باريس تدعو البرلمان اللبناني إلى تحمل مسؤولياته في الاتفاقية الأمنية المشتركة

حزب الله يتحدث عن علاقة «جيدة جدا ومنفتحة» مع فرنسا

TT

سعت فرنسا أمس إلى الفصل بين ملف اليونيفيل من جهة والصعوبات التي تواجهها الاتفاقية الأمنية الموقعة بين بيروت وباريس من جهة أخرى. وقالت الخارجية الفرنسية أمس إنه «لا علاقة بين الاتفاق الأمني والقوة الفرنسية العاملة في إطار اليونيفيل التي هي قوة دولية مثلها مثل القوة الإسبانية أو الإيطالية أو غيرها». وكان الجانب الفرنسي يشير بذلك إلى الصعوبات التي عانت منها القوة الفرنسية في الأسابيع الثلاثة الأخيرة في عدة قرى واقعة جنوب الليطاني التي تطور بعضها إلى حد التعرض المباشر للوحدات الفرنسية سواء لآلياتها أو لأفرادها.

ومع عودة الهدوء إلى الجنوب عقب صدور بيان رئاسي عن مجلس الأمن الدولي بإجماع أعضائه يؤكد على حرية حركة اليونيفيل المطلقة في منطقة عملياتها، وتأكيد لبنان تمسكه بتنفيذ كامل بنود القرار الدولي رقم 1701، اعتبرت باريس، رسميا، أن الموضوع «انتهى». وقالت إن التوتر تراجع وعاد الوضع إلى ما كان عليه في السابق. لذا فإن الجانب الفرنسي، أقله في خطابه الرسمي، لا يرى رابطا بين ما شهده الجنوب وبين الجدل الدائر في البرلمان اللبناني بخصوص التصديق على الاتفاقية الأمنية الموقعة بين وزيري داخلية البلدين في 21 يناير (كانون الثاني) الماضي.

وتحرص باريس أيضا على عدم التدخل في مناقشات النواب اللبنانيين. وقال برنار فاليرو، الناطق باسم الخارجية الفرنسية أمس إنه «لا تعليق لفرنسا» على ما يشهده البرلمان من مناقشات مضيفا أن الاتفاقية وقعت بين البلدين و«يتعين على الجانب اللبناني أن يتحمل مسؤولياته» وللبرلمان اللبناني، ديمقراطيا، إما أن يصوت على الاتفاقية ويقرها أو يرفضها. وخلاصة باريس أن على الدولة اللبنانية أن «تتحمل مسؤولياتها» معيدا التأكيد أن الاتفاقية المذكورة «كلاسيكية» وأن العشرات مثلها وقع بين فرنسا ودول أخرى بما فيها دول في منطقة الشرق الأوسط وأن التجربة بينت أنها اتفاقيات «فاعلة ومنتجة» وغرضها «تحسين التعاون» بين فرنسا والأطراف المعنية في ملفات مثل محاربة الجريمة المنظمة والتعاون في مواضيع الأمن الداخلي والأمن المدني والتكنولوجيات الأمنية والإدارة اللامركزية. ولذا، فإن الخلاصة التي تصل إليها باريس هي «الدهشة» و«عدم الفهم» إزاء كل هذا الضجيج الذي تثيره الاتفاقية الأمنية والأبعاد التي تعطى لها.

وتحتاج الاتفاقية من الجانب الفرنسي إلى المصادقة عليها من قبل الجمعية الوطنية ومجلس الشيوخ قبل أن تصبح نافذة. لكنها حتى الآن لم تسجل في قلم الهيئتين التشريعيتين مما يعني أن الاتفاقية لن تقر فرنسيا قبل مرور عدة شهور بغض النظر عن المصير الذي ستلاقيه في البرلمان اللبناني وذلك بسبب العطلة الصيفية من جهة وكثرة مشاريع القوانين المطروحة على الهيئتين التشريعيتين من جهة أخرى وأكثرها إلحاحا مشروع قانون إصلاح نظام التقاعد.

غير أن الكلام الرسمي الفرنسي الحريص على تهدئة الأمور مع لبنان وخصوصا مع القوى الموجودة ميدانيا في الجنوب لا يعكس، كما تقول مصادر فرنسية رسمية واسعة الإطلاع، كامل المشاغل والقلق في باريس للمسار الذي تسلكه لا أوضاع الجنوب وحدها بل كامل المسار اللبناني وأيضا تطور العلاقات اللبنانية - السورية بامتداداتها مثل مواصلة تهريب السلاح عبر الحدود المشتركة واشتداد وطأة «اليد السورية» على المشهد السياسي اللبناني وتحييد الحكم وشل قدرات الدولة وخلاف ذلك من المسائل التي تراها باريس «مقلقة». وانطلاقا من ذلك ورغم النفي الرسمي، لا تستبعد باريس أن تكون العقبات التي تواجهها الاتفاقية الأمنية مع لبنان «وسيلة» للتصويب على فرنسا التي تقول مصادرها إن الاتفاقية «نوقشت ضمن الأصول» مع لبنان وإنه «إذا لم يرد البرلمان اللبناني أن يصادق عليها فلن تكون هناك اتفاقية للتعاون الأمني معه». ويفهم من هذا الكلام أن باريس «لا تحبذ» مراجعتها باعتبار أن ما نوقش قد نوقش وما اتفق عليه أقر ولا سبب يدعو للعودة. وفي بيروت، استمرت الاتفاقية الأمنية تشكل مادة للسجال على الرغم من حديث عن توصل رئيس المجلس النيابي نبيه بري ووزير الداخلية زياد بارود إلى حل يمرر الاتفاقية برضا الجميع. وإذ رفضت أوساط بري الكشف عن آلية الحل، قالت لـ«الشرق الأوسط» إن بري أوضح لبارود الخطوات المطلوب القيام بها لتمرير الاتفاقية «وإلا أسقطت». وربطت أوساط متابعة «تمرير الاتفاقية بمدى قدرة بارود على ترجمة توجيهات بري».

وبرز حديث عضو كتلة المستقبل النائب أحمد فتفت عن أن «المخرج للاتفاقية الأمنية مع فرنسا موجود إذا أرادوا أن يكونوا إيجابيين، ولكن تبيّن أن الموضوع أكبر بكثير». واعتبر فتفت أنه «ليس هنالك خلاف حقيقي حول هذا الملف وأن محور المشكلة إصرار الفريق الآخر على تعريف كلمة إرهاب»، مشيرا إلى أن «المخرج الوحيد هو التأكيد أن للبنان مفهومه الخاص من هذا الموضوع».

وفي وقت تتلاقى مواقف أفرقاء المعارضة بالمطالبة بتعديل البند الأول من الاتفاقية، شدد عضو كتلة حزب الله النائب نوار الساحلي على «ضرورة مناقشة هذه الاتفاقية والإحاطة بكل جوانبها وتعديلها قبل التوقيع عليها»، لافتا إلى أنه «من حقنا مناقشة أي اتفاقية مع أي دولة حتى لو كانت إيران» مؤكدا أن «العلاقة بين حزب الله وفرنسا جيدة جدا ومنفتحة». واعتبر عضو الكتلة نفسها النائب نواف الموسوي أن «أي إصرار على طرح الاتفاقية الأمنية مع فرنسا على التصويت أثناء الجلسة العامة للمجلس النيابي استفزاز، لأنه يدل على أن هناك اتجاها لدى أحد الأطراف بتجاهل فريق معين».وقال: «لمكافحة الإرهاب تعريف فرنسي وهناك تعريف لبناني والتعريفان مختلفان»، موضحا أن «الإشكال مع التعريف الفرنسي للإرهاب، لأنه يصنف حركتي حماس والجهاد الإسلامي كحركات إرهابية».