الملفات الداخلية تخلط الاصطفافات اللبنانية مؤقتا.. لكن التحالفات ثابتة

إجماع على أن التفاهم بين «المستقبل» وحزب الله يمنع «الانفجار»

TT

راهن كثر من المراقبين والقوى السياسية على أن نتائج الانتخابات النيابية الأخيرة ستعيد رسم خريطة التحالفات السياسية على الساحة اللبنانية، وستطيح بمعادلة «8 و14 آذار». وعلى الرغم من إعادة رئيس اللقاء الديمقراطي النائب وليد جنبلاط تموضعه السياسي منذ أغسطس (آب) الماضي وانفصاله عما كان يسمى بـ«الأكثرية النيابية»، فإن حراكه هذا لم يتمكن من إلغاء معادلة «8 و14 آذار»، نظرا لمتانة العلاقة التي تربط بين حلفاء الصف الواحد من جهة، واستمرار الانقسام حيال الكثير من القضايا الاستراتيجية والعناوين الكبرى من جهة أخرى.

وفي حين يبدو التحالف بين حزب الله وحركة أمل والتيار الوطني الحر وثيقا ومستمرا بشكل رئيسي، يكرر رئيس الحكومة سعد الحريري الإشارة إلى أن «الموت وحده يفرقه عن حلفائه»، في إشارة إلى القوات اللبنانية والكتائب وباقي مكونات 14 آذار.

وإذا كان جنبلاط قد أعاد قراءته السياسية لموقعه انطلاقا من خصوصية طائفته وموقعها التاريخي سندا للمقاومة، فإن ذلك لم يدفعه إلى مجاراة حزب الله في مسألة التصويت ضد العقوبات على إيران في مجلس الوزراء. ولم يمنع تحالف التيار الوطني الحر بزعامة النائب ميشال عون مع حزب الله من أن يتمايز عنه في مواقفه من مسألة خفض سن الاقتراع، مرورا بتشكيل الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية السياسية، وصولا إلى اقتراحات جنبلاط بشأن الحقوق المدنية للاجئين الفلسطينيين.

كما أن الإجماع المسيحي على المواقف من اقتراحات جنبلاط لم يترجم بتنسيق مشترك جامع، بعد جلسة اللجان النيابية المشتركة. فالقوات اللبنانية نسقت مع تيار المستقبل الذي بدا في موقف محرج، إذ لا يستطيع التنصل من التزامه بالقضية الفلسطينية من جهة ولا إغضاب حلفائه من جهة ثانية. في موازاة ذلك، غردت «الكتائب» خارج السرب الآذاري، من دون أن تقطع اتصالها معه، فتشاورت ثنائيا مع التيار الوطني الحر، قبل أن تستضيف لقاء تشاوريا في البيت المركزي في الصيفي ضم شخصيات وأحزابا مسيحية عدة أول من أمس.

تعليقا على هذا الحراك السياسي، تذهب أوساط مراقبة للإشارة إلى أن الانقسام الحقيقي القائم في لبنان اليوم هو انقسام سني/ شيعي أكثر مما هو انقسام مسيحي/ إسلامي، مع بروز موازين قوى جديدة، يتخوف البعض من أن تؤدي في وقت لاحق إلى خلل في الصيغة اللبنانية القائمة على المناصفة. ووفق هذه الأوساط، فإن القلق من أي خلل بنيوي هو في أساس الحراك المسيحي والتواصل القائم، والذي يعبر عن نفسه بطريقة مباشرة أو غير مباشرة. وتذهب إلى حد الإشارة إلى أن الاصطفاف الحقيقي القائم اليوم يتعلق بحزب الله وتيار المستقبل بشكل أساسي، بمعنى أن استقرار العلاقة بينهما ينعكس إيجابا على الساحة المحلية، وكلما ازداد التنسيق والتواصل بينهما خفت حدة التوترات بين طرفي الصراع السياسي في لبنان.

هذا الموقف لا تنكره القوى السياسية، ويشير النائب في كتلة الحريري عقاب صقر، في اتصال مع «الشرق الأوسط»، إلى أن «اللقاء بين حزب الله وتيار المستقبل يمنع الانفجار»، معتبرا أن «استقرار العلاقة بين الطرفين اليوم يشكل ضمانة كبيرة للوضع اللبناني، تمنع وقوع فتنة سنية/ شيعية وتكرس قاعدة للتوافق والتراضي». ويشدد في الوقت عينه على أن «بناء الوطن يحتاج إلى تفاهم مع كل القوى السياسية الأخرى الموجودة، والتي لها حيثيتها وحضورها»، لافتا إلى أن «منع الانفجار يحتاج إلى تسوية يومية محكومة بسقف المؤسسات والقانون، بعيدا عن أي استفزاز أو تهويل من طرف ضد الآخر».

ويرى صقر أن الانقسام في «الاصطفاف بين قوى (8 و14 آذار) يحصل في (مشاريع القوانين في مجلس النواب والقضايا الإدارية والرؤى الاقتصادية والملفات اليومية)، في حين لا يزال الاصطفاف على حاله لناحية العناوين الكبرى والقضايا الاستراتيجية والأمن القومي والنظرة للعلاقات الخارجية، وإن كانت ليست بالحدة عينها». ويلفت إلى أن «هذا الاصطفاف لا يزال حاضرا عند كل مفصل، من العلاقة مع سورية، إلى العقوبات على إيران والوضع في الجنوب،...».

ويلتقي المستشار السياسي لرئيس حزب الكتائب، الرئيس أمين الجميل، سجعان قزي مع موقف صقر، لجهة أن «تحسن العلاقة بين حزب الله والمستقبل يخلق استقرارا والتوتر بينهما يزيد من إمكانية التفجير، عشية تطورات داخلية وإقليمية مهمة، كالملف النووي الإيراني والتهديدات الإسرائيلية والتجديد لقوات (اليونيفيل) والمحكمة الدولية،...»، بحسب ما قال لـ«الشرق الأوسط». ويربط «الإجماع المسيحي على مجموعة من الملفات الداخلية، وآخرها الحقوق المدنية للاجئين الفلسطينيين، بوجود هواجس مشتركة». وعن إمكانية تطور التنسيق الثنائي حول الورقة الفلسطينية، والذي جمع حزبي الكتائب والتيار الوطني الحر منذ أيام في مجلس النواب، إلى تحالف سياسي تدريجيا، يوضح قزي «أننا لا نهدف إلى نسج أي تقارب جديد على حساب العلاقة مع حلفائنا»، لافتا إلى أن «ما يجمعنا مع (القوات) يجمعنا مع (التيار) فما المانع إذن من لقاء ثلاثي حول مواضيع عدة كالموضوع الفلسطيني».

وينطلق قزي من «لقاء مسيحي تشاوري تم أول من أمس في البيت المركزي لحزب الكتائب، بحضور قوى سياسية مسيحية متنوعة، ويسعى لاستقطاب باقي القوى المسيحية في الأيام المقبلة، وفي مقدمتها ممثلون عن عون»، ليشير إلى أن «الهدف ليس حزبا أو جبهة أو اصطفافا جديدا بل الهدف تنسيق مشترك لنقل الهواجس إلى شركائنا في الوطن».

ويعتبر النائب في كتلة عون حكمت ديب، في اتصال مع «الشرق الأوسط»، أن «التحول في الاصطفاف السياسي اللبناني جاء نتيجة تبديل بعض القوى السياسية لمواقفها وإعادة تموضعها، بعد أن تبين لها زيف كل الرهانات الإقليمية والدولية التي انطلقت منها، وصحة الخيارات الناضجة لفريق آخر وحرصه على المصلحة اللبنانية».

ويرفض ديب الحديث عن إجماع «مسيحي» حول الحقوق الفلسطينية، مستندا في ذلك إلى «التوافق الذي شهدته الجلسة النيابية أمس حيال ضرورة تحسين أوضاع الفلسطينيين المعيشية بما لا يضر بالمصلحة اللبنانية، وبما يضمن عدم دمج الفلسطينيين في لبنان، على خلفية القلق الدائم من التوطين».

ويشدد على أن «كل فريق يرفض اليوم السير بما يؤذي الفريق الآخر»، مؤكدا «وجود تماسك لبناني حقيقي اليوم وانفتاح المعارضة على الفريق الآخر».