العقوبات الجديدة تعيق أعمال الشحن الإيرانية

تواجه السفن التي تحمل أعلاما إيرانية مشكلات في جميع أنحاء العالم

TT

في أعقاب أسابيع قليلة من قرار الأمم المتحدة فرض حزمة جديدة من العقوبات على إيران، تقوضت قدرة طهران على شحن البضائع الضرورية بشكل ملحوظ، نظرا لإحجام كثير من شركات التأمين البحري العالمية عن التعامل مع شركات الشحن الإيرانية خشية الوقوع تحت طائلة القوانين الأميركية. وتشكل الإجراءات الجديدة اختبارا جديا لإيران، خاصة أن العقوبات الأميركية، التي تهدد بمعاقبة الشركات الأجنبية التي تبيع الوقود والمنتجات البترولية المكررة الأخرى إلى إيران، قد أجبرت الموانئ الشركات في جميع أنحاء العالم إلى إعادة تقييم أعمالها مع إيران. وكانت العشرات من السفن الإيرانية التي تنقل البضائع والمعدات الصناعية والبضائع الأخرى والموارد من وإلى الجمهورية الإسلامية قد رفض طلب التغطية التأمينية الخاصة بها لأسابيع، حسب قول أحد ممثلي شركة تأمين. وقال محمد روناغي، نائب مدير «سي بارس»، الشركة الإيرانية التي تقدم الخدمات لمالكي السفن وشركات التأمين البحري على مستوى العالم: «تواجه السفن التي ترفع العلم الإيراني مشكلات في جميع أنحاء العالم، لأنها لا تملك في الوقت الحالي أي تغطية تأمينية بسبب العقوبات الجديدة، ومن ثم فإن غالبية الموانئ سترفض التعامل معها إذا لم يتم تأمينها ضد الأضرار المحتملة».

وفي صفعة أخرى لطهران أعلنت شركة «لويد» للتأمين البحري أنها ستوقف تأمين واردات البنزين لإيران، في خطوة قال المحللون إنها قد تشجع شركات التأمين الأخرى على انتهاجها. ويقول شين ماكجفرن، المستشار العام لشركة «لويد» في بيان صحافي: «ستواصل (لويد) امتثالها للعقوبات المطبقة، فالولايات المتحدة سوق مهمة بالنسبة لشركة (لويد) وفي اعتراف بذلك فإن السوق لن تقوم بتأمين أو إعادة تأمين المشتقات البترولية المتجهة إلى إيران». لكن روسيا والهند أوضحتا أنهما تنويان استمرار التجارة المشروعة مع إيران، وهو ما يعطي طهران أملا في أن تستمر بعض الدول في قبول حل أزمة التأمين: التغطية التي تضمنها الحكومة الإيرانية. وقال حسين دجمار، المدير الإداري لخطوط الشحن البحري للجمهورية الإيرانية التي تملك 160 سفينة في أسطولها البحري: «لم تؤثر العقوبات علينا كثيرا، فهناك كثير من الموانئ على مستوى العالم، وسنبحر إلى الدول التي ترغب في التجارة معنا». وخلال الأسابيع الأخيرة أجرت شركة الخطوط الملاحية للجمهورية الإسلامية الإيرانية التي تمت خصخصتها قبل أربع سنوات وصارت هدفا خاصا للعقوبات، محادثات مع عدد من الشركات لإعادة التأمين على أسطول سفنها، بحسب ممثل لشركة تأمين بحري هولندية، طلب عدم ذكر اسمه، بسبب حساسية القضية. وقال: «إن شركة الشحن تسعى إلى الحماية والتعويض من الخطر، فالتأمين يعد ضرورة للدخول إلى جميع الموانئ على مستوى العالم. فقد طلبوا منا المساعدة، لكن لدينا كثير من الأعمال والمصالح في الولايات المتحدة ولذا فنحن مجبرون على رفض طلبهم». العقوبات الجديدة ستؤدي أيضا بموردي الوقود في أوروبا والشرق الأوسط إلى رفض إعادة تزويد الطائرات الإيرانية بالوقود، وقال محمد جلالي، مدير قطاع طيران إيران والمقيم في أمستردام، مشيرا إلى وجود 4 ملايين إيراني يعيشون في الخارج: «هذه الإجراءات تضر بالإيرانيين لا بالحكومة». في الوقت نفسه ألغت شركة «بريتش بتروليم» عقدها مع طيران إيران في هامبورغ بألمانيا، متعللة بالعقوبات الجديدة. حتى أن مؤسسة الاختبار التعليمية، ومقرها أميركا، أوقفت عملية التسجيل لاختباراتها في إيران بسبب العقوبات الدولية الجديدة، مما يجعلها غير قادرة على تلقي أموال من الجمهورية الإسلامية. اختبار اللغة الإنجليزية كلغة أجنبية الذي تقدمه الشركة شرط للقبول في الجامعات على مستوى العالم ومن المتوقع أن تؤدي الخطوة إلى ضياع فرص الشباب الإيرانيين في التعليم بالخارج. وفي محاولة لإجبار إيران على وقف تخصيب اليورانيوم فرض مجلس الأمن الشهر الماضي حزمة جديدة من العقوبات المالية والعسكرية على إيران، بما في ذلك مطالبة الدول بمنع مؤسساتها المالية من تأمين أو إعادة تأمين السفن المشتبه في حملها مكونات أسلحة محظورة. وقد طلب من الأعضاء أيضا إبلاغ الأمم المتحدة بالجهود الإيرانية لإنشاء شركات واجهة لإخفاء أنشطة الشحن الإيرانية. كما تبنى الكونغرس الشهر الحالي عددا من التدابير الأكثر صرامة التي تستهدف الشركات الأجنبية التي تبيع البنزين والمشتقات البترولية الأخرى إلى إيران. وعلى الرغم من كون إيران ثاني أكبر منتج للنفط في العالم، فإنها تفتقر إلى إمكانات تكرير النفط وتعتمد على الموردين الأجانب في الحصول على ما يقرب من خمسة ملايين غالون من البنزين يوميا. وتزعم إيران أن برنامجها النووي يخدم أهدافا سلمية، لكن الولايات المتحدة والدول الأخرى تعتقد أن إيران تسعى لبناء قوة نووية. وفي خطوة انتقامية، أقر البرلمان الإيراني يوم الثلاثاء تشريعا طالب فيه بتفتيش أي سفينة تابعة لدولة تقوم بتفتيش السفن الإيرانية بموجب العقوبات. وأوضح القادة الإيرانيون أن هذا النوع من التفتيش سيتم في مضيق هرمز. وأغضبت العقوبات الأميركية كثيرا من الحكومات مثل روسيا والصين والهند، التي زعمت أن الولايات المتحدة لا تملك الحق في فرض القوانين الأميركية على شركاتها من جانب واحد. وقد التقى سيرجي شماتكو، وزير الطاقة الروسي يوم الأربعاء بنظيره الإيراني مسعود مير كاظمي الذي قال فيما بعد إن موسكو لا تنوي الالتزام بالقوانين الأميركية. وقال الوزير الروسي: «العقوبات الأميركية لن توقفنا. إذا كانت هناك مصالح تجارية وشروط مغرية فالشركات الروسية مستعدة لتزويد إيران بالمنتجات النفطية. كما قالت الهند أيضا إنها ستتجاهل العقوبات الأميركية». ويرى الخبراء أن السفن التي ترفع أعلاما أجنبية قد تواجه مشكلات بالإبحار إلى الموانئ الإيرانية، فشركات النقل البحري غالبا ما تستأجر السفن وتستأجر أجزاء من مساحة الحمولة، وغالبا ما تميل شركات الشحن إلى تعهيد الحمولات إلى متعاقدين فرعيين. وقال ممثل شركة التأمين الهولندية: «إن الشركات يجب أن تثبت للحكومة الأميركية أنها تمارس العناية اللازمة في التأكد من أن الحمولات لا تحمل منتجات ممنوعة. ولذا ستتغاضى كثير من الشركات عن العمل الورقي». ويبدي أصحاب شركات النقل الخاصة قلقا من المستقبل، فقد زادت أسعار البضائع المستوردة ومن بينها المنسوجات الصينية والسيارات الفاخرة الألمانية بنسبة 50 في المائة في عهد أحمدي نجاد. وقال أصحاب شركة نقل دولية مقرها طهران: «كيف سنحضر هذه المنتجات إلى إيران إذا لم تكن هناك سفن؟ ففي عالم اليوم سيكون من الصعب الالتفاف على العقوبات».. هناك كثير من الدلائل الباعثة على التشاؤم التي تلوح في الأفق بالنسبة لشركات النقل الإيرانية، حيث يتوقع أن يقر الاتحاد الأوروبي حزمته الجديدة من العقوبات ضد إيران خلال الأيام القليلة المقبلة. وكانت بعض شركات التأمين التابعة للحكومة الإيرانية قد سعت الأسبوع الماضي إلى تهدئة مخاوف شركات التأمين وعهدت بوضع مليار دولار كضمان. لكن العرض قوبل برد فاتر، بحسب ممثل شركة التأمين الهولندية. وشرح السبب وراء ذلك بالقول: «تخيل أن ناقلة نفطك اصطدمت بسفينة سياحية أميركية في هونغ كونغ، لن يكفي المليار دولار لتغطية التأمين».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»