حزب الله يسقط الخطوط الحمراء عن المحكمة «إذا تسيست» وحملته تثير شكوك نواب كتلة الحريري حيال احتمال تورطه

أحد حلفائه يهدد بـ«دعس رقبة» المؤسسات الأمنية إذا تعاطت مع القرار

TT

انفجرت التباينات السياسية اللبنانية إلى العلن في اليوم الثاني بعد خطاب أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله والاتهامات التي وجهها إلى المحكمة الدولية على خلفية «القرار المسيس» الذي يتوقع أن يصدر عن المحكمة الخاصة بلبنان التي تنظر في جريمة اغتيال الرئيس السابق للحكومة رفيق الحريري، والذي رفع أعضاء من كتلة نجله، رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري، «شكوكا» حول ما إذا كان لدى الحزب ما يخشاه من هذا التقرير، داعين للانتظار حتى صدوره للتعليق عليه وعدم استباقه بـ«حملة تخوين»، فيما كان حزب الله والمقربون منه يشنون حملة غير مسبوقة على المحكمة هي الأعنف منذ تأليف حكومة الوحدة الوطنية العام الماضي، بعد أن تم ربطها بعملية كشف الجواسيس في شبكة الاتصالات وتلميح نصر الله إلى وجود عمل على «تركيب» الاتهامات للحزب بناء على هذه الاختراقات.

وبدا من كلام قيادات الحزب المختلفة وجود «شكوك» حول اتجاه هذا القرار، إذ قال رئيس الهيئة الشرعية في حزب الله الشيخ محمد يزبك إن المحكمة الدولية «تكون خطا أحمر عندما تتحرك بالقانون وتكشف الحقيقة، ولكن عندما يتم تسييسها لهذه الجهة أو تلك، وعندما تسيرها المصالح السياسية للدول، لن تكون خطا أحمر». وأضاف: «شربل قزي جاسوس إسرائيلي يتجسس على اللبنانيين من عام 1996 في أهم موقع من مواقع الاتصالات، مما جعل لبنان كمجتمع وأفراد مكشوفا للعدو الإسرائيلي، فلماذا كان استهداف الجيش ومخابراته في حملة بعد اعتقال قزي؟ هناك الكثير من الجواسيس والعملاء الذين تم كشفهم من قبل، ولكن لماذا أثيرت هذه الضجة بعد اعتقال قزي؟ يبدو أن الذي تحت إبطه مسلة توخزه».

ورأى وزير التنمية الإدارية محمد فنيش (حزب الله) أن «الخلط في مفهوم الهوية واعتبار التعامل مع إسرائيل هو كأي تعامل مع أي دولة أخرى أمر بمنتهى الخطورة، والتخفيف من العقوبات وعدم تنفيذ الأحكام الصادرة بحق العملاء هو بشكل ما إسهام في تشجيع هذه الظاهرة التي لا تستهدف فئة معينة أو فريقا من اللبنانيين». وقال: «عندما يصبح أمننا مكشوفا فإن العدو لن يتورع عن الإقدام على اغتيال أي شخص مهما كان رأيه السياسي إذا كان ذلك يحقق للعدو غايته في إثارة الدسائس والانقسام والخلاف وهذا ينبغي أن يعيدنا قليلا إلى الوراء» في إشارة غير مباشرة إلى عملية اغتيال الحريري عام 2005. ولفت فنيش إلى أن «التجسس يكشف النوايا المستقبلية للعدو الإسرائيلي، لأنه عندما يريد السيطرة على شبكة الاتصالات فذاك لتحقيق غايات وأهداف، واستخدام هذه السيطرة في أعمال دنيئة وقذرة ومجرمة وقاتلة، ما يعيدنا إلى التفكير في الجرائم التي ارتكبت وما سببته من انقسام بين اللبنانيين»، مشددا على أن ذلك «يطرح علامة استفهام كبيرة حول مسؤولية العدو الإسرائيلي في هذه الجرائم على الرغم من أن البعض، مع الأسف، انساق وراء الغرائز لينفي أي احتمال لمسؤولية إسرائيل عن هذه الجرائم».

واعتبر رئيس تيار التوحيد وئام وهاب المقرب من حزب الله أن «رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري يملك من الوعي ما يمنعه من الانجراف إلى الفتنة، وأن لا خيار أمامه إلا أن يقول إنه لخيارات لبنانية تتعلق بالسلم الأهلي والوحدة الوطنية فقد أوقفنا التعامل مع المحكمة الدولية، خصوصا أنها إسرائيلية ظلمت الناس وتعدت على كراماتهم»، ورأى وهاب أن «هذه المحكمة تستحق الإعدام»، كما حذر «كل مؤسسة أمنية ورسمية ستتعاطى مع قرار الفتنة الذي سيصدر عن المحكمة بأنها «رح تاكل قتلة وتندعس رقبتها»، مؤكدا أنه «لا يوجد أحرص من الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله على معرفة من قتل الرئيس رفيق الحريري»، وربط في هذا المجال «حصول أي 7 أيار جديد بـ5 أيار جديد»، وقال: «إذا كانوا لا يملكون أي 5 أيار جديد فكل شيء سيبقى طبيعيا».

وأشار عضو كتلة حزب الله النائب حسن فضل الله إلى «أننا اليوم في مرحلة تفكيك مشروع إسرائيلي قد يكون الأخطر على لبنان منذ هزيمة تموز (يوليو) 2006 ورأس الحربة فيه هو شبكات التجسس»، وقال: «لن نوفر وسيلة وجهدا في سبيل إلحاق الهزيمة بالمشروع الإسرائيلي أيا كانت النتائج المحلية أو الإقليمية وأيا كان المتورطون فيه صغارا كانوا أم كبارا». واعتبر أن «ما يكشف سيؤدي في النهاية إلى وضع اليد على الجواسيس الكبار كما توضع اليد على الجواسيس الصغار ليهزم هذا المشروع الذي ربما يكون الرصاصة الأخيرة التي يحاول العدو استخدامها في الداخل ما دام عاجزا عن المواجهة الميدانية والمباشرة مع المقاومة».

وبدوره حذر رئيس الحزب الديمقراطي اللبناني النائب طلال أرسلان، المتحالف مع حزب الله، من «خطورة تسييس المحكمة الدولية والانعكاس الخطير لذلك على الواقع اللبناني في الشكل والمضمون». وقال: «إذا لم تكن المحكمة محصنة وإذا كانت ستتهم فريقا سياسيا لبنانيا اتهاما سياسيا واضحا وصريحا، فإن ذلك سيعيدنا إلى الوضع الصعب على المستوى الداخلي». وأضاف: «يجب أن نميز تمييزا مطلقا ما بين محكمة دولية لكشف حقيقة من اغتال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه أو حقيقة محاكمة سياسية في البلد، وما إذا كانت المحكمة ستنطلق من التحليلات التي صدرت في الصحف، خصوصا في (دير شبيغل) التي تحدثت عن تورط الحزب في اغتيال الحريري».

وفي المقابل شن نواب كتلة رئيس الحكومة سعد الحريري حملة انتقادات واسعة لموقف نصر الله الأخير، ورأى عضو كتلته النائب رياض رحال أن «كل هذه التصريحات بدأت تدخل الشكوك لدى كل اللبنانيين حول دور الحزب وتورطه في الاغتيالات منذ عام 2004 كونه هو الوحيد الذي يرفع السقف ويتهم نفسه مسبقا ويطلق التحليلات على عواهنها». وقال النائب هادي حبيش «إن منطق التخاطب الذي أطلقه أمين عام حزب الله، في خطابه الأخير، اعتمد منذ 4 سنوات عندما كان هناك احتدام في الخطاب السياسي في البلد»، مستغربا «العودة إليه في مرحلة الاستقرار الداخلي وحكومة الوحدة الوطنية». وأكد أن «كل الأطراف اللبنانية متفقة على تهدئة الخطاب السياسي وتوقيف شبكات العملاء التي تعبث بشبكة الاتصالات». وأشار إلى «أن خطاب نصر الله لم يكن موجها ضد العدو الإسرائيلي، إنما ضد فريق من اللبنانيين» مستهجنا «تصويبه بشكل غير مباشر على فرع المعلومات الأمر الذي يعيد التوتر الداخلي». ورأى «أن لا مصلحة لا لنصر الله ولا لحزب الله بتوصيف المحكمة الدولية والقرار الظني بالقرار الإسرائيلي، لأنه بذلك يستبق القرار ويتهم نفسه بنفسه». وقال: «لو كنا نتهم حزب الله باغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري لما كنا شكلنا حكومة وحدة وطنية». ودعا حبيش إلى «انتظار القرار الظني الذي سيصدر»، مؤكدا «أن هذا القرار سيكون معللا لأن كل المعطيات ستظهر في حيثياته».

ورد عضو الكتلة نفسها النائب محمد كبارة على كلام نصر الله عن المحكمة الدولية مستغربا ربط هؤلاء المتعاملين (مع إسرائيل) بالتحقيقات الدولية في شأن جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وبالتالي التشكيك بعمل المحكمة الدولية وإسقاط القرار الظني في حال جاء في مضمونه اتهام لأشخاص ينتمون إلى هذا الفريق أو ذاك، ورأى «أن محاولات البعض استباق القرار الظني يثير الريبة بأن لديهم من المعطيات التي تدفعهم للخوف من صدور ذلك القرار، وطمس جريمة اغتيال الرئيس الحريري والتغطية على المخططين والمنفذين». وتوجه إلى نصر الله قائلا: «إن أسلوب التهديد لن يرهبنا، ولن يغير من قناعاتنا ولن يدفعنا إلى الاستسلام. نقول للسيد نصر الله رسالة واضحة وبكلام بسيط: التهديد لن يقدم قرينة البراءة، بل على العكس يثير الريبة ويزيد من الشكوك».