منتدى أصيلة: تباين في الآراء حول الموقف الأوروبي من الهجرة

وزير مغربي: الأوروبيون لم يوصدوا الأبواب

TT

أقر مشاركون في ندوة حول الهجرة بأن أوروبا بلغت مرحلة التشبع من المهاجرين، وأن عصر الهجرة إلى القارة العجوز قد ولى إلى غير رجعة، وأن الأولوية الآن لعمليات الإدماج الثقافي للمهاجرين، في إطار تنوع وتعدد ثقافي. بيد أن مسؤولا حكوميا مغربيا قال إن أوروبا لم تغلق الأبواب بعد.

وقال محمد عامر وزير الجالية المغربية المقيمة بالخارج في ندوة «الهجرة وحكم القانون بأوروبا» التي نظمت ضمن فعاليات موسم أصيلة لثقافي، إنه لا يجب النظر إلى الهجرة على اعتبار أنها مشكلة بل هي تساهم في تراكم لثروات الدول الأوروبية سواء كان المهاجرون لهم كفاءات علمية أم طاقات بسيطة. وأوضح أن منظمة التعاون والتنمية الأوروبية أشارت إلى ضرورة استقبال مهاجرين بعد التحسن الذي عرفه الاقتصاد الأوروبي.

بيد أن عامر أشار إلى أنه وعلى الرغم من التوصيات الدولية فيما يخص موضوع الهجرة، فما زال هناك توجه في أوروبا يقيد السياسات والقوانين، وينظر إليها من زاوية الأمن، ويربطها بالبطالة وتشويه صورة ثقافة المهاجرين، والتأثير على حقوقهم ومكتسباتهم التي حصلوا عليها منذ سنوات. وأضاف أنه يجب وضع إجراءات متناسقة لمعالجة قضايا المهاجرين وتحقيق التوازن بين الأمن والحفاظ على حقوق المهاجر، وكذا إبرام مجموعة من الاتفاقيات التي تهدف إلى الحفاظ على الهوية الثقافية واللغوية وإدخال مقتضيات تكرس حقهم وتحافظ على كرامتهم. من جهته قال محمد بن عيسى مدير عام مؤسسة منتدى أصيلة أن طرح موضوع الهجرة ضمن فعاليات أصيلة، يأتي من باب اهتمام المؤسسة بقضايا فئة من المواطنين. وأشار إلى أن ظاهرة الهجرة أصبحت موضع انشغال الدول المستقبلة للمهاجرين سواء عن طريق سياسات وتشريعات تدعو إلى الحد منها أو عبر ابتكار صيغ مغرية للتخلص من المهاجرين وإعادة ترحيلهم دون تشاور مسبق وتنسيق مع الحكومات المعنية.

وأوضح بن عيسى أنه يقدر ظروف الأزمة الاقتصادية والمالية التي تجتازها عدد من الدول الأوروبية لكننا «لا نقبل أن تنفرد الدول المستقبلة باتخاذ قرارات وإجراءات من جانب واحد بحق المهاجرين». وانتقد بن عيسى هذه التشريعات التي تتسم بتأليب الرأي العام الداخلي ضد المهاجرين والتي وصفها بكونها ذات أقنعة عنصرية، تستهدف تعبئة الأوروبيين وبث مشاعر الريبة والتوجس والخوف في نفوسهم من الأجنبي. ومن الأوروبيين المشاركين في الندوة قال روبرت ماكروكودال مدير المؤسسة البريطانية للقانون المقارن والدولي إن سياسة القانون هي مفهوم جديد، وإن جميع قطاعات المجتمع خاضعة للقانون، ولا يوجد كيان فوقه. وأضاف أنه يتوجب في أي قانون أن يكون واضحا ومفهوما وأن يطبق على الجميع ويوفر حماية حقوق الإنسان وكذا تسوية النزاعات دون تكليف واعتماد مبدأ حسن النية بتطبيقه وأن يكون منصفا، ومستقلا ويمتثل للشرعية القانونية ويتجنب التمييز ويحافظ على الحكمة والعدالة. وأشار إلى ظاهرة تنامي أعداد اللاجئين في منطقة شمال أفريقيا وقال إن هذا النوع من الهجرة يخل بالشرائح الضعيفة الذين يبحثون بدورهم عن اجتياز الحدود وتحسين أوضاعهم.

وتطرقت حورية العلمي المشيشي أستاذة الحقوق بجامعة محمد الخامس والمختصة بقضية الهجرة إلى موضوع المرأة المهاجرة على اعتبار أن أوضاع المرأة تختلف عن الرجل، وقالت إنه يجب تطبيق مبدأ تكافؤ الفرص لأن المرأة المهاجرة مهمشة في السياسات المتعلقة بالهجرة. ويتم اعتبار المهاجرات كمرافقات لا منتجات. واستعرضت العلمي مراحل هجرة المرأة من المغرب قبل السبعينات من القرن الماضي حيث كن مجرد مرافقات لأزواجهن، ليصبحن طاقة منتجة مهمة في المستقبل. وأشارت العلمي إلى المهن التي تزاولها النساء المهاجرات والتي تتركز غالبيتها في مهن النظافة والعناية الشخصية والفلاحة الموسمية على الرغم من وجود بعض الاستثناءات، وتطرقت إلى مشكلات الهجرة الموسمية النسائية التي تطرح بعض المشكلات التي تخص الانتقاء والتمييز بحق النساء والرجال لأنه يفضل أن تكون العاملة امرأة، لأنها الأفضل وضرورة أن تكون متزوجة لأنها تمتثل أكثر للقوانين ولا تحتج ويتم ضمان عودتها بعد انتهاء عملها. وهذا يدخل في إطار التمييز الجنسي ويخل بمبدأ تكافؤ الفرص.

وأشار دومينيك فوليمو رئيس رابطة المحامين الفرنسيين لدى الاتحاد الأوروبي إلى أن الاتحاد الأوروبي انبثق اعتمادا على فكرة حرية تنقل الأشخاص، مشيرا إلى أن الاتحاد تأسس من أجل هذا الغرض. وقال إن هذا الهدف لم يتحقق، ولم تتحقق طموحات المواطنين الأوروبيين كما كان متوقعا. وتطرق إلى موضوع اتخاذ القرارات بالاتحاد الأوروبي الذي أصبح ينبني على قاعدة الأكثرية في برلمانات الدول وكذا في البرلمان الأوروبي. ويري دومينيك أن سياسة الهجرة عرفت تقدما وتعيش مرحلة انتقال من الأهداف الحمائية إلى مبدأ التعاون المشترك. وأكد وجود نظرة اقتصادية في التعامل مع موضوع الهجرة.

واعتبر رفيق حسن، عضو البرلمان الجزائري أن السياسة الأوروبية أصبحت تتميز بالصرامة تجاه الهجرة وتفرض قيودا لتنظيمها. وقال إن الخطاب الأوروبي حول الموضوع يتميز بغموض وأفكار شديدة اللهجة ويخلط بين الهجرة والأمن والإرهاب، وأن أوروبا تخاف من التدفقات الجديدة. وزاد قائلا إن الأزمة الاقتصادية أنتجت ردود فعل قوية وانتقادا للمهاجرين خاصة مع تصاعد التوجه اليميني المتطرف الذي حقق نجاحا كبيرا في الانتخابات وروج لهذه الأفكار لتحقيق أهداف شعبوية. وهذا ما يفسر تقلص نسبة التصويت بالدول الأوروبية. وقال حسن إن القوانين تعطي الحق للمواطن بمغادرة بلده لكنها لا تعطيه الحق في الوصول إلى بلد آخر. مضيفا أن الهجرة ظاهرة طبيعية وفرصة إيجابية وتأتي امتدادا لبناء العلاقات التاريخية.

من جهة أخرى، قالت عواطف عابدة أستاذة القانون الدولي الخاص وباحثة بانثربولوجيا القانون بجامعة باريس إن المهاجر يعيش في وضع غير واضح ولا يفهم القوانين التي تضمن حقوقه. وتطرقت إلى تعدد قوانين حسب الجنسية وكذا تغيير التشريعات باستمرار والإخلال بالالتزامات الدولية بسبب الاحتياجات الاقتصادية والاجتماعية والسكانية. وأوضحت أن القواعد غير مستقرة ويمكن تعديلها بأي وقت دون علم المعني بالأمر ولا يستطيع لذلك المهاجر الطعن في القرارات المتخذة بشأنه. وأضافت أن المهاجر تفرض عليه واجبات كالاندماج والالتزام بتطبيق مبادئ الدول الأوروبية ومعرفة اللغة وقيم الدول.