حرب مدونات بسبب بناء مسجد قرب موقع مركز التجارة العالمي

بلومبيرغ عمدة نيويورك: نؤكد رسوخ مبدأ التسامح.. وهو رسالة عظيمة نوجهها للعالم

TT

يصعب أن تجد دينا في العالم ليس له أثر في نيويورك، التي تؤكد رسوخ مبدأ التسامح. لكن نزاعا نشب بسبب خطط لتشييد مسجد في منهاتن قرب المنطقة المعروفة باسم «غراوند زيرو» (نقطة البداية). لقد أصبحت تلك البقعة من أرض مانهاتن مقدسة بالنسبة لمعظم المواطنين الأميركيين بعد هجوم نفذه إسلاميون متطرفون اختطفوا طائرتي ركاب يوم الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) 2001 لتفجير برجي مركز التجارة العالمي، حيث قتل قرابة الثلاثة آلاف شخص. وقالت باميلا جيلر، وهي مدونة محافظة، خلال مقابلة مع شبكة «سي إن إن» الإخبارية: «نشعر أنه ينبغي تكريم المقبرة والمنطقة المقدسة.. (لكن) أن يتم بناء مسجد ضخم بارتفاع 13 طابقا فوق المقبرة.. فوق موقع أكبر هجوم في التاريخ الأميركي.. أعتقد أن ذلك أمر لا ينم عن أي مراعاة للمشاعر على الإطلاق». تقضي خطط وافق عليها مجلس بلدية مانهاتن بالفعل ببناء مركز ديني في «بارك بليس» التي يشغلها حاليا قصر يرجع تاريخه لمائة وخمسين عاما، وأفكار بنائه مستوحاة من النمط الفني لعصر النهضة الإيطالية، ويتكلف بناء المركز مائة مليون دولار. المخططات تشير إلى أن القصر سيتم هدمه واستبدال مركز إسلامي ثقافي به، يقول القائمون عليه إنه سيكون مجمعا للقاء المسلمين والمسيحيين معا. لكن البناء الأساسي سيكون مسجدا ضخما، يكافح معارضوه حاليا أمام لجنة الحفاظ على المعالم التاريخية.

وتصف إحدى معارضات المشروع خطط تشييد المسجد خلال اجتماع للجنة في 13 يوليو (تموز) قائلة: «إنه سيكون نصبا تذكاريا للإرهاب». وقالت المرأة إنها تشعر أن تدمير المبنى القديم لإيجاد مساحة لبناء المسجد سيكون «خطأ بشعا». ويتعين على لجنة الحفاظ على المعالم التاريخية أن تتخذ قرارا بشأن ضم القصر للمعالم ذات الأهمية التاريخية، ومن ثم تعرقل خطط تحويله أو هدمه لاستخدام الموقع لأغراض أخرى، ومن المتوقع أن تصوت اللجنة في وقت لاحق هذا الصيف على ما إذا كان المبنى يفي بمعاييرها أم لا. عادة ما تتسم اجتماعات اللجنة بالرزانة والهدوء، لكن جلسة الاستماع التي عقدت الأسبوع الماضي شهدت ارتفاع نبرة الغضب، حيث أعرب المسلمون وغير المسلمين عما يجيش بداخلهم من إحباط. وقالت دانيا درويش، وهي امرأة كانت تغطي شعرها بغطاء رأس، وقد توفي شقيقها الذي كان يعمل رجل إطفاء، عندما انهار البرجان: «ربما إذا شيد المسجد يا رفاق.. عرفتم ما هو الإسلام.. أسرتي ماتت ذلك اليوم وكل ذويكم ممن يصرخون في وجهي لا يدركون ذلك».

رفيق قثواري، مواطن يقيم في نيويورك، ويصف نفسه بأنه مسلم معتدل ذو جذور عربية، قال إنه «يخجل من كونه أميركيا اليوم»، ملوحا بجواز سفره الأميركي فوق رأسه. «لقد حولت أقلية لها صوت مسموع هذه القضية إلى (قضية) تعصب أعمى». وقال ريك لاتسيو، مرشح الحزب الجمهوري لمنصب حاكم الولاية، إنه يؤيد بدوره ضم المبنى القائم لقائمة المعالم التاريخية بسبب أهميته التاريخية والمعمارية.

ونقلت صحيفة «واشنطن بوست» عن لاتسيو قوله إن تصميم المبنى يستحق إضافته للمعالم التاريخية، حيث انهالت عليه في الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) كميات هائلة من الركام الناتج عن الهجمات الإرهابية، ما يجعله «موقعا ذا أهمية تاريخية عميقة، ومذكرا بما حدث لنيويورك في أحلك أيامها».

وخرجت تصريحات أكثر اعتدالا من قبل أقارب ضحايا الهجمات. وقالت سالي ريجنهارد، وهي أم فقدت ابنها الذي كان يعمل إطفائيا جراء انهيار البرجين، ولا تزال تجد صعوبة في الاقتراب من الموقع، لصحيفة «نيويورك تايمز»: «الناس تتهم بمناهضة الإسلام وبالعنصرية.. لكنها مسألة حساسية فحسب.. من الصعب على المرء الذهاب إلى بؤرة الجحيم والموت تلك».

على الجانب الآخر، دافع ممثلو الجالية المسلمة وعمدة نيويورك عن المشروع المقترح.

وقال إبراهيم رامي، وهو مسلم أميركي، من مؤسسة «فريدوم فاونديشن» عبر «سي إن إن»: «نقول إن المسلمين لهم دور مشروع ليقوموا به في النسيج الاجتماعي لهذا البلد». وألقى شريف الجمال، وهو المسؤول عن وضع خطط المجمع ورئيس الشركة المالكة للعقار، باللوم على وسائل الإعلام في إشعال فتيل هذا الجدل المستعر. وقال: «هناك نوع من الجهل بالإسلام.. وهذا صوت مسلم معتدل».

وقال مايكل بلومبيرغ، عمدة المدينة، الذي يقع مكتبه على بعد عدة دقائق من «بارك بليس»، إن المدينة لن تفرض على الناس مكانا أو موقعا محددا يقيمون فيه صلاتهم «إن كل ما ترمز له الولايات المتحدة و(مدينة) نيويورك هو التسامح والانفتاح.. وأعتقد أنها رسالة عظيمة (نوجهها) للعالم».