اليمن: «محضر مشترك» بين الحزب الحاكم والمعارضة ينهي الأزمة السياسية

الرئيس اليمني يحتفل بمناسبة مرور 32 عاما على توليه مقاليد الحكم

يمنيون في جلسة قات عند أحد الجبال شرق صنعاء أمس (إ.ب.أ)
TT

بدت، أمس، في صنعاء، ملامح انفراج للأزمة السياسية بين المعارضة والحكم، المستمرة منذ أكثر من عامين، حيث وقع حزب المؤتمر الشعبي العام الحاكم وأحزاب المعارضة المنضوية في إطار تكتل «اللقاء المشترك»، الممثلة في مجلس النواب، أمس، في دار الرئاسة في العاصمة صنعاء، على «محضر مشترك» لتنفيذ «اتفاق فبراير (شباط)» الموقع بين الطرفين عام 2009، بهدف إجراء إصلاحات سياسية وقانونية.

وجاء توقيع هذا المحضر، بعد أيام من تهديد قيادات في حزب المؤتمر الشعبي العام الحاكم، بطرح مشروع التعديلات الدستورية أمام مجلس النواب، وخوض العملية الانتخابية دون مشاركة المعارضة، وبالتحالف مع أحزاب صغيرة في الساحة، وموالية للحزب الحاكم.

وقال مصدر سياسي يمني مطلع لـ«الشرق الأوسط»: «إن التوقيع الذي جرى، جاء بعد (حوارات ماراثونية سرية)، جرت بين الطرفين خلال الأشهر القليلة الماضية، مثل الحزب الحاكم فيها، الدكتور عبد الكريم الإرياني، المستشار السياسي للرئيس صالح، النائب الثاني لأمين عام الحزب الحاكم، وعدد من قيادات «المشترك»، وأضاف المصدر، الذي رفض ذكر اسمه، أن أطرافا محلية وإقليمية ودولية لعبت دورا في «التقريب بين وجهات نظر الطرفين، المتباينة حول عدد من القضايا»، مشيرا إلى أن بين هذه الأطراف المعهد الديمقراطي الأميركي (NDI) عبر فرعه في صنعاء، وعدد من السفارات الأجنبية، وفي مقدمتها السفارة الأميركية.

وشهد الرئيس علي عبد الله صالح، ونائبه عبد ربه منصور هادي، ورؤساء مجالس النواب والشورى والوزراء وأمناء عموم الأحزاب وشخصيات بارزة، التوقيع الذي تم داخل قصر «دار الرئاسة» الذي كان يحتضن في تلك الأثناء، احتفالا بمناسبة مرور 32 عاما على تولي الرئيس صالح مقاليد الحكم.

وتضمن «المحضر المشترك»، اتفاقا على «تشكيل لجنة للتهيئة والإعداد للحوار الوطني الشامل، استنادا إلى اتفاق فبراير (شباط) 2009م»، ثم نص المحضر على الاتفاق على 10 نقاط، هي:

1- تلتقي أحزاب اللقاء المشترك مع المؤتمر الشعبي العام كممثلين لشركائهم وحلفائهم في لقاء تمهيدي، يقوم فيه كل من الطرفين بتحديد وتسمية شركائهم وحلفائهم، الذين سيمثلون الطرفين في اللجنة المشتركة للإعداد والتهيئة للحوار الوطني، ولا يجوز لأي طرف الاعتراض على ما يقدمه الطرف الآخر.

2- بعد استكمال تحديد القائمتين، يتم تشكيل اللجنة المشتركة للإعداد والتهيئة للحوار الوطني من القائمتين بالتساوي، بعدد إجمالي قدره 200 عضو.

3- يوقع على محضر الاتفاق الأطراف الموقعة على اتفاق فبراير 2009.

4- يستحضر الطرفان، إلى جانب ما ورد أعلاه، قائمة أخرى بأسماء الأحزاب والقوى والفعاليات السياسية والاجتماعية والوطنية ومنظمات المجتمع المدني التي سيتم الاتصال بها والتشاور معها، من قبل لجنة الإعداد والتهيئة للحوار، وضم كل من يقبل بفكرة الحوار الوطني إلى قوائم اللجنة بالمعايير نفسها التي يتم بها تشكيل اللجنة، من حيث العدد والتمثيل.

5- استكمال التشاور مع بقية الأحزاب والقوى السياسية والفعاليات الاجتماعية ومنظمات المجتمع المدني الراغبة في الانضمام للحوار الوطني دون استثناء.

6- إعداد البرنامج الزمني للحوار والضوابط المنظمة له.

7- تتخذ اللجنة قراراتها بالتوافق، وتكون ملزمة للجميع.

8- رئاسة اللجنة دورية، وتعقد أول اجتماع لها في قاعة المركز الثقافي بالعاصمة صنعاء.

9 - يعين كل من طرفي الحوار رئيسا ونائبا يمثله، وإذا كانت الرئاسة لأي طرف يكون النائب من الطرف الثاني، ويشكل الرئيسان والنائبان هيئة رئاسة لجنة الحوار الوطني الشامل، وتسري هذه القاعدة على اللجان المنبثقة عنها.

10 - تكون أعمال اللجنة علنية وشفافة بما يمكن الرأي العام والأشقاء والأصدقاء من متابعة سير الحوار أولا بأول.

وفي أعقاب التوقيع على المحضر، الذي شهد حضورا إعلاميا لافتا، حتى إن الحدث كان، ولأول مرة، الخبر الرئيسي في نشرة أخبار الرابعة عصر أمس، أدلى الرئيس اليمني بتصريحات للصحافيين، معتبرا ما جرى التوقيع عليه، خطوة «إيجابية نحو الانفراج السياسي والترفع فوق كل الصغائر»، وأضاف: «نبدأ مرحلة جديدة، لأن الوطن ملك الجميع، وليس ملكا للسلطة الحاكمة أو للمعارضة، فالبلد يتسع للجميع، ومسؤولية الجميع»، مشددا على أن المعارضة هي الوجه الآخر للنظام السياسي، و«بلدنا بلد تعددي ديمقراطي، وقلما حدث تشويه للديمقراطية في اليمن وتضخيم إعلامي، لأن ما يحدث من مماحكات ومساجلات تندرج في الإطار الديمقراطي، والمفروض ألا يضيق صدر أحد من العملية الديمقراطية».

وأعرب الرئيس اليمني عن أمله في أن يمثل ما تم التوقيع عليه «انفراجا سياسيا»، وأن يتم «الترفع عن الصغائر من قبل المعارضة والسلطة الحاكمة، والبدء في مرحلة جديدة»، وكذا «وقف الحملات الإعلامية والتسريبات، فنحن في سفينة واحدة، ويجب أن نبحر بها معا، وأن تكون هناك قيادة لهذه السفينة من كل القوى السياسية»، ولم يكتف صالح بالتلميح السابق إلى مشاركة المعارضة في الحكم، بل جدد الاستعداد والتأكيد على أنه، وفي حال جرى تنفيذ الاتفاق وبنوده والآلية التي تنظيم اتفاقية فبراير، على استعداد لـ«تشكيل حكومة وطنية من كل أطياف العمل السياسي، وذلك للسير قدما نحو إجراء الانتخابات النيابية في موعدها المحدد».

وكان صالح دعا في خطابه بمناسبة الذكرى الـ22 للوحدة اليمنية بين شطري البلاد الشمالي والجنوبي، إلى حوار شامل «تحت قبة المؤسسات الدستورية دون شروط أو عراقيل»، ارتكازا على «اتفاق فبراير»، وأشار، حينها، إلى إمكانية تشكيل حكومة وحدة وطنية، وبالتحديد بين حزب المؤتمر الشعبي العام الحاكم، الذي يرأسه هو، وشريك الوحدة، الحزب الاشتراكي اليمني، وشريك الحرب ضد شريك الوحدة، حزب التجمع اليمني للإصلاح الإسلامي، والحزبان يقودان حاليا تكتل المعارضة، بعد انتهاء خلافاتهما وتحالفهما ضد الحزب الحاكم، منذ قرابة عقد من الزمن.

وينص اتفاق فبراير 2009، الذي جاء «المحضر المشترك» ليعيد الحياة إليه على: «أولا ?إتاحة? ?الفرصة? ?للأحزاب? ?والتنظيمات? ?السياسية? ?ومنظمات? ?المجتمع? ?المدني? ?لمناقشة? ?التعديلات? ?الدستورية? ?اللازمة? ?لتطوير? ?النظام? ?السياسي? ?والنظام? ?الانتخابي?، ?بما? ?في? ?ذلك? ?القائمة? ?النسبية?، ثانيا ?تمكين? ?الأحزاب? ?السياسية? ?الممثلة? ?في? ?مجلس? ?النواب? ?من? ?استكمال? ?مناقشة? ?المواضيع? ?التي? ?لم? ?يتفق? ?عليها? ?أثناء? ?إعداد? ?التعديلات? ?على? ?قانون? ?الانتخابات?، ?وتضمين? ?ما? ?يتفق? ?عليه? ?في? ?صلب? ?القانون?. ثالثا: ?إعادة? ?تشكيل? ?اللجنة? ?العليا? ?للانتخابات? ?وفقا? ?لما? ?ينص? ?عليه? ?القانون».? وحاولت الأطراف في الساحة السياسية اليمنية من خلال النقاط الثلاث المشار إليها، إيجاد مخرج للأزمة السياسية التي سبقت التوقيع على الاتفاق، وبموجبه جرى تأجيل الانتخابات النيابية الرابعة في البلاد منذ توحد شطريها في 22 مايو (أيار) 1990م، التي كانت مقررة في 27 أبريل (نيسان) 2009م، لعامين، تجري خلالهما إصلاحات سياسية وقانونية واقتصادية، وإصلاحات في النظام الانتخابي الذي يرجح أن يجري فيه اعتماد نظام «القائمة النسبية»، بدلا من نظام «الدائرة الفردية» المعمول به حاليا في اليمن.

وتتكون أحزاب «اللقاء المشترك» المعارضة، التي وقعت الاتفاق مع الحزب الحاكم في اليمن، من 6 أحزاب، هي «التجمع اليمني للإصلاح، الحزب الاشتراكي اليمني، التنظيم الوحدوي الشعبي الناصري، حزب الحق، اتحاد القوى الشعبية وحزب البعث الاشتراكي العربي (سورية)».

وتزامن الاتفاق الجديد بين طرفي المعادلة السياسية في اليمن، مع إطلاق السلطات اليمنية، أمس، لمعتقلين من «الحراك الجنوبي» الذين كانت تطالب أحزاب «اللقاء المشترك» بإطلاق سراحهم، وسبق أن قام الاتحاد الأوروبي بدور الوساطة في هذا المضمار.

وعقب الإفراج عنه، قال لـ«الشرق الأوسط» السفير قاسم عسكر جبران، إن توقيع «المحضر المشترك» هو «ناتج عن المشهد السياسي الحاصل في البلاد»، وأن «كل الاتفاقات التي تتم، هي انعكاس للأزمة العميقة الموجودة، والتداعيات هذه تفرض نفسها على مختلف القضايا الأخرى»، وأضاف أن لديهم في «الحراك الجنوبي» قضية «تختلف عن أحزاب المشترك، لكننا نعتبره حليفا في هذا الاتجاه من أجل المستقبل».

من جانبه تحدث لـ«الشرق الأوسط» المعتقل المفرج عنه، فادي باعوم، أحد قادة الأوساط الشبابية للحراك الجنوبي، حول فترة الاعتقال وسجن المخابرات، فقال: «معتقل الأمن السياسي، وكما هو معروف، هو عبارة عن سجن وبؤرة للتعذيب والإيذاء، وشيء لا يمكن أن تتخيله إطلاقا، وربنا لا يوريك هذا المكان، عانينا من كل شيء، معاناة نفسية، معاناة جسمانية، يعني أبسط حقوق الإنسان لا يمكن أن تجدها هناك».

كما تزامن هذا الانفراج للأزمة السياسية بين شركائها مع الاحتفال بذكرى مرور 32 عاما على تولي الرئيس علي عبد الله صالح مقاليد الحكم، في ما كان يعرف بـ«الجمهورية العربية اليمنية»، وتحديدا في 17 يوليو (تموز) عام 1978م، خلفا للرئيس (الشمالي) أحمد حسين الغشمي، الذي اغتيل بعد 7 أشهر من توليه السلطة بواسطة انتحاري، كان موفدا رئاسيا من الشطر الجنوبي، وذلك ردا على اغتيال الرئيس السابق له، إبراهيم الحمدي، في ظروف غامضة في صنعاء.

وعرض التلفزيون اليمني صورا حية للاحتفال في «دار الرئاسة» والرئيس يقوم بتقطيع «كعكة» أو «تورتة» تحتوي على تسمية للمناسبة، كما عرض مشاهد لمجاميع غفيرة من الساسة والمسؤولين ورجال المال والأعمال ومن مختلف القطاعات في المجتمع اليمني، وهم يقدمون التهاني للرئيس صالح بالمناسبة.