باريس «قلقة» على حياة رهينتها بعد فشل الهجوم ضد «قاعدة المغرب»

واشنطن: لم نشارك في العملية.. لكن تبادلنا المعلومات مع فرنسا وموريتانيا

TT

بقي الغموض أمس سيد الموقف بخصوص عمليات الجيش الموريتاني في شمال مالي، التي استمرت طيلة يوم أمس. غير أن مصدرا عسكريا فرنسيا في وزارة الدفاع أعلن عصرا أن «العمليات انتهت»، وأن القوات الموريتانية بصدد العودة إلى قواعدها لكن من غير الرهينة الفرنسية ميشال جيرمانو الموجود في أيدي إحدى مجموعات «القاعدة» في بلاد المغرب الإسلامي منذ 19 أبريل (نيسان) الماضي.

واعترفت وزارة الدفاع الفرنسية بأنها لا تملك أي دليل على بقاء جيرمانو قيد الحياة، مما يزيد من «قلق» باريس التي تتخوف من أن يكون مصيره كمصير الرهينة البريطاني ألذي أعدمته مجموعة عبد الحميد أبو زيد المسماة مجموعة طارق بن زياد، وهي التي تقبض على المتقاعد الفرنسي البالغ من العمر 78 عاما. وكانت «القاعدة» أمهلت فرنسا مدة أسبوعين، تنتهي في السادس والعشرين من الشهر الحالي، ليتم إطلاق مجموعة من أفراد «القاعدة» المحتجزين في بلدان أفريقية مقابل الإفراج عن جيرمانو. وتتخوف باريس من رد فعل «القاعدة» على العملية العسكرية الفاشلة، أقله في هدفها المعلن وهو تحرير جيرمانو.

وبدا هناك نوع من التضارب بين ما تقوله باريس وما تؤكده نواكشوط. ففيما شددت مصادر وزارة الدفاع الفرنسية أمس على أن «هدف» العمليات العسكرية تحرير الرهينة الفرنسي، أفاد الجانب الموريتاني بأن عمليات قواته المسلحة هي «محاربة الإرهابيين» من غير الإشارة إلى الرهينة الفرنسي.

ومن الجانب الفرنسي، سارعت أوساط وزارة الدفاع أمس إلى التأكيد أنها «لم تشارك» أمس في العمليات العسكرية شمال مالي التي قامت بها القوات الموريتانية على بعد 200 كلم داخل الأراضي المالية، حاصرة تدخلها في عملية صباح الخميس على إحدى القواعد الإرهابية في مكان ما قربا من الحدود المالية. وقالت موريتانيا إن العملية أسفرت عن مقتل ستة من «القاعدة» وجرح آخرين وفرار أربعة منهم. ولم تتحدث المعلومات الرسمية عن خسائر لا من الجانب الفرنسي ولا الموريتاني. واكتفت المصادر الفرنسية بالقول إن نحو عشرين عسكريا فرنسيا شاركوا في العملية الأولى. وكانت وزارة الدفاع وصفت في بيان لها أول من أمس الدعم الفرنسي بأنه كان «لوجيستيا وفنيا».

وأفادت مصادر عسكرية واسعة الاطلاع في باريس بأن وحدة خاصة فرنسية شاركت في عملية الخميس، كما أن فرنسا قدمت مساهمة على صعيد الاستعلام والرصد بفضل وسائلها التكنولوجية.

وفي واشنطن، قال المتحدث باسم الخارجية الأميركية فيليب كراولي إن الولايات المتحدة لم تشارك في العملية التي جرت الخميس، لكنها تبادلت المعلومات الاستخبارية مع فرنسا وموريتانيا. وأوضح كراولي أن تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي يشكل «تهديدا للمنطقة بشكل رئيسي». وأضاف «رأينا مع مرور الزمن أن التهديد استهدف بعض الدول الأوروبية. بالتأكيد هذا التهديد قد يطال الولايات المتحدة أيضا». وتابع: «تبادلنا معلومات في إطار التعاون الأمني والاستخباراتي مع هاتين الدولتين لأننا نرى فيه (التنظيم) تهديدا مشتركا».

وفي الجزائر، قال مصدر مطلع على شؤون الأمن في الساحل إن المسلحين الستة الذين قتلتهم قوات الأمن الموريتانية أول من أمس، عناصر من عصابة تهريب السلاح لمصلحة «القاعدة».

ومع اقتراب مهلة 27 من الشهر الحالي، سيترقب المتتبعون فصول حادثة خطف «القاعدة» للرهينة الفرنسي جيرمانو، وما إذا كان التنظيم المسلح سيطلق سراحه أم يعلن عن قتله. ورأى متابعون للملف أنه في الحالة الأولى سيكون الخاطفون قد حققوا مطالبهم المتمثلة في الإفراج عن رفاق لهم محتجزين في موريتانيا ومالي، بينما في الثانية سيلقى جيرمانو مصير البريطاني إيدوين داير الذي أعدمه زعيم الخاطفين حمادو عبيد المدعو «أبو زيد»، في صيف 2008، بسبب رفض الحكومة البريطانية التفاوض حول مطالب الإرهابيين. ورجح مصدر جزائري يشتغل على ملف الإرهاب في الساحل الأفريقي، إذعان الفرنسيين لشروط الخاطفين في نهاية المطاف على أساس أنهم سبق أن قدموا تنازلا في حادثة اختطاف الرعية الفرنسي بيير كامات، الذي أفرج عنه الخاطفون في نهاية فبراير (شباط) الماضي بعد ثلاثة أشهر من الاحتجاز في صحراء مالي. وفي مقابل ذلك أطلقت باماكو سراح 4 إسلاميين، اثنين من الجزائر وموريتاني وبوركيني. وكان الإفراج عنهم أثار حفيظة الجزائر وموريتانيا اللتين اتهمتا حكومة الرئيس أمادو توماني توري بـ«التواطؤ مع الإرهاب». ومارست فرنسا ضغوطا حادة على مالي لدفعها إلى إطلاق سراح الجهاديين الأربعة المطلوبين من طرف بلدانهم.

وقال المصدر الجزائري الذي فضل عدم نشر اسمه لـ«الشرق الأوسط»: «لدينا معطيات تفيد بأن التنظيم الإرهابي يطالب بالإفراج عن 10 من عناصره معتقلين في موريتانيا ومالي، بعضهم تمت إدانته بتهمة الإرهاب والبقية ما زالوا على ذمة التحقيق في قضايا تتعلق بخطف الرعايا الأجانب في الساحل». وأفاد المصدر بأن المسلحين الستة الذين قتلهم الجيش الموريتاني أول من أمس، ينتمون لعصابة مهربين تعمل لحساب جماعة «أبو زيد». ونفى (حسب المعلومات التي حصلنا عليها) أن يكون الجيش الموريتاني قتل أعضاء في «القاعدة».

وكان التنظيم ذكر في بيان نشره على الإنترنت في يونيو (حزيران) الماضي أن فرنسا «تبدي لا مبالاة بحياة مواطنها (جيرمانو)، معللة ذلك بكون هذا الرجل غير مهم لديها وغير ذي قيمة كبيرة»، في إشارة إلى خطاب تلقاه الخاطفون من وسيط يسعى لإنقاذ حياة الرهينة. وقال القائد العام للتنظيم عبد المالك دروكدال في بيان آخر متحدثا إلى الرئيس نيكولا ساركوزي «أنا المسؤول الأول والأخير عن حياة مواطنكم، وإننا لنحرص كل الحرص على فك أسرانا المغيبين ظلما وعدوانا في سجون عملائكم، فإن أردتم سلامة المختطف فما عليكم إلا المسارعة إلى تلبية المطلب المشروع للمجاهدين، وقد أعذر من أنذر».