سفير بريطانيا في واشنطن: الإفراج عن المقرحي كان «خطأ» والحكومة الاسكتلندية تنفي التفاوض مع بي بي

رئيس مؤسسة النفط الليبية لـ «الشرق الأوسط»: عقدنا مع الشركة البريطانية لم يشمل ملف المقرحي

عبد الباسط المقرحي يرتدي قناعا طبيا أثناء اجتماع مع وفد أفريقي في مستشفى بالعاصمة الليبية طرابلس (أ.ف.ب)
TT

قال السفير البريطاني في الولايات المتحدة إن الحكومة البريطانية الجديدة ترى أن قرار اسكوتلندا بالإفراج عن الليبي، عبد الباسط المقرحي، كان «خطأ»، بينما أعلنت لجنة في مجلس الشيوخ الأميركي، أنها ستعقد جلسة استماع في نهاية الشهر الحالي حول هذا القرار. ونفى الدكتور شكري غانم، رئيس المؤسسة الوطنية للنفط، في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن تكون المفاوضات التي أدت إلى توقيع اتفاق بين ليبيا وشركة النفط البريطانية العملاقة «بى بى» عام 2007، تطرق من قريب أو من بعيد إلى ملف المقرحي، المواطن الليبي الذي أفرج عنه، بعدما أمضى عشر سنوات مسجونا في اسكوتلندا على خلفية تورطه في قضية لوكيربى، وتطالب جهات بريطانية وأميركية حاليا بإعادة النظر في ملابسات إطلاق سراحه، بدعوى إصابته بمرض السرطان.

وقال السفير البريطاني في الولايات المتحدة، نايجل شينوالد، إن «الحكومة البريطانية الجديدة ترى أن إطلاق سراح المقرحي كان خطأ»، مشددا في الوقت نفسه على أن صلاحية البت في المسائل القضائية تعود إلى اسكوتلندا بموجب قوانين البلاد. وتابع أن «الحكومة البريطانية تشعر بأسف عميق للأسى الذي سببه إطلاق سراح المقرحي لأسباب إنسانية، لأسر ضحاياه في بريطانيا والولايات المتحدة على حد سواء».

من جانبها نفت الحكومة الاسكوتلندية أمس أن تكون أجرت أي اتصالات مع شركة النفط البريطانية «بي بي» قبل أن تقرر العام الماضي الإفراج عن المواطن الليبي المدان في تفجير طائرة ركاب في أجواء لوكيربي عام 1988.

وقالت الحكومة الاسكوتلندية إنها نقلت عبد الباسط المقرحي إلى طرابلس لأسباب إنسانية محضة.

وقال متحدث باسم الحكومة الاسكوتلندية: «لم نتلق على الإطلاق أي طلبات من بي بي.. السيد المقرحي أرسل إلى بلاده ليموت هناك وفقا لقواعد القانون الاسكوتلندي وبناء على التقرير الطبي لمدير دائرة الصحة والرعاية في السجون الاسكوتلندية وتوصيات لجنة الإفراج المشروط وحاكم السجن».

وتتمتع اسكوتلندا بسلطات قانونية خاصة بها داخل النظام السياسي البريطاني.

وقالت لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأميركي أول من أمس الخميس إنها ستطلب من المسؤولين بشركة «بي بي» الإدلاء بشهاداتهم بعد أن قالت شركة النفط العملاقة ومقرها بريطانيا إنها ضغطت على الحكومة البريطانية في عام 2007 للتوصل إلى اتفاق مع ليبيا لنقل أحد السجناء.

وحكم على المقرحي في 2001 بالسجن مدى الحياة. لكن القضاء الاسكوتلندي أطلق سراحه في أغسطس (آب) 2009، مؤكدا أنه يعاني من مرض السرطان في مراحله الأخيرة، وسيتاح له بذلك أن «يموت في ليبيا». وصرح الطبيب المتخصص في السرطان، كارول سيكورا، الذي قدم العام الماضي تقييما للحالة الصحية للمقرحي بطلب من الحكومة البريطانية، أنه يمكن أن يعيش عشر سنوات. وكان البروفسور سيكورا، الذي نقلت صحيفة «صنداي تايمز» البريطانية تصريحاته، الأسبوع الماضي، توقع، العام الماضي، ألا يعيش المقرحي أكثر من ثلاثة أشهر.

وأشار شينوالد إلى أن رئيس الوزراء البريطاني، ديفيد كاميرون، الذي تولى مهامه في مايو (أيار) الماضي، أكد مجددا اعتراضه على إطلاق سراح الليبي. وأضاف أن كاميرون «قال في تلك الفترة إنه يعتقد أن قرار الإفراج عن المقرحي خاطئ، وأنه يتفهم القلق الذي أثاره هذا القرار». لكنه أضاف: «نعارض قرار إطلاق سرح المقرحي، لكننا نحترم في الوقت نفسه استقلال القضاء». وأشار إلى أن «تحقيق لجنة القضاء في البرلمان الاسكوتلندي خلص في فبراير (شباط) الماضي، إلى أن السلطة التنفيذية الاسكوتلندية اتخذت قرارها هذا بنية حسنة، وعلى أساس الأدلة الطبية التي قدمت، وحسب الأصول المتبعة». ونص بيان الحكومة الاسكوتلندية على أن المقرحي لا يمكن أن يعود إلى السجن. وقال: «علينا أن نقبل بأن وثيقة إطلاق سراحه لا تتضمن آلية تنص على إعادة شخص أفرج عنه لأسباب إنسانية إلى السجن، إذا عاش مدة أطول مما توقعه الأطباء».

من جهتها أعلنت لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي، أنها ستدرس قرار إطلاق سراح المدان في قضية لوكيربي في جلسة استماع ستعقدها في 29 يوليو (تموز). وقال رئيس اللجنة، السيناتور الديمقراطي، جون كيري: «يجب أن ندرس في العمق الأسباب التي أفضت إلى إطلاق سراح الشخص الوحيد المدان في هذه الجريمة الرهيبة». وأوضح روبرت مينينديز الذي سيترأس جلسة الاستماع أن اللجنة ستستمع إلى «خبراء من الحكومة، ومن (بريتش بتروليوم)». وأضاف السيناتور الديمقراطي، الذي كان من أعضاء مجلس الشيوخ الذين تحدثوا عن دور لـ«بي. بي» في إطلاق سراح المقرحي: «نريد الحصول على أجوبة». وقال جون كيري، رئيس لجنة العلاقات الخارجية، الذي عارض الإفراج عن المقرحي: «التفاصيل التي تكشفت في الأيام الأخيرة في وسائل الإعلام أثارت مخاوف جديدة».

من جهته، أكد المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية، فيليب كراولي، ردا على سؤال خلال لقائه اليومي مع الصحافيين، أن الولايات المتحدة اعتبرت دائما أن قرار إطلاق سراح المقرحي خطأ. وقال: «قبلنا ظاهر القضية الذي نقلته لنا السلطات الاسكوتلندية، بأن القرار إنساني، ويستند إلى معلومات طبية متوفرة لديهم»، لكنه أضاف: «إننا نؤكد بشكل قاطع أنه خطأ، وهذه وجهة نظرنا حتى الآن».

وكانت شركة النفط البريطانية العملاقة «بريتش بتروليوم» (بي بي)، اعترفت، أمس، بأنها ضغطت على الحكومة البريطانية، أواخر عام 2007، بشأن اتفاق لتبادل السجناء مع ليبيا، بسبب قلقها من أن يؤدي التأخر في هذا الشأن إلى عرقلة اتفاق للتنقيب عن النفط قبالة السواحل الليبية». لكن «بي بي»، قالت إنها لم تتدخل في المناقشات بشأن الإفراج عن عبد الباسط المقرحي، المدان بتفجير لوكيربي.

من جهته نفى الدكتور شكري غانم، رئيس المؤسسة الوطنية للنفط في ليبيا، أن تكون المفاوضات، التي أدت إلى توقيع اتفاق بين ليبيا وشركة «بى بى» عام 2007، حول الاستثمار في السواحل الليبية، تطرقت من قريب أو من بعيد إلى ملف المقرحي. وقال الدكتور غانم لـ«الشرق الأوسط» في تصريحات عبر الهاتف من العاصمة الليبية طرابلس، إن الحملة المثارة حاليا في بعض الدوائر الأميركية والبريطانية للربط بين إطلاق سراح المقرحي وعقد الشراكة بين السلطات الليبية وشركة النفط البريطانية حملة مضللة. وأضاف أن ما يتكلمون عنه لا علاقة له بالواقع، قائلا إن «العملية كانت فقط مسألة تجارية واقتصادية، وكانت الاتفاقية لصالح ليبيا، وهو عقد ممتاز يلبي جميع الشروط الأساسية التي نطالب بها دوما، وفقا للنمط الرابع من عقود المشاركة في الإنتاج».

ورأى أن ما يقوله أعضاء في الكونغرس حول هذا الربط هو لأسباب سياسية، ولا علاقة لها بالواقع من قريب أو من بعيد. وتابع: «لذلك لا نلتفت لما يقولون، لدينا دولة حرة مستقلة تقوم بأعمالها، ولا نهتم بما يقوله الآخرون، القافلة تسير».

وأكد شكري غانم، الذي يعتبر أرفع مسؤول عن صناعة وإنتاج وتسويق النفط في ليبيا، أنه ليس صحيحا أن الاتفاق كان سياسيا، هذا محض اختلاق، مضيفا: «أنا من كان يقود المفاوضات خلال هذه الفترة، وما كنا نأخذه في عين الاعتبار الأمور الاقتصادية فقط، وما هو في صالح ليبيا». واستطرد قائلا، لم نضع ملف المقرحي على طاولة المفاوضات مع الشركة البريطانية، هذا لم يحدث مطلقا، أنا لا أضع الأمور السياسية على الطاولة، العقد يعتبر من أكبر العقود التي حققتها ليبيا، وفي صالحها تماما.

ولاحظ أن الموضوع برمته انتهى بتوقيع الاتفاق بين ليبيا والشركة البريطانية عام 2007، مشيرا إلى أن المفاوضات التمهيدية لهذا التوقيع بدأت قبل هذا التاريخ بكثير، كما أن الإفراج عن المقرحي لم يتم سوى العام الماضي فقط. وتساءل: لماذا لا يتكلمون عن الشركات الأميركية. مضيفا: «الحقيقة في ليبيا أن الباب كان مفتوحا، ودخل الجميع من كل الجنسيات، ولدينا شركات بريطانية وألمانية وروسية وصينية وأميركية، فلماذا التركيز الآن فقط على شركة واحدة بعينها؟».

ولفت إلى أن العقد الذي أبرمته السلطات الليبية مع الشركة البريطانية يفوق بمراحل، وبشروط أكثر، الكثير من العقود التي أبرمتها ليبيا مع شركات أخرى. ورد على مبررات الحملة التي يشنها أعضاء في الكونغرس الأميركي على ليبيا والشركة البريطانية، قال رئيس مؤسسة النفط الليبية «إن هناك أسبابا كثيرة، أهمها أن الذين يتحدثون في أميركا معروفون باتجاهاتهم اليهودية، ولا نعرف إذا كانوا ممثلين في الكونغرس أم في الكنيست الإسرائيلي؟!».