وزير الموارد المائية العراقي: لا نحصل حتى على ربع حصتنا من مياه الفرات

لطيف رشيد لـ «الشرق الأوسط»: إيران حولت مجاري الأنهار والروافد وحرمت دجلة وشط العرب من المياه

لطيف رشيد وزير الموارد المائية يشرح توزيع المياه على الخريطة («الشرق الأوسط»)
TT

ارتبط اسم العراق بنهريه، دجلة والفرات، فسمي ببلاد الرافدين، وبلاد ما بين النهرين، لكن هذين النهرين النابعين من تركيا، شمالا، مرورا بسورية، غربا، ليقطعا آلاف الأميال حتى لقائهما قبيل البصرة ليشكلا شط العرب، يعانيان اليوم من شح المياه، كما يعاني شط العرب من ارتفاع نسبة الملوحة بسبب مشاريع إيران التي قطعت عنه رفده بمياه الكارون والكرخة.

مشكلة شح المياه في العراق، وحسب وصف الدكتور لطيف رشيد وزير الموارد المائية، تبدو سياسية، ولا تحتاج إلى حروب لحلها، بل إلى حوارات واتفاقات، على حد قوله. ورشيد، الحاصل على شهادة الدكتوراه في هندسة السدود ونظم الري من جامعة مانشستر البريطانية، لعله من القلائل في الحكومة العراقية الذين يتمتعون بخبرات أكاديمية وعملية في اختصاصهم، وهو يسعى مع فريق عمل متطور بوزارته إلى إنقاذ ما يمكن إنقاذه في موضوع أزمة المياه.

رشيد استقبل «الشرق الأوسط» في مقر وزارة الموارد المائية، وهي من الوزارات المتميزة في تنظيمها، واحتوائها على مراكز متخصصة في إجراء البحوث والدراسات التي تهم مواضيع نظم الري هناك، واعتمادا على خرائط وأرقام دقيقة. دار حديثنا مع وزير الموارد المائية عن أبرز مشكلة يتعرض لها العراق، ويعاني منها العراقيون، وهي أزمة المياه، والتي لا يتوقع رشيد أن تقوم حرب من أجلها. وفيما يلي نص الحوار:

* ما هو سبب شح المياه في العراق؟

- نحن في العراق نعاني من شح المياه لأسباب كثيرة وليس سببا واحدا، أولا الطبيعة والمناخ لهما تأثير كبير، فخلال السنوات الثلاث أو الأربع الماضية عانينا من نقص في الموارد المائية المناخية كالأمطار والثلوج بسبب زيادة درجة الحرارة، على سبيل المثال في منطقة كردستان نسبة الأمطار كانت تقريبا أقل من المعدل بنسبة الثلث، وفي مناطق أخرى من العراق وصلت درجة النقص إلى 20% عن المعدل. معاناتنا بسبب نقص المياه ليست لفترة قصيرة وإنما لعدة سنوات، بالإضافة إلى أن كل دول المنطقة مثل إيران وسورية وتركيا عانت من قلة الأمطار والثلوج. هذه أحد الأسباب الرئيسية لشح المياه في المنطقة. والنقطة الأخرى تتجسد في تعامل دول الجوار مع المصادر المائية، فعلى سبيل المثال لم يكن هناك حتى بداية الثمانينات من القرن الماضي أي سدود على نهري دجلة والفرات. تركيا بدت بناء عدد من السدود الضخمة ذات القدرة على تخزين كميات كبيرة من المياه وتستفيد من مخزون المياه لتوفير الطاقة الكهربائية بحجم كبير، وسورية أيضا لديها عدد كبير من السدود والبلدان (تركيا وسورية) لديهما طموحات لتوسيع رقعة الأراضي الزراعية على حساب كميات المياه في نهري دجلة والفرات. يضاف إلى هذا أن الروافد التي تصب في نهر دجلة كانت حرة في السابق أما الآن فهناك على كل هذه الروافد والفروع، إما تحويلات لمجاريها، أو لاستغلال جميع المياه للتخزين أو الزراعة، أضف إلى ذلك مشكلة كبيرة جدا وهي ارتفاع نسبة الملوحة في شط العرب، وهي في ارتفاع مستمر والسبب في ذلك أنه في السابق كان هناك نهران هم الكارون والكرخة اللذان كانا يصبان في شط العرب وكانا يخففان من نسبة الملوحة في شط العرب لعذوبة مياه هذين النهرين، أما الآن فقد قطعت مياه الكارون والكرخة ولا توجد فيهما قطرة ماء بسبب قيام الإيرانيين بتحويل مجريهما لاستغلال مياههما محليا، حيث كان يصل منسوب نهر الكارون في بعض السنوات إلى ما يقارب من 15 مليار متر مكعب، والآن نهر الكارون جاف تماما.

ولم تكن كل هذه المشاريع موجودة في السابق على نهري دجلة والفرات من قبل دول المنبع. المشكلة الأخرى التي ورثناها هي سياسة النظام السابق في عدم الاهتمام بتحسين الوضع الإروائي والزراعي وعدم الاستفادة من طرق الري الحديثة في العراق وعدم تبطين القنوات الإروائية الموجودة، وسأضرب مثلا يمكن أن يراه البعض غير قابل للتصديق، فلدينا في العراق 120 ألف كيلومتر من القنوات والمبازل وهذه تحتاج إلى عشرات السنين لتحسين وضع قنواتها ونحتاج إلى عدد كبير من النواظم لتنظيم كميات مياهها، كما نحتاج إلى بناء عدد من السدود لتخزين المياه، وكل هذه الأمور لم تكن ضمن خطة النظام السابق، نحن الآن بدأنا في خطط المعالجة لكن نحتاج بعض الوقت، وتخصيصات مالية كافية، فنحن بحاجة إلى تحسين الوضع الإروائي وبناء عدد من النواظم، والاستفادة من المياه الجوفية بطرق علمية.

* هل لديكم فكرة عن كمية مخزون العراق من المياه الجوفية؟

- لدينا في العراق مخزون لا بأس به من المياه الجوفية وفي بعض المناطق يكون المخزون دوريا نتيجة المطر ونستطيع استغلال هذا المخزون في بعض المناطق، لكن المياه الجوفية لا تكفي لبلد مثل العراق.

* هل هناك قوانين أو معاهدات دولية تمنع دول المنبع من تغيير مجرى الأنهار أو قطع المياه عن الدول التي تجري فيها الأنهار؟

- توجد مواثيق وقرارات ولوائح ونصائح دولية على أساس أن المياه يجب أن تكون لخدمة شعوب المنطقة ويجب مراعاة كيفية استعمال المياه من ناحية الخطة التشغيلية، كذلك مراعاة عدم تلوث المياه، لكننا لدينا مشكلة في بعض المناطق، فعلى سبيل المثال في سورية يعيدون مياه المبازل إلى نهر الفرات، وعادة تكون مياه المبازل ملوثة بالملوحة والأسمدة. وموضوع تقاسم المياه متروكة للاتفاقيات بين الدول، فمعظم الاتفاقيات الدولية غير إلزامية ولكنها نصائح، ويتركون حلول التقاسم بين الدول المتشاطئة كما يحدث الآن في مصر.

* لكن هناك قانون يسمى قانون الحق التاريخي لاستخدام مياه الأنهار؟

- نعم قانون الحق التاريخي موجود ولكن المشكلة أن دول المنبع لا تراعي الحق التاريخي، على سبيل المثال فيما يتعلق بحق العراق التاريخي في استخدام مياه دجلة والفرات، نحن كنا نتسلم في ثمانينات القرن الماضي 30 مليار متر مكعب من دجلة والفرات، أما الآن فلا تصل ثلث الكمية من مياه نهر الفرات إلى الأراضي العراقية. والوضع بالنسبة لنهر دجلة أفضل إذ تصلنا ما نسبته أكثر بقليل من نصف الكمية من المياه التي كانت تصل إلى أراضينا، والسبب هو أن تركيا لم تبن خزانات كبيرة على هذا النهر حتى الآن، وهذا لا يعني أن الوضع جيد في نهر دجلة الذي يعاني من نقص في المياه بسبب شح تغذيته، فهناك ما لا يقل عن 45 رافدا منبعهم إيران ويصبون في نهر دجلة وتتنوع هذه الروافد إلى دائمة وموسمية وبعضها أنهر صغيرة.

* باعتقادكم هل يجوز لدول المنبع أن تقطع المياه عن جاراتها المتشاطئة معها؟

- بالطبع هذا أمر لا يجوز وغير مقبول، للأسف كانت علاقات العراق مع دول الجوار مقطوعة في الفترة الزمنية السابقة، خاصة في فترة الحرب العراقية الإيرانية وبعد الحرب لم تكن هناك علاقة طبيعية بين البلدين إلى اليوم، والأمر نفسه مع سورية.

* هل هي قضية سياسية؟

- بالتأكيد، وهذا نتيجة تصرفات النظام السابق حيث كانت مشكلاته تتنوع بين مشكلات سياسية مع دول الجوار وحروب.

* لكن مضى سبع سنوات على انتهاء النظام السابق ألم تستطيعوا فعل شيء خلال هذه الفترة الطويلة؟

- صحيح أن النظام السابق انتهى لكن في الوقت ذاته فإن دول الجوار بنت منشآتها المائية وبدأت بالعمل، وكان يفترض بالعراق أن يكون له موقف قوي أثناء عملية بناء هذه المنشآت كمحاولة لعدم إقامتها أو الاتفاق على خطة تشغيلية لا تحرم العراق من حصصه من المياه.

* ألم تتوصلوا لاتفاق مع تركيا وسورية وإيران حول هذه القضايا؟

- لم تكن لدينا علاقات طبيعية مع دول الجوار حتى عام 2005، لكننا بدأنا بخطوات بدائية جدا مثل تبادل المعلومات والزيارات وتبادل النتائج الهيدرولوجية والجيولوجية ومعلومات عن المنشآت الموجودة، والآن نحن وصلنا إلى مرحلة نريد إبرام اتفاقيات، إما ثنائية مع سورية وتركية كل على حدة، أو ثلاثية مع كليهما للحصول على حصة عادلة، نحن لا نطالب بكل كميات نهري دجلة والفرات لكننا نطالب بحصة عادلة وكافية لوضع العراق، فنحن نحتاج إلى كميات مياه أكثر من السابق نتيجة الاستعمال البشري وزيادة عدد السكان، ولأغراض أخرى كالمصانع والمستشفيات، لكن كميات المياه الآن أقل بكثير مما كانت عليه في السابق وهذه هي المشكلة، لدينا اتفاقية مع سورية تنص على تقسيم نسبة مياه نهر الفرات بين البلدين بنسبة 42% لسورية و58% للعراق.

* هل تعتقدون أن 58% كمية كافية؟

- هذا يعتمد على نسبة المياه الواصلة إلى سورية من تركيا، نحن عموما نحتاج في نهر الفرات إلى 500 متر مكعب في الثانية على مدار الساعة وهذا هو الحد الأدنى، بينما نتسلم الآن من تركيا ما بين 200 إلى 210 أمتار مكعبة في الثانية فقط، وهذه النسبة لم ترتق حتى إلى نصف كمية الحد الأدنى وليس الكمية الطبيعية، فخلال الشهر الماضي كان المفروض أن يصل منسوب الفرات إلى 100 متر مكعب.

* تدور الأحاديث عن أن الحروب المقبلة إنما هي حروب المياه، ترى ما هي استعدادات العراق لمثل هكذا حرب؟

- أولا أنا لا أتفق مع صيغة الحروب على المياه، لأن الحروب لا تحل مشكلة المياه بل على العكس تماما يجب علينا التفكير في تثبيت السلم والصداقة والتعاون والتنسيق بين الدول المتشاطئة لحل مشكلة المياه.

* الآن العلاقات تبدو جيدة بين العراق وتركيا فلماذا لا ينعكس هذا على موضوع المياه؟

- صحيح أن العلاقات التركية العراقية جيدة لكن فيما يتعلق بموضوع الموارد المائية فلم يعطنا الجانب التركي الخطة التشغيلية ولا يقدمون لنا المساعدة في كمية المياه التي نحتاجها.

* هل صحيح أن تركيا عرضت على العراق مبدأ النفط مقابل المياه؟

- يجب علي أن أكون أمينا وأقول إن في الجلسات الرسمية لم يربط الأتراك بين موضوع الموارد المائية والنفط والاقتصاد أو أي من الأمور السياسية أو الأمنية، بل على العكس فدائما نسمع من كبار المسؤولين الأتراك، خاصة من قبل رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء ووزير الخارجية التركية تأكيدات على أن استعمال الموارد المائية يجب أن يكون من أجل السلام ومن أجل مصلحة شعوب المنطقة، حتى عندما نتكلم معهم بشكل مباشر يعطوننا وعودا بمساعدتنا، لكن عندما أبرمنا اتفاقية تجارية مع تركيا حاولنا أن نضع بندا للاتفاق على الموارد المائية وهذا ما لم يوافق الجانب التركي عليه ولا على الصيغة التي قدمناها، وبالمقابل رفض البرلمان العراقي المصادقة على هذه الاتفاقية التجارية. نحن نريد أن ندخل في مفاوضات جادة في قضية الشراكة في المياه وتقسيمها بشكل منصف لصالح مستقبل العراق، فلا يعقل أن نبعث يوميا برقيات ورسائل نقول فيها إن كمية المياه قليلة جدا، مؤخرا كان في مكتبي ممثلون من محافظة بابل وقبلهم زارني ممثلون عن محافظتي النجف والديوانية وكلهم يشكون من شح المياه، ففي السنة الماضية قلصنا المساحات الزراعية بنسبة 50% وهذا له مردود سيئ على اقتصاد البلد.

* هل تعتقد أن هذه عملية مقصودة؟

- إن شاء الله ليست مقصودة، لكن نحن غير راضين على عدم التجاوب مع مطالبنا، فمن المفروض أن يعطونا معلومات حول خطط المنشآت المستقبلية التي ينوون القيام بها وتوسيع الأراضي الزراعية بالإضافة إلى معلومات عن الخطة التشغيلية، فنحن الآن لا نعرف كمية المياه التي تأتينا في نهر الفرات فبالتالي لا يمكننا عمل خطة زراعية وإروائية بشكل علمي.

* هناك حديثان، الأول حول اتفاقية إسرائيلية – تركية للاستفادة من مياه دجلة والفرات، والحديث الآخر حول خطة سورية لتغيير مسار نهر دجلة بتمويل كويتي، فما مدى صحة هذا الكلام؟

- هذه المعلومات غير دقيقة، فليس لي معرفة بما يتعلق باتفاقية تركيا وإسرائيل، وحتى من الناحية السياسية هناك اليوم توتر بين تركيا وإسرائيل، أما فيما يتعلق بالجانب السوري فهذا ليس بتحويل مجرى نهر دجلة لأن تحويل مجرى نهر ليس سهلا بالإضافة إلى أنه خرق لكل القوانين الدولية ولا يستطيعون عمله، بل ولا نفكر بها نحن أصلا، لكن لديهم نية في مشروع ولديهم موافقة مبدئية من النظام العراقي السابق للاستفادة بسحب كمية من مياه دجلة تقدر بأكثر من مليار متر مكعب عند الحدود العراقية السورية، نحن نطالبهم بتفاصيل وحتى الآن هم لم يبدأوا بالمشروع، آخر الأخبار التي نعرفها هي أن الجانب السوري يحاول أن يجد تمويلا للمشروع من الكويت أو من بعض البنوك الإسلامية وهذه كل المعلومات المتوفرة لدينا. وعلى الرغم من وجود موافقة مبدئية من النظام العراقي السابق على هذا المشروع لكن نحن لدينا شروط ومن ضمنها يجب أن نعرف الكمية التي يريدون سحبها والمكان الذي ينوون بناء المشروع فيه ونريد تعويضا وعلى الأقل يعوضوننا في نهر الفرات وكل هذا الكلام بحاجة إلى مباحثات واتفاقيات.

* ألم تستطيعوا إبرام اتفاقية حول هذا المشروع في السنوات الأربع الماضية؟

- لم يشر الجانب السوري إلى هذا المشروع بسبب أن المشروع لا يزال غير جاهز، فكل ما لمسناه هو تصريحات في بعض الصحف، ونحن طالبنا الجانب السوري بمعلومات حول المشروع عن طريق وزارة الخارجية، هم يفكرون في تغيير مكان المشروع وهذا يعتبر خرقا حتى للاتفاق السابق.

* الآن نرى نهر دجلة وحتى الفرات أشبه بساقيتين هل هذا بسبب شح المياه، بالإضافة إلى وجود القصب والنباتات البرية في وسط نهر دجلة؟

- إن معدل الماء في نهر دجلة قريب من الطبيعي، أما موضوع القصب والجزر وسط النهر فهذا ليس بسبب قلة المياه بل بسبب إهمال النظام السابق وعدم كري (حفر) وتنظيف الأنهار، فعندما تسلمنا هذه الوزارة لم تكن مؤسساتها تملك مكائن وآليات كري ولو واحدة ولا معدات لتنظيف القنوات والمبازل المائية، أما الآن فلدينا 60 ماكينة وآلات حفر وكري تعمل في كل المحافظات، وأود أن أشير إلى أن كل كراية تحتاج إلى سنتين حتى نتسلمها.

* لقد شاهدنا بعض الأعمال على نهر دجلة في بغداد حيث يتم حفر النهر في الوسط ووضع التراب والطمي على الضفتين مما يؤدي إلى تضييقه؟

- هذه أعمال مدروسة للمحافظة على منسوب الماء في دجلة، فعندما يتوسع النهر يقل العمق وتزيد نسبة التبخر، فهذه أعمال تعتمد على المنطقة ومعالجة الوضع، لكن كري وتنظيف الأنهار شيء ضروري فنحن بحاجة إلى كراءات حتى في البحيرات، لأن عمر كل بحيرة محدود، فعدد الكراءات هو 60 كما ذكرت ونحن نحتاج إلى المئات منها في العراق. حتى شط العرب بحاجة إلى كري لكن هناك مشكلات سياسية مع الجانب الإيراني حول هذا النهر العراقي، ولدينا لجان فنية بين وزارتنا ووزارة الخارجية والجهات الأخرى المعنية لبحث موضوع شط العرب.

* هل حقا أن الإيرانيين غير موافقين على كري شط العرب؟

- نعم، هم حتى الآن غير موافقين على كري شط العرب لأننا نحتاج إلى عملية المسح وأمور فنية أخرى قبل عملية الكري، فهناك الكثير من السفن الغارقة فيه، ونحن بحاجة إلى مسح ميداني وخطة ومن ثم إحالة الخطة إلى الشركات، نحن نحاول عمل كل هذه الأمور لكننا كلما حاولنا أن ننظف شط العرب بشكل جدي نفشل بسبب معارضة الطرف الإيراني لأنهم يعتبرون نصفه لهم حسب خط التالوك.

* هناك من يقول إن جزيرة أم الرصاص سوف تكون ضمن الأراضي الإيرانية بسبب الطمي في حال تم كري شط العرب؟

- الجزر الناتجة عن الطمي هي ليست بجزر حقيقية، وإذا أردنا الاستفادة من شط العرب فيجب أن تتم عملية تنظيفه، الآن الملاحة مشلولة في هذا النهر الحيوي، بالإضافة إلى أن مياه شط العرب غير صالحة للشرب أو الزراعة، لذلك بدأت وزارتنا ببناء مشروع لحل مشكلة الزراعة في منطقة شط العرب.

* هل هذه المشكلات ستؤدي بالمستقبل لتلاشي الأنهار؟

- أملنا لا، فنحن نسعى إلى إبرام اتفاقيات مع دول المنبع للاستفادة من المياه لصالح شعوب المنطقة، لا نستطيع أن نغير جغرافية المنطقة، ونحن بلدان متجاورة وسنبقى متجاورين والتعاون مهم جدا بيننا ونأمل في الوصول إلى نتائج إيجابية ومحاولاتنا مستمرة لحصول العراق على كميات المياه الضرورية وهناك تجاوب في معظم الأحيان.

* نأتي إلى موضوع مهم آخر وهو الأهوار، فالأهوار تعاني أيضا من مشكلة جفاف.

- بالطبع منطقة الأهوار منطقة مهمة وأهميتها لا تكمن فقط لكونها منطقة مسطحات مائية، لكنها أيضا مهمة للبيئة والثقافة والتاريخ والسياحة، كل هذه الأمور تجعل من الأهوار منطقة مهمة، ونتيجة سياسة النظام السابق تم تجفيف كل الأهوار ما عدا جزءا بسيطا على الحدود العراقية الإيرانية وهو هور الحويزة لأن ثلثه داخل الأراضي الإيرانية وثلثيه داخل الأراضي العراقية، ما زالت الأهوار في مرحلة الإنعاش لأن وضعها كان مأساويا فكانت وتحولت إلى صحراء قاحلة، وبصراحة كان اهتمامي بإنعاش الأهوار قبل أن أتسلم الحقيبة الوزارية، فعندما كنت في بريطانيا كنت دائما ضد تجفيف الأهوار وقمنا بعمل حملات إعلامية واعتبرناها جريمة بحق الطبيعة والبيئة والناس الذين يعيشون هناك، وبعد تغيير النظام بدأنا في إنعاش الأهوار، وفي بداية عام 2008 استطعنا إنعاش 70% من الأهوار، الآن انخفضت نسبة الماء في الأهوار إلى أقل من 70% بسبب قلة الأمطار، فكمية المياه في الأهوار تعتمد على كمية المياه الفائضة من دجلة والفرات، لكن باعتقادي الآن المعدل العام أكثر من 30%، وقسم من سكان الأهوار عادوا إليها والحركة التجارية مثل صيد وبيع الأسماك بدأت تتعافى، لكن اهتمامنا بإنعاش الأهوار له الأولوية، ثم إننا بدأنا بخطوات تنموية في الأهوار مثل بناء جسور وطرق واتصالات ومراكز صحية، ولأول مرة في تاريخ العراق منذ عام 2009 بدأنا في تخصيص ميزانية خاصة لمنطقة الأهوار.

* هل هناك جهات دولية ساعدتكم في إنعاش الأهوار؟

- الجهات الدولية ساعدتنا، لكن مساعداتهم اقتصرت على كتابة التقارير والإشارة إلى المشكلات الموجودة، وهم لم يساعدونا من ناحية التنفيذ والتمويل إلا في تمويل جزء من كتابة التقارير حول البيئة والملوحة.

* هل النهر الثالث مفيد، الذي كانوا يسمونه نهر صدام أو نهر القائد؟

- النهر الثالث أو ما نسميه بالمصب العام مفيد جدا، فهو يجمع مياه البزل من شمال بغداد إلى البصرة وبكميات هائلة وبتصوري هذا النهر يعتبر أكبر محطة جمع مبازل في العالم، ونحن الآن نقوم بأبحاث للاستفادة من ماء هذا النهر.

* كم يبلغ طول النهر الثالث، أو المصب العام؟

- يبلغ طوله 560 كيلومترا.

* أليس هو النهر نفسه الذي شقه الرئيس السابق صدام حسين لقطع الماء عن الأهوار؟

- نعم هو النهر نفسه لكن ليس هذا النهر الذي قطع الماء عن الأهوار، بل هذا النهر تم شقه لجمع مياه المبازل، أما النهر الذي حفره صدام لقطع الماء عن الأهوار كان اسمه نهر العز وقمنا بكسره وإعادة المياه التي تصب في الأهوار إلى مجاريها.

* كم يبلغ طول نهري دجلة والفرات كل على حدة؟

- يبلغ طول نهر دجلة 1200 كيلومتر والفرات نحو ألفي كيلومتر، لكن نسبة الماء في دجلة أعلى من الفرات، ففي بعض الأحيان من شهري أبريل (نيسان) ومايو (أيار) الماضيين بلغ منسوب المياه في دجلة ألف متر مكعب ويعتمد منسوب مياه دجلة على حسب الأمطار وذوبان الثلوج، وأقل معدل سجله نهر دجلة هو 500 متر مكعب، لكن في بعض الأحيان كان يصل إلى 2000 أو 2500 متر مكعب.

* ما هي الحلول السريعة لمشكلة شح المياه في العراق؟

- لا توجد هناك حلول سريعة بهذا المعنى، فالحلول المرضية لنا هي أولا التوصل إلى اتفاقيات مع سورية وتركيا وإيران حتى نتمكن من بناء خططنا المستقبلية، أو على الأقل التوصل إلى تعهدات بعدم قطع كمية المياه الضرورية عن العراق، وثانيا بناء عدد كبير من السدود لتخزين مياه المطر خاصة في منطقة إقليم كردستان، ثالثا منع هدر المياه والاستفادة من طرق الري الحديثة مثل الإكساء ومد الأنابيب واعتماد نظام الرش والتنقيط، ويجب أن نثقف المزارعين بطرق إرشادية لحثهم على الاستفادة من طرق الري الحديثة.

* هل لديكم تعاون مع وزارة الزراعة؟

- نعم، هناك تعاون جيد لكن الثقافة الإروائية لا تزال دون المطلوب، مثلا التركيز على زراعة الشلب في العراق مع أن الشلب يحتاج إلى كميات هائلة من الماء وبالتالي يجب التفكير في بدائل عن طريق زراعة البذور التي تحتاج أقل كمية من المياه، نحتاج إلى إصلاح الأراضي الزراعية وطرق الري كالزراعة المسقفة على سبيل المثال، فقد بدأوا يطبقون الزراعة المسقفة في إقليم كردستان والنتائج جيدة وبدأوا أيضا الاستفادة من هذه التقنية في الحلة ومحافظات أخرى.

* هل نسبة الماء في كردستان أفضل من بقية مناطق العراق؟

- هناك خزانات مياه في كردستان لكن لا يوجد فيها مشاريع إروائية فاعتماد الزراعة في كردستان هو على المطر، هناك مشاريع إروائية لكنها قليلة جدا فإقليم كردستان مهمل من ناحية المشاريع الإروائية منذ البداية، فعلى الرغم من وجود سدي دوكان ودربنديخان لكن من دون مشاريع إروائية.

* هل تعتقدون أن هذا بسبب سياسات النظام السابق؟

- نعم، أنا أعتقد أن هذا بسبب سياسات الحكومات السابقة.

* هل سيأتي يوم يقوم فيه العراق ببناء مشاريع تحلية المياه؟

- نعم، فكرنا في هذا المشروع لتحليه مياه المصب العام، حيث إن الأراضي العراقية مالحة فبالتالي نحتاج إلى المبازل وكمية مياه المبازل عالية وتصل أحيانا إلى 250 كيلومترا في الثانية فمن الممكن تحليتها للاستفادة منها لأغراض زراعية ولتغذية الأهوار.

* هل سيتم بناء محطات تحلية لماء الشرب في البصرة؟

- هناك مشاريع إروائية للبصرة مصدرها نهر الغراف القريب من مدينة الشطرة في الناصرية ومشكلة البصرة ليس في كمية المياه إنما في التوزيع.