موظفة الزراعة المفصولة تحرج أوباما وتعيد علاقات السود والبيض إلى الواجهة

الرئيس اعتذر.. وآراء السود انقسمت بشأن شيرلي

TT

رغم اعتذار الرئيس الأميركي باراك أوباما لمسؤولة في وزارة الزراعة وسط تطورات مثيرة عكست حساسية العلاقات العنصرية بين البيض والسود، أوضح استفتاء أمس أن شعبيته تستمر في الانخفاض. وأن أول رئيس أسود لأميركا لن يقدر على القضاء على آثار قوانين التفرقة العنصرية، وربما لن يقدر على الفوز مرة ثانية في الانتخابات الرئاسية بعد سنتين.

وتعمد البيت الأبيض نشر فيديو يصور أوباما يخرج من مكتبه الرسمي في البيت الأبيض إلى مكتب خاص مجاور، ويتصل هاتفيا بشيرلي شيرود، الموظفة في وزارة الزراعة، ويعتذر لها لأن وزير الزراعة كان فصلها في اليوم السابق.

لكن رغم أن شيرلي شيرود، بعد اتصال أوباما، قالت في مؤتمر صحافي إنها تقدر مبادرة رئيس الولايات المتحدة، أضافت أن أوباما لن يقدر على الخروج من «مأزق التفرقة العنصرية» في أميركا، وأن عليه «أن يواجه هذه المشكلة العميقة بشجاعة».

وعندما اتصل أوباما بشيرود للاعتذار يوم الخميس أكدت شيرود على أنه يجب عليه القيام بالمزيد. وقالت شيرود للمحرر بصحيفة «واشنطن بوست» جوناثان كابهارت خلال مقابلة معها قبل ساعات قليلة من حديثها مع الرئيس أوباما: «يمكن للرئيس أن يطرح هذه القضية ويقوم بالكثير من أجل المساعدة على بدء العلاج، إذا نظر إلى ما حدث كما ينبغي. ولا أعتقد أن يستطيع حل القضية بنفسه. ولكن بحكم موقعه يمكنه القيام بالكثير لجعل البلاد تصل إلى مرحلة تمكنها من التعامل مع هذه القضية». وأضافت: «ما حدث معي كانت محاولة للهرب من ذلك»، وسواء كان ذلك صحيحا أم لا فقد كان موضوع العرق وسيلة للتواصل مع أوباما.

وقال مراقبون في واشنطن إن تصريحات شيرلي شيرود توضح أنه، بالإضافة إلى توتر العلاقات العنصرية بين البيض والسود، ظهر توتر وسط السود، وخصوصا نحو أوباما الذي يعتبره بعض السود «نصف أسود» لأن والده أسود من كينيا ووالدته بيضاء من ولاية كنساس.

وبدأت مشكلة شيرلي شيرود التي أثيرت خلال الأيام الأربعة الماضية، قبل فترة، فخلال مؤتمر للاتحاد الوطني للملونين (إن إيه إيه بي) تحدثت شيرلي شيرود، وقالت إنها لم تعد تكره البيض، وصارت «متسامحة» بعد أن كانت «غاضبة». وأشارت إلى حادث عندما كانت مسؤولة عن صرف تعويضات وزارة الزراعة لمزارعين في ولاية جورجيا، قالت إنها في البداية تعمدت عدم صرف مستحقات كاملة لعائلة بيضاء، «بسبب آثار الماضي، وانتقاما لتجارة الرقيق وظلم البيض للسود»، لكنها في وقت لاحق غيرت رأيها، وأنصفت العائلة.

واستغلت إذاعات وتلفزيونات يمينية ومحافظة عبارة «الانتقام»، وقالت إن شيرلي شيرود «عنصرية سوداء». ووزعت الجزء الذي قالت فيه ذلك، وأهملت الجزء الذي قالت فيها إنها تغيرت، ولم تعد تفرق بين البيض والسود.

ويوم الثلاثاء، واعتمادا على إذاعات وتلفزيونات يمينية ومحافظة، أمر توم فيلساك، وزير الزراعة، بفصل شيرلي شيرود. لكن يوم الأربعاء، عندما ظهر في الإنترنت وفي قنوات التلفزيون أنها قالت أشياء أخرى، اعتذر الوزير.

غير أن صحيفة «واشنطن بوست» قالت إن هناك من يعتقد أن الرئيس أوباما، أيضا، صدق القنوات والتلفزيونات اليمينية والمحافظة، وأنه هو الذي طلب من وزير الزراعة فصل شيرلي شيرود، ثم عندما تأكد له أنها قالت شيئا مختلفا غيّر رأيه، وطلب من وزير الزراعة أن يغير رأيه، وأن يعتذر.

اعتذر وزير الزراعة لأنه فصلها، واعتذر روبرت غيبس، المتحدث باسم البيت الأبيض، لأن الأخبار قالت إن وزير الزراعة كان اتصل أربع مرات بالبيت الأبيض قبل الفصل. ولأن البيت الأبيض «يريد التحقيق في سبب فصل شيرلي شيرود سريعا، ودون التحقيق معها».

ومع اعتذار وزير الزراعة عرض على شيرلي منصبا أكبر براتب أعلى، لكنها قالت إنها تخاف، إذا عادت، من أنها ستعامل بطريقة مختلفة، إما سلبا لأنها «تطاولت»، وإما إيجابا لأنها صارت «مميزة». وفي كلتا الحالتين يهمها أكثر أن وزارة الزراعة «يجب أن تكون خالية من التفرقة العنصرية».

وأمس، في إذاعة محلية في واشنطن، اتصل سود وعبروا عن رأيين مختلفين: في جانب، قال بعضهم إن شيرلي شيرود «انتهازية»، وتريد استغلال ما حدث لها وتحصل على وظيفة كبيرة براتب عالٍ في وزارة الزراعة. وإنها قد تريد اأن تكون سياسية. وتهكم واحد بأنها قد تريد أن تترشح لرئاسة الجمهورية، بدلا عن أوباما.

وفي الجانب الآخر قال سود إن شيرلي شيرود تعبر عن رأي كثير من السود الذين صوتوا لأوباما، وسيصوتون له إذا ترشح مرة أخرى، لكنهم يرونه «يتودد للبيض أكثر مما يجب». وبينما قال بعضهم إن سبب ذلك هو أنه يريد أن يترشح مرة ثانية لرئاسة الجمهورية، ولا يريد أن يفقد أصوات البيض، قال آخرون إن السبب الأساسي هو أنه «نصف أسود»، إشارة إلى أن والده أسود من كينيا ووالدته أميركية بيضاء.

وقالت صحيفة «واشنطن بوست»: «قبل سنتين، خلال الحملة الانتخابية، قال أوباما إن على الأميركيين مواجهة المشكلة العنصرية لأنها حقيقية. ثم صمت بعد أن صار رئيسا». وأمس أعلنت مؤسسة «راسموسين» للاستفتاءات أن شعبية أوباما انخفضت إلى 26 في المائة.

ويأتي اعتذار أوباما لشيرود في الذكرى الأولى لمؤتمر صحافي أثار فيه الرئيس خلافا له دوافع عنصرية لأول مرة خلال ولايته الرئاسية، عندما قال إن شرطة كامبريدج بولاية ماساتشوستس «تصرفت بغباء» بإلقاء القبض على صديقه هنري لويس غيتس، وهو أستاذ جامعي أميركي من أصول أفريقية في جامعة هارفارد ومن العلماء البارزين في أميركا. ودفعت عاصفة من الانتقادات إلى عقد لقاء تبادل حضره غيتس والضابط الذي ألقى القبض مع أوباما ونائب الرئيس جوزيف بايدن.

وأقر مسؤولون بأن أحد الأسباب الذي دفعت البيت الأبيض إلى الابتعاد عن الجدل ذي الصلة بشيرود عندما أثيرت القضية لأول مرة بعد أن نشر المدوّن أندرو بريتبار مقطع الفيديو المضلل، يرجع إلى أن البيت الأبيض لم يكن يرغب في إثارة موجة أخرى من الاتهامات بالعنصرية ضد الإدارة من جانب وسائل إعلام محافظة.

وكما أشار أوباما نفسه في الكثير من المواقف، فإنه من السذاجة أن يتخيل أحد أن انتخاب أول رئيس أميركي من أصول أفريقية يكفي لجعل البلاد فردوس الانسجام العرقي.

وقال أوباما في مقابلة مع برنامج «أميركا.. صباح الخير» الذي تبثه «إيه بي سي» يوم الثلاثاء: «إذا كان ثمة درس نستخلصه من هذه المرحلة، فإنه بدلا من القفز إلى النتائج وتوجيه أصابع الاتهام بعضنا إلى بعض، علينا النظر إلى الداخل ومحاولة فهم ما يوجد في القلوب، وبهذه الطريقة أعتقد أننا سنستمر في تحقيق التقدم».

وعلى الرغم من أنه من النادر أن يقوم أوباما بتناول قضية العرق صراحة، يؤكد مستشارو أوباما على أنه لم يفشل في الوفاء بتعهداته قطعها في فيلادلفيا خلال خطابه قبل عامين.

وقال روبرت غيبس، السكرتير الصحافي للبيت الأبيض: «انظر إلى قضية مثل قضية التعليم»، حيث دشنت الإدارة مبادرة من أجل إعطاء مكافآت إلى الولايات التي ترفع من المعايير الخاصة بها. وأضاف: «يتحدث الكثير من قيادات الحقوق المدنية عن التعليم كقضية حقوق مدنية».

ويقول الكثير من حلفاء أوباما حسب تقرير لـ«واشنطن بوست» إن أمامه الكثير من القضايا، حيث يواجه ركودا اقتصاديا في الداخل وحربين في الخارج، ولذا لا توجد أمامه مساحة باقية للقيام بأشياء أخرى كثيرة في الوقت الحالي. ويقولون إنه سيكون من الصعب بالنسبة إليه الدفع إلى إجراء حوار بشأن العرق في الوقت الذي يجد نفسه طرفا في بعض الحالات.

وتقول دونا برازيل، وهي أميركية من أصول أفريقية وواضعة استراتيجية داخل الحزب الديمقراطي: «لا يمكن أن يحدث هذا الحوار في وقت تكون في البيئة السياسية ملوثة بدرجة كبيرة. ويرتبط جزء من هذا الحوار بحقيقة أنه منذ انتخابه ضاعف المعارضين له من جهودهم لإثبات بصورة ما أنه غير أميركي بهدف التشكيك في شرعيته».

ويقول زعيم الأغلبية في مجلس النواب جيمس كليبرن (الديمقراطي عن ولاية ساوث كارولينا)، وهو الأميركي الأفريقي الأبرز داخل الكونغرس: «في الواقع أعتقد أن فجوة في التطبيق داخل هذه الإدارة يتمثل في قلة التنوع داخل المستويات العليا. ولذا أعتقد أن هذه التجارب في حاجة إلى الاستفادة منها في أعلى مستويات الحكومة».