سورية ولبنان: اتفاق على إزالة العقبات وتنفيذ الاتفاقيات وفتح آفاق جديدة

الحريري: علاقتي بالرئيس الأسد مبنية على الصراحة والتفاهم

رئيس الحكومة السورية محمد ناجي عطري مستقبلا رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري لدى وصوله إلى مطار دمشق الدولي أمس (أ.ب)
TT

أكد الرئيس السوري بشار الأسد ورئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري على «ضرورة وضع آليات عمل وخطط تنفيذية» لتحويل الاتفاقيات التي جرى توقيعها بين البلدين أمس إلى «التنفيذ العملي، ومتابعتها بغية إزالة العقبات التي يمكن أن تعترض تنفيذها، وأهمية البحث عن آفاق جديدة للتعاون ومتابعة تطوير آليات العمل المشترك في إطار رؤية استراتيجية لتحقيق التكامل بين سورية ولبنان».

وقال بيان سوري رسمي إن الجانبين أعربا عن «ارتياحهما لتشكيل مجلس رجال أعمال مشترك»، وإن من شأن هذا الأمر أن «يسهم في تعزيز التبادل الاستثماري بين البلدين، وخلق شبكة مصالح بين سورية ولبنان بعيدا عن السياسة وتجاذباتها».

جاء ذلك خلال استقبال الرئيس الأسد، بعد ظهر أمس، رئيس مجلس الوزراء اللبناني سعد الحريري والوفد الوزاري المرافق له، بحضور المهندس محمد ناجي عطري رئيس مجلس الوزراء، وعدد من الوزراء السوريين، ونصري خوري الأمين العام للمجلس الأعلى السوري اللبناني، بعد انتهاء اجتماعات هيئة المتابعة والتنسيق في دمشق أمس الأحد، حيث استمع الرئيس الأسد من الحريري وعطري إلى ما تم إنجازه خلال اجتماع الهيئة والاتفاقيات التي تم التوقيع عليها والتأكيد على «وجود رغبة مشتركة قوية لدفع آفاق التعاون خاصة في الجانب الاقتصادي، من أجل مضاعفة التبادل التجاري بين البلدين بما يحقق مصلحة الشعبين الشقيقين».

ووصف رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري علاقته بالرئيس بشار الأسد بأنها علاقة «مبنية على الصراحة والتفاهم، لأن في هذا مصلحة البلدين». وقال الحريري في مؤتمر صحافي مشترك مع رئيس الوزراء محمد ناجي عطري، في ختام اجتماعات هيئة المتابعة والتنسيق السورية اللبنانية قبيل لقائه بالرئيس الأسد «من خلال اللقاءات بدأت علاقة ودية لمصلحة المواطن السوري واللبناني، فنحن نمثل شعوبنا التي يجب أن تستفيد من هذه العلاقة، ويجب إقامة علاقة بين المؤسسات في البلدين». منوها «برعاية الرئيس الأسد المباشرة للعمل المشترك في تطوير العلاقة التي يحرص عليها ويرعاها بصورة دائمة أيضا الرئيس ميشال سليمان».

وفي ما يخص زيارة الرئيس الأسد إلى لبنان، قال الحريري «لبنان بلد ثان للرئيس الأسد»، لافتا إلى أن موعد الزيارة سيتحدد. وقال إن «هذا شأن رئاسي بين رئاستي البلدين، وإن شاء الله موعودون بأن تتم الزيارة قريبا».

واعتبر الحريري اجتماعات هيئة المتابعة والتنسيق «مهمة جدا لكل من لبنان وسورية»، لافتا إلى أن «مساحة المصالح المشتركة مساحة واسعة من اقتصاد وتجارة وثقافة وبيئة وأمن، وما يزيد من ضرورة تحصينها التهديدات التي يمثلها العدوان الإسرائيلي، وتحرير الأراضي العربية المحتلة في الجولان وجنوب لبنان على أساس مؤتمر مدريد ومبادرة السلام العربية». مشيرا إلى أن «لبنان يتعرض يوميا لانتهاكات العدو الإسرائيلي في أجوائه وأراضيه ومياهه، وأن لبنان يواجه التحديات بالوحدة الوطنية وبالاعتماد على الدعم العربي والشرعية الدولية».

وعن تعليقه على ما قاله الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله بأن المحكمة الدولية الخاصة بلبنان مشروع إسرائيلي، رفض الحريري التعليق على هذا الأمر وقال «هناك تحقيقات ومحكمة وهذا شأن لبناني»، مؤكدا أنه يريد التركيز «على العلاقة بين لبنان وسورية»، مضيفا «هذه العلاقة تأزمت في مرحلة من المراحل، والآن تبلورت وتحولت إلى «علاقة ودية وأخوية، وستكون هناك زيارات متبادلة، وهذا إنجاز»، متابعا «قاربنا كل الأمور بإيجابية، وليس من مبدأ تسجيل النقاط. المقاربة الإيجابية مهما كانت حساسة هي سبيل لبناء الثقة، وهذا ما حصل».

وحول احتمال أن يؤدي أي اتهام من المحكمة الدولية لحزب الله إلى فتنة طائفية في لبنان، دعا الرئيس الحريري الجميع إلى «التحلي بالهدوء والتعامل مع هذه الأمور بشكل ناضج. لا يوجد شيء يؤدي إلى الاحتقان». وقال «نحن نريد مصلحة لبنان، والهدوء هو المطلوب في كل مرحلة».

وشدد رئيس الوزراء اللبناني على أن العلاقة السورية اللبنانية لن تتأثر بأي خلاف لبناني لبناني. وقال «عندما أقول كلمة أكون صادقا، وأكون مسؤولا عنها، لن تؤثر العلاقات اللبنانية اللبنانية على ما جاء في البيان»، في إشارة إلى البيان المشترك الذي صدر عن اجتماع هيئة المتابعة والتنسيق.

من جانبه، تحدث رئيس مجلس الوزراء السوري محمد ناجي عطري عن أهمية الاجتماعات وما ستسفر عنه من «نتائج إيجابية تترجم توجيهات قائدي البلدين وتلبي آمال وتطلعات الشعبين والأمة العربية»، منوها بالجهود التي بذلها «وفدا البلدين خلال اجتماعات اللجنة التحضيرية من جهة الإعداد لهذا الاجتماع، وإنجاز الوثائق ومشاريع الاتفاقيات ومذكرات التفاهم والبرامج التنفيذية». وأكد أن أمن واستقرار سورية يعني أمن واستقرار لبنان، وأن لبنان قوي يعني سورية قوية، والعكس صحيح. وأعرب عطري عن الأمل في أن يعيد هذا اللقاء للعلاقات السورية اللبنانية «الحيوية والألفة المعهودتين»، مؤكدا ضرورة المضي بخطوات متقدمة تضاف إلى ما سبق تحقيقه في الميادين الاقتصادية والتجارية والاجتماعية والثقافية التي أسست لها معاهدة الأخوة والتعاون والتنسيق، وعززتها اجتماعات المجلس الأعلى السوري اللبناني والزيارات المتبادلة واللقاءات الدورية.

وقال عطري إن «مباحثات اليوم التي تجرى في أجواء تسودها الروح الإيجابية والثقة المتبادلة تعد ركيزة مهمة ومحطة نوعية لبحث ومناقشة آفاق التعاون الثنائي بين بلدينا». وأكد أهمية دور المجلس الأعلى السوري اللبناني في وضع السياسات العامة للتنسيق والتعاون بين البلدين في المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية والعسكرية والإشراف على تنفيذها.

وطلبت هيئة المتابعة والتنسيق السورية اللبنانية من اللجنة المشتركة لتحديد وترسيم الحدود البرية والبحرية بين البلدين «مباشرة أعمالها وفق ما تم الاتفاق عليه بأسرع وقت ممكن». كما تم الطلب من لجنة المفقودين «إنجاز المهمة المكلفة بها بأسرع وقت ممكن، ورفع تقرير مفصل عن أعمالها إلى رئيسي مجلسي وزراء البلدين، يتضمن الاقتراحات التي من شأنها أن تساعد على إغلاق هذا الملف».

وقال بيان مشترك صادر عن اجتماعات هيئة المتابعة والتنسيق السورية اللبنانية التي انعقدت برئاسة رئيسي مجلسي الوزراء في البلدين إن الجانبين اتفقا على «تفعيل التعاون والتنسيق بين البلدين في مجال السياسة الخارجية وفق ما نصت عليه معاهدة الأخوة والتعاون والتنسيق، وتكليف وزيري الخارجية في البلدين بوضع الآليات اللازمة لتفعيل أعمال اللجنة المشتركة للشؤون الخارجية»، وكذلك «التعاون والتنسيق في مجالي الدفاع والأمن، وتكليف لجنة شؤون الدفاع والأمن بوضع برنامج تنفيذي يتضمن القواعد والنظم التي من شأنها أن تحدد آليات عمل اللجنة بما يؤدي إلى تنفيذ بنود اتفاقية الدفاع والأمن». وتناولت الاجتماعات الأوضاع الإقليمية والدولية، وأكدت الالتزام «بالعمل العربي المشترك والسعي لتحقيق التضامن العربي الفعال»، وتم التركيز على أهمية التشاور والتنسيق بين البلدين في «القضايا السياسية، لا سيما ما يتعلق منها بالصراع العربي الإسرائيلي للأراضي العربية، ومواصلة إسرائيل سياساتها وتهديداتها العدوانية تجاه الأمة العربية». ودعا الجانبان إلى «تحقيق السلام العادل والشامل في المنطقة وفقا لقرارات الشرعية الدولية ومرجعية مؤتمر مدريد ومبادرة السلام العربية التي أقرتها القمة العربية في بيروت عام 2002 بما يضمن استعادة الشعب الفلسطيني لحقوقه المشروعة بما في ذلك التأكيد على حق العودة ورفض التوطين، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس، وانسحاب إسرائيل التام من الجولان السوري المحتل حتى خط الرابع من يونيو (حزيران) 1967، ووضع حد لاستمرار انتهاك إسرائيل الفاضح لسيادة لبنان وسلامته الإقليمية، حيث أكد الجانبان على ضرورة انسحاب إسرائيل من مزارع شبعا اللبنانية وتلال كفر شوبا والجزء الشمالي من الغجر كما تقضي قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة».

وفي المجال الاقتصادي، دعا البيان إلى مواصلة العمل على تطوير الآليات اللازمة لتسهيل انسياب السلع والبضائع بين البلدين، بهدف زيادة حجم التبادل التجاري وتأمين مقومات التكامل الاقتصادي، وصولا إلى إقامة سوق مشتركة. وشدد الجانبان على «متابعة العمل المشترك من أجل ضبط الحدود ومكافحة التهريب وكل الأعمال المخالفة للقوانين، واستمرار التنسيق بين السلطات المعنية في البلدين من خلال آليات تواصل سريعة تتولى المتابعة اليومية حول الإجراءات على جانبي الحدود. والسير قدما في تنفيذ ربط البلدين عبر السكك الحديدية، واتخاذ جميع الإجراءات المطلوبة للإسراع بإعادة تأهيل خط حديد طرابلس – حمص، وخط حديد رياق - دمشق، وإقامة منطقة صناعية مشتركة حدودية، وتشكيل لجنة فنية مشتركة لدراسة تفاصيل إنشاء هذه المنطقة».

ودعا بيان هيئة المتابعة والتنسيق السورية اللبنانية إلى «تفعيل مجلس رجال الأعمال السوري اللبناني، والطلب من جميع اللجان الوزارية المشتركة تكثيف اجتماعاتها لبحث جميع الأمور العالقة واتخاذ القرارات المناسبة». كما أشادت الهيئة بالتطورات الإيجابية التي شهدتها العلاقات السورية اللبنانية، مؤكدة «تصميم الجانبين على السير قدما في تعزيز وتطوير هذه العلاقات وإزالة كل ما من شأنه أن يعرقل مسيرة التعاون الثنائي وتنفيذ الاتفاقيات القائمة بين البلدين».

وفي ختام اجتماعات هيئة التنسيق والمتابعة السورية اللبنانية برئاسة رئيسي وزراء البلدين، جرى التوقيع على 18 اتفاقية وبرنامجا تنفيذيا ومذكرة وبروتوكولا، شملت مذكرة تفاهم للتعاون في مجال حماية المستهلك، وبروتوكول تعاون في مجال تبادل المنتجات الصيدلانية، ومذكرة تفاهم وتعاون في مجال البيئة، واتفاق تعاون لمكافحة المخدرات، واتفاقا بشأن نقل الأشخاص المحكوم عليهم، واتفاقية الملاحة البحرية التجارية، وبرنامجا تنفيذيا للتعاون الثقافي للأعوام من 2010 إلى 2012.

كما تم التوقيع على اتفاق خاص بالتعليم العالي والبحث العلمي، واتفاق تعاون وتنسيق في مجال التربية، واتفاقية تعاون في مجال الصحة الحيوانية والحجر الصحي البيطري، واتفاقية تعاون في المجال الزراعي، واتفاقية تعاون في مجال وقاية النبات والحجر الصحي النباتي والمبيدات الزراعية، واتفاقية حول توحيد قواعد وترخيص استيراد الأدوية واللقاحات البيطرية. وذلك بالإضافة إلى برنامج خاص بالتعليم الفني والمهني والتقني للأعوام من 2010 إلى 2012، وبروتوكول ملحق باتفاقية تجنب ازدواج التكليف الضريبي، ومنع التهرب الضريبي فيما يتعلق بالضرائب على الدخل، بالإضافة إلى محضر اجتماع هيئة المتابعة والتنسيق السورية اللبنانية الذي وقعه عطري والحريري.

وبدأت هيئة المتابعة والتنسيق السورية اللبنانية اجتماعها في مبنى رئاسة الوزراء في دمشق صباح أمس، برئاسة رئيس مجلس الوزراء محمد ناجي عطري، ورئيس مجلس الوزراء اللبناني سعد الدين الحريري، الذي وصل سورية صباح أمس على رأس وفد ضم 13 وزيرا، وناقشت الهيئة ما توصلت إليه اللجنة التحضيرية السورية اللبنانية خلال اجتماعاتها التي عقدت الشهر الماضي، من نتائج حول الملاحظات المقدمة من الجانبين لتعديل وتطوير الاتفاقيات السابقة، وعقد اتفاقيات جديدة تخدم مصالح البلدين وتواكب التطورات التي شهدها البلدان خلال الفترة الماضية.

وقبل الاجتماع، التقى عطري والحريري، وبحثا «علاقات التعاون الأخوي بين البلدين والإرادة المشتركة لتطويرها وتوسيع آفاقها بما يستجيب لتطلعات وآمال الشعبين الشقيقين».

وأكد رئيسا وزراء البلدين الحرص على «تعزيز علاقات التعاون في إطار معاهدة الأخوة، والتعاون والتنسيق في المجالات الاقتصادية والسياسية والتنموية وغيرها من المجالات الأخرى، وضرورة تفعيل عمل المجلس الأعلى السوري اللبناني، وتنسيق النشاطات والمواقف في مجالات السياسة الخارجية». كما استعرضا موضوعات التعاون المدرجة على جدول أعمال هيئة المتابعة والتنسيق.

وعلى هامش الاجتماعات، وصف وزير الأشغال العامة والنقل اللبناني غازي العريضي، زيارة الرئيس الحريري إلى سورية بأنها «استثنائية ومميزة، وتعبر عن طبيعة العلاقات اللبنانية - السورية المميزة التي أشار إليها اتفاق الطائف»، لافتا إلى أن «الطموح لا حدود له» في العلاقات السورية – اللبنانية. وقال «نحن دائما في تطور، إذ يجب أن نواكب تطورات العصر بما فيه خدمة الشعبين اللبناني والسوري».

وزير الداخلية اللبناني زياد بارود قال إن وزارته تتعامل مع ملف العمال السوريين الذين قتلوا في لبنان انطلاقا من رأي القضاء، وقال «ما يرد من القضاء نتعامل معه، وواجب الجميع أن يتعاون، وأي إشارة من القضاء تتحرك بموجبها القوى الأمنية»، مشيرا إلى أن «كل ما ورد سابقا تم التحرك بشأنه». وحول التنسيق بين وزارتي الداخلية السورية واللبنانية، أكد بارود «التنسيق قائم على الأقل منذ زيارتي الأخيرة عام 2008، وهذا التنسيق مستمر على أكثر من صعيد، وعلى مستوى المؤسسات الأمنية ومستوى التنسيق المباشر بيني وبين وزير الداخلية السوري». وتعليقا على سؤال حول حديث الأمين العام لحزب الله اللبناني حسن نصر الله عن وجود تقصير أمني لبناني في ملاحقة عملاء إسرائيل قال بارود «نعطي الموضوع كل الأهمية، لكن ليس بوارد أن أجيب قبل سلوك الطرق الإجرائية المناسبة».