رئيس حكومة جمهورية قبرص التركية لـ «الشرق الأوسط»: طوينا صفحات الماضي.. ونتطلع لإعادة توحيد الجزيرة

آرسين كوشوك: السعودية بنت الطريق الرئيسي في الجزيرة.. والقبارصة يدركون أهمية ذلك

آرسين كوشوك رئيس حكومة قبرص التركية («الشرق الأوسط»)
TT

لا حديث في جمهورية قبرص التركية سوى عن الأزمة الاقتصادية، والضرائب التي جاءت بها الحكومة الجديدة، وإفلاس «الخطوط القبرصية التركية» والاستثمارات الإسرائيلية في المناطق السياحية بشمال الجزيرة، وكذلك اتفاق سلام العام الحالي، بعد عقود من المفاوضات وانعزال الجزء الشمالي من قبرص، وهو الاتفاق الذي ربما يعيد توحيد الجزيرة الواقعة في البحر الأبيض المتوسط. ولم تحرز هذه المفاوضات تقدما كبيرا بسبب الاختلافات على بعض الملفات المتعلقة بتوحيد الجزيرة لا سيما مسائل السيادة وحقوق القبارصة الأتراك وتوزيع الثروات.

والجزيرة مقسومة منذ أن اجتاح الجيش التركي شمالها سنة 1974 ردا على انقلاب دبره قبارصة يونانيون قوميون بهدف ضم الجزيرة إلى اليونان التي كان يحكمها نظام عسكري. وأعلنت «جمهورية شمال قبرص التركية» حيث ينشر الجيش التركي قواته، من جانب واحد ولم تعترف بها سوى أنقرة. وقد انتشرت القوات الدولية في الجزيرة سنة 1964 في محاولة لوضع حد لأعمال العنف بين المجموعتين، وباتت مهمتها اليوم تتمثل في مراقبة الخط الأخضر الذي يفصل شمال الجزيرة عن جنوبها. ويدعو الساسة الأتراك إلى تحويل قبرص إلى جزيرة للسلام ومنطقة للتعاون بين شعبي الجزيرة إذا ما خلصت النوايا، داعيا الاتحاد الأوروبي إلى تحمل مسؤولياته بهذا الشأن ومساعدة شطري الجزيرة على الوصول إلى هذا الهدف.

ولا يمكن الوصول إلى لافكوشا عاصمة قبرص التركية إلا عن طريق تركيا ثم إلى مطار إرجان المجهز حديثا أو عبر مطار لارنكا في الجانب اليوناني ثم عبور الحدود بالسيارة في يسر وسهولة. ومطار إرجان هو المطار الرئيسي في الشطر التركي من قبرص. وحيث إن مطار نيقوسيا القديم مغلق على خلفية النزاع بين الشطرين القبرصيين التركي واليوناني، وحيث يرفض الجانب اليوناني حتى الآن فتحه، كجزء من الحصار المفروض على القبارصة الأتراك. لكنه مرشح لأن يكون المطار الرئيسي في الجزيرة بعد نجاح المفاوضات بحسب رئيس الحكومة القبرصية التركية الذي التقته «الشرق الأوسط» قبل أيام.

ثمة خلافات وتباينات تاريخية ممتدة بين الشطرين الشمالي والجنوبي، وتحمل ذاكرة القبارصة الأتراك إرثا تاريخيا ثقيلا. وقد لمست لدى الشخصيات القبرصية التركية التي التقيتها حرصا واضحا على طي صفحة الماضي والتطلع إلى الأمام، حيث يحدوهم الأمل في إعادة توحيد الجزيرة على أساس فيدرالي، وبحيث تغدو قبرص جزءا موحدا من الاتحاد الأوروبي. ومن السهل لقاء الوزراء القبارصة الأتراك. حتى باب رئيس الوزراء آرسين كوشوك كان مفتوحا لـ«الشرق الأوسط» كاول وسيلة إعلامية عربية تلتقيه في مكتبه بوسط العاصمة نيقوسيا. وكان منشرحا وهو يتحدث عن المستقبل بعد نجاح المفاوضات بين الجانبين التي ستؤدي إلى توحيد الجزيرة. وفي مكتبه كان واضحا الارتباط الكبير بين أنقرة وقبرص التركية. فخلف المسؤولين تبرز أعلام تركيا إلام إلى جانب علم قبرص التركية وبينهما صورة أبو الاتراك جميعا مصطفى كمال أتاتورك. وهناك قاعدتان تركيتان وعشرات الآلاف من عوائل العسكريين يعيشون منذ عام 1974 في الجزء الشمالي من الجزيرة. وأنقرة تمثل مصدر العون الأساسي للاقتصاد القبرصي التركي، الذي يعتمد في 40 في المائة منه على السياحة، كما تمثل صادرات الزراعة مصدر دخل قومي، وبدرجة ما الصناعات النسيجية بحسب أرقام رسمية. وأنقرة تدعم الميزانية بمعونة مالية سنوية قدرها 150 مليون دولار، وتسهم بـ550 مليون دولار في تشييد البنية التحتية، أي أن مجموع مساهمتها يقترب من 700 مليون دولار سنويا. ورحب آرسين بك، كما يحب أن يلقب، وهو من عائلة سياسية عريقة، برجال الأعمال العرب وقال «أراضينا وقلوبنا مفتوحة لهم». وتساءل «لكن أين هم؟». وأشاد بدور السعودية كقلب العالم الإسلامي. وقال «من يقود سيارته على الطريق السريع بين نيقوسيا العاصمة وميناء كارينيا يدعو للسعودية حكومة وشعبا بالخير. فهي التي رصفت هذا الطريق». وقلل من تأثير حجم الاستثمارات الإسرائيلية في شمال الجزيرة، مشيرا إلى أن أغلب تلك الاستثمارات بمشاركة رجال أعمال محليين. وجاء الحوار على النحو التالي..

* متى تتوقع أن يتم توحيد الجزيرة؟

- يتوقع القبارصة الأتراك أن يتم توحيد الجزيرة بحلول نهاية العام الحالي. وهناك كثير من المؤشرات الإيجابية التي تؤيد ذلك.

* هل ثمة أي جهود أوروبية من أجل الوصول إلى حل يفضي إلى توحيد الجزيرة؟

- الاتحاد الأوروبي ليس محل اهتمامنا الرئيسي في الوقت الحالي، حيث نجري محادثات تسوية خاصة بنا تتعلق بقرارات الأمم المتحدة. ونحن نهتم بالأساس بالقرارات التي اتخذتها الأمم المتحدة وليس ما يفكر فيه الاتحاد الأوروبي.

* في رأيك، إلى أي مدى سيؤثر توحيد الجزيرة على انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي؟

- هاتان قضيتان منفصلتان تماما، ولا يجب أن يؤثر هذا على ذاك، وما يحدث داخل قبرص لا يؤثر على ما يحدث في تركيا. لقد أصبحت اليونان عضوا في الاتحاد الأوروبي قبل قبرص الجنوبية، لذا ما يحدث في قبرص الشمالية يجب ألا يؤثر على انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي.

* في حال توحيد الجزيرة، ما الذي سيحدث للقواعد العسكرية البريطانية والتركية في الجزيرة؟

- تنص اتفاقية عام 1960 على أنه يجب أن يوجد مقدار محدد من القوات التركية واليونانية، 650 من الجنود الأتراك و900 من الجنود اليونانيين. ويوجد حوار جار حول الوضع. وإذا توحدت الجزيرة فإنه سيتم إغلاق إحدى القواعد البريطانية، لتبقى قاعدة بريطانية واحدة في قبرص الجنوبية. ويجب على المسافرين الذين يرغبون في الذهاب إلى قبرص الشمالية الحصول على رحلة ربط من تركيا، فيما يبقى مطار لارنكا في الجنوب متاحا دوليا بدرجة أكبر.

* هل تعلم شيئا عن أي خطط لافتتاح مطار إرجان التركي أمام الرحلات الجوية؟

- سيفتتح مطار نيقوسيا الدولي، المغلق حاليا، ليكون المطار الدولي الرئيسي داخل الجزيرة حال توحدها. والسبب في ذلك هو أنه الأقرب بين الحدود، ويجعل ذلك من مطار إرجان ومطار لارنكا مطارات تابعة.

* قبل ثلاثة أشهر ذهب أمير قطر إلى قبرص الجنوبية، ودشن فندقا كبيرا وشركة كاستثمارات في قبرص الجنوبية، هل يوجد أي مستثمرين عرب كبار في قبرص الشمالية؟

- يوجد اتفاق حالي بين تركيا وقبرص الشمالية، وفي كل مرة يذهب رجل أعمال تركيا إلى دول الخليج، يصاحبه رجل أعمال من قبرص التركية من أجل الحصول على عقود وللترحيب بالمستثمرين العرب في المنطقة. ونحن بالطبع نرحب بهم، وقلوبنا وأراضينا وجامعاتنا مفتوحة لهم. لكن هذا أيضا من جانب تركيا، وطننا الأم الذي يقدم لنا جل العون والدعم.

* هل بنت الدول العربية أو أسهمت في إعمار أية مساجد أو طرق أو مشاريع بنية تحتية في المنطقة الشمالية؟

- منذ وقت طويل في عام 1980 كان هناك شارع من حارة واحدة يربط بين نيقوسيا العاصمة وميناء كارينيا وهو الطريق الرئيسي بالجزء التركي، وقامت السعودية بالاستثمار وجعلت هذا الطريق من حارتين. وقام الليبيون ببناء مسجد خارج نيقوسيا.

* هل يمكن أن تخبرنا قليلا عن نفسك؟

- دخلت إلى العمل السياسي منذ 1976 مع حزب الوحدة، وشغلت منصب وزير الزراعة. وأنا ابن شقيق الدكتور فيصل كوشوك الذي مثل القبارصة الأتراك في محادثات الاستقلال عام 1959، وأول نائب رئيس لقبرص الشمالية. ودشن كوشوك صحيفة تابعة له «صوت الشعب». ومنذ أعوامي الأولى انشغلت بالعمل السياسي، وأنا من الجيل الثاني في العائلة الذي اقتفى أثر الدكتور كوشوك، لكني بدأت العمل كمهندس زراعي وتوليت وزارة الزراعة بعد ذلك.

* يقوم الكثير من اليهود بشراء مساحات كبيرة في منطقة كارباز الساحلية، هل يمثل ذلك أي تهديد للقبارصة الأتراك؟

- ليس من السهل على الأجانب شراء أراض هنا، لكن دخل الكثير من الإسرائيليين في شراكات مع شركات تركية حتى يمكنهم شراء 20 - 30 فدانا، لكن كان ذلك قبل خمسة أو ستة أعوام، ولم يستمر. ولا يمثل هذا أي تهديد لقبرص الشمالية أو فرص الاستثمار فيها. وعندما أدركت الشركات التركية هذا، توقفت عن البيع لرجال أعمال إسرائيليين يسعون إلى شراء أراض.

* هل أنت متفائل بمستقبل قبرص الشمالية؟

- يوجد في قبرص الشمالية كل مؤسسة تحتاج إليها أي حكومة، كالشرطة والبرلمان، وهي دولة قائمة. وإذا لم تتوافر حلول لتوحيد قبرص، سنطلب من العالم أن يعترف بنا.