو دولية، نكرر القول إننا نصر على التمييز بين الإرهاب والمقاومة، ولا نقبل وصف مقاومة الاحتلال الإسرائيلي بالإرهاب، هذا موقف لبناني معروف، وتحصيل حاصل، وشيء بديهي، وحين جرت الموافقة على هذه الاتفاقية في مجلس الوزراء قلنا بضرورة أن يسجل بوضوح أن لبنان، حتى يوافق على هذه الاتفاقية، حريص على تعريفه هو للإرهاب، ولا يقبل أي تعريف للإرهاب يخلط بينه وبين المقاومة، وهذا أمر معروف يعرفه القاصي والداني.

طبعا، إن مجلس النواب حر في تعديل ما يشاء لكن التعديل في الاتفاقية، بما أنها اتفاقية بين طرفين، هي عودة لمناقشتها من جديد مع الفرنسيين، وهو ما يعني تأخير إقرارها، وهناك مخرج اقترحه وزير الداخلية في المجلس النيابي، مفاده أن يكتب اللبنانيون رسالة أو نصا يؤكدون فيه هذا، وعلى أساسه نمضي قدما في موضوع الاتفاقية، لا أعرف أين أصبح الأمر الآن؟ وقد نوقش في مجلس الوزراء قبل أيام، ولكني كنت غائبا عنه.

* أعود إلى موضوع قضية مطار بيروت الذي تحول إلى قضية داخلية بامتياز، ونتج عنها استقالة مدير أمن المطار، وأعاد هذا الأمر الحديث عن مسألة «التسيب الأمني»، فما هي أجندة الحكومة بشأن ضبط الأمن بشكل يبعد الحديث عن هذا «التسيب» الذي تحدثت عنه بعض الأطراف؟

- هناك تحسن كبير في لبنان على مستوى عمل الأجهزة الأمنية والتنسيق بينها، علما بأن التنسيق بين الأجهزة الأمنية ليس على المستوى الذي نريده. يعني يجب أن يتعزز هذا التنسيق. فهناك تقدم، وهناك تحسن، لكننا نحتاج إلى مزيد من ذلك.

وبالنسبة لاستقالة العقيد وفيق شقير، وهو رجل محترم، هي أيضا استقالة رجل يحس بالكرامة، ويريد أن يتحمل مسؤوليته، وهذا موقف يستحق الاحترام لكن من غير المنصف أن يتحمل شقير مسؤوليات هذا الوضع، ويجب علينا أيضا ألا نبالغ في وصف التسيب في أمن مطار بيروت، وهناك بعض الثغرات والمشكلات لكن الأمن ليس فالتا، أنت تعرف اللبنانيين أحيانا عندهم مواقف متناقضة، فنفس الناس الذين يشكون من الفلتان الأمني في مطار بيروت، يقيمون الدنيا ولا يقعدونها إذا طلب منهم ومن مرافقيهم إبراز هويتهم أو إخضاع حقائبهم للتفتيش، فأحيانا لا تكون هناك صرامة كافية لتطبيق القوانين في لبنان، وهذا أيضا يصح في كل مكان، لكن لا يمكن أن نقبل به في مطار بيروت، فالقانون ينبغي أن يطبق على الجميع وبصرامة، حفاظا على أمن المطار، أنا لا علم لي بالتفاصيل، ولا يمكنني الحديث عن الثغرات وكيفية معالجتها لكنني أعتقد أن المعالجة ممكنة، وأن ما حدث هو حافز إضافي لكي تصبح هذه المعالجة أمرا ملحا.