واشنطن: مسؤول قضائي سابق يعترف بأنه ربما وقعت تجاوزات في استجواب محتجزي «القاعدة»

قال إن تقنية الإيهام بالغرق جرى استخدامها بصورة مفرطة

TT

أقر مسؤول سابق بوزارة العدل، سبق أن أصدر مكتبه مذكرات تبارك أساليب التحقيق القاسية في حق الإرهابيين المشتبه فيهم، بأن التحقيقات التي أجرتها وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه)، ربما تكون قد تجاوزت الحدود القانونية المنصوص عليها في تلك المذكرات، وذلك أمام حشد من المحققين التابعين للكونغرس.

وأخبر جاي إس. بيبي، الذي ترأس مكتب المستشار القانوني بوزارة العدل، المحققين في مايو (أيار)، بأنه لم يوافق قط على بعض أساليب التحقيق التي ذكر المحتجزون أنهم تعرضوا لها، بما في ذلك توجيه اللكمات والركل، وتغطيس رأس المشتبه به في ماء بارد. وأضاف أنه بالنسبة للأساليب التي وافق عليها مكتبه، مثل الإيهام بالغرق، فقد جرى استخدامها بصورة مفرطة.

وقد خلص تقرير صدر عن وكالة الاستخبارات المركزية، العام الماضي، إلى أن المحققين تجاوزوا الإرشادات القانونية الصادرة لهم، لكن رأي بيبي يحمل ثقلا خاصا، بالنظر إلى أنه شخصيا كتب مذكرتين من تلك الصادرة في عهد إدارة بوش. وقد أثارت اعترافاته، التي كشف عنها نواب ديمقراطيون، مجددا، نقاشا سياسيا محتدما حول التحقيقات، وما إذا كان ينبغي توجيه اتهامات جنائية إلى من أجازوا ونفذوا مثل تلك التحقيقات، وتقديمهم إلى المحاكمة.

من جانبه، بعث جون كونيرز، رئيس اللجنة القضائية (ديمقراطي من ميتشيغان)، بنص المقابلة التي أجرتها اللجنة مع بيبي إلى وزارة العدل، مشيرا إلى أن المسؤول السابق كشف أن «الكثير من الأساليب الوحشية التي استخدمتها وكالة الاستخبارات المركزية في التحقيقات مع معتقلي (القاعدة) لم يصرح بها من قبل الوزارة».

من ناحية أخرى، دعا النائب، جيرولد نادلر، (ديمقراطي من نيويورك) وزارة العدل إلى توسيع نطاق تحقيقها حول أساليب التحقيق، من خلال تعيين مستشار خاص. في الإطار ذاته، أعلن «اتحاد الحريات المدنية الأميركي» أنه ينبغي توسيع نطاق التحقيق، ليشمل مسؤولين بارزين في إدارة بوش.

في المقابل، رفض مسؤولون سابقون وحاليون بوكالة الاستخبارات المركزية ذلك التفسير لشهادة بيبي، مشيرين إلى أن آراء مكتب المستشار القانوني، بما في ذلك آراء بيبي، وفرت دعما قانونيا لاستجواب الإرهابيين المشتبه فيهم، بعد هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001. وتكمن مسألة ما إذا كان المحققون تجاوزوا الحدود القانونية في لب التحقيق الجاري حول الأساليب التي اتبعوها، وتعد القضية برمتها جزءا من الإرث الثقيل الذي خلفته إدارة بوش.

في أغسطس (آب)، قرر النائب العام، إريك إتش. هولدر، توسيع نطاق صلاحيات مساعده، جون إتش. درهام، لتشمل تصرفات مقاولي ومحققي وكالة الاستخبارات المركزية داخل سجون «المواقع السوداء». يذكر أن درهام جرى تعيينه في العام السابق للتحقيق في أمر تدمير الشرائط المصورة لبعض التحقيقات. وما يزال هذا التحقيق جاريا أيضا.

يأتي الكشف عن المقابلة التي أجريت مع بيبي في وقت يبدو فيه تحقيق درهام على وشك الوصول لمرحلة بالغة الأهمية، حيث أعلن هولدر مؤخرا أن درهام على وشك إنجاز مراجعة مبدئية لمسألة ما إذا كان هناك تصرف جنائي قد وقع، وسيقدم توصياته إلى النائب العام في غضون شهور.

وقال هولدر في خطاب ألقاه أمام جامعة ضاحية كولومبيا، في 17 يونيو (حزيران): «ما أوضحته أنه بالنسبة لأولئك الذين تصرفوا على نحو يتوافق مع الآراء الصادرة من وزارة العدل، تحديدا مكتب المستشار القانوني، حول إجازة القيام بأمور معينة.. إذا كان هناك أفراد تصرفوا بحسن نية بناء على إرشادات وزارة العدل، فإن هؤلاء ليسوا من نبحث عنهم».

وأضاف: «السؤال هو ما إذا كان هناك من تجاوز حدود الآراء التي أعرب عنها مكتب المستشار القانوني». من جهتها، رفضت وزارة العدل، الخميس، التعليق على القضية، وكذلك فعل بيبي، الذي يعمل حاليا قاضيا بمحكمة الاستئناف في نيفادا. أما المتحدث الرسمي باسم درهام، فاكتفى بالقول إن التحقيقات لا تزال جارية. وكشف محام مطلع على القضية، أن درهام التزم الصمت خلال الأسابيع الأخيرة. وأشارت مصادر إلى أن مراجعة وزارة العدل لمسألة التعامل مع المحتجزين، تركز على عدد قليل من القضايا، بينها مقتل شاب أفغاني عام 2002 تعرض للضرب والتقييد بالسلاسل إلى سطح خراساني بارد من دون غطاء، داخل منشأة سرية تتبع وكالة الاستخبارات المركزية في أفغانستان، تعرف باسم «سولت بيت» (الحفرة المالحة). يذكر أن المراجعة أثارت انتقادات من جانب جمهوريين ومديرين سابقين في الوكالة، لاعتقادهم أنها ستعوق العمليات الاستخباراتية، وتحط من معنويات موظفي الوكالة. المعروف أن فريقين من محققي وزارة العدل في عهد إدارة بوش رفضوا إجراء تحقيق جنائي في الأمر. خلال شهادة أدلى بها خلف أبواب مغلقة، ألمح بيبي إلى أن المشورة القانونية التي أجازت أساليب تحقيق معينة انطبقت فقط على زين العابدين محمد حسين، عميل «القاعدة» المعروف باسم أبو زبيدة، الذي أدى القبض عليه في مارس (آذار) 2002 إلى إصدار مذكرات في الأول من أغسطس (آب) 2002. وكان أبو زبيدة، الذي اعترف مسؤولون بأنه خضع للإيهام بالغرق، أول محتجز «بالغ الأهمية» لدى وكالة الاستخبارات المركزية.

وأخبر بيبي اللجنة بأن «مذكرتنا الموجهة إليهم كانت محددة للغاية في ذكرها ظروفا معينا وافتراضات محددة، نقلتها وكالة الاستخبارات المركزية إلينا، وإذا ما تصرفوا خارج نطاق تلك الافتراضات، فإن هذا يعني أننا لم نصدر إليهم مشورة». من ناحيته، قال كريستوفر آندرز، المستشار التشريعي البارز لدى «اتحاد الحريات المدنية الأميركي»، إن الشهادة كشفت أن التحقيقات التالية - بما في ذلك تلك التي جرت مع خالد محمد شيخ، الذي زعم أنه العقل المدبر لهجمات 11 سبتمبر (أيلول) - كانت غير قانونية، لأن المذكرات الصادرة عن وزارة العدل لم توفر حماية قانونية، أو «درعا ذهبية» للمحققين.

*خدمة «واشنطن بوست» خاص لـ«الشرق الأوسط»