القمة الأفريقية تنطلق في كمبالا بغياب مبارك والقذافي وشكوك حول مشاركة البشير

مشروع قرار للاتحاد الأفريقي ينصح الأعضاء بعدم اعتقال البشير وحكومة الجنوب تشارك بوفد منفصل برئاسة باقان أموم

TT

وسط إجراءات أمنية مشددة ومخاوف من معاودة حركة الشباب المجاهدين الصومالية المتشددة تنفيذ هجمات انتحارية جديدة، تنطلق اليوم في العاصمة الأوغندية كمبالا وعلى مدى يومين أعمال الدورة الخامسة عشرة لقمة رؤساء دول وحكومات الاتحاد الأفريقي، تحت عنوان «صحة الأم والرضيع والطفل والتنمية في أفريقيا».

وتزينت كمبالا بالأعلام الوطنية تأهبا لاستقبال القمة، فيما يشهد مطار عنتيبي الدولي الواقع على بعد حوالي ثلاثين كيلومترا عن وسط المدينة منذ عدة أيام تدفقا كبيرا للوفود المشاركة.

ورصدت مصادر عربية وأفريقية في كمبالا أمس لـ«الشرق الأوسط» وجود صعوبات جمة تؤثر على أعمال هذه القمة لعل أبسطها عدم توافر الأماكن الكافية لإقامة الوفود بعدما امتلأت فنادق كمبالا وضواحيها، مما دفع البعض إلى استئجار منازل أو شقق للإقامة فيها. وبينما لا تزال السلطات الأوغندية تتخوف من إقدام حركة الشباب الصومالية على تنفيذ هجمات انتحارية على غرار الهجومين المزدوجين اللذين وقعا في وقت سابق من الشهر الحالي، وأسفرا عن مصرع وإصابة نحو 140 شخصا، فقد أمر الرئيس الأوغندي يوري موسيفيني بتشديد كافة الإجراءات الأمنية المتبعة ومضاعفتها لضمان مرور القمة بسلام.

وجرى تعزيز الإجراءات الأمنية في الفنادق ومركز المؤتمرات حيث بات على جميع الزوار الخضوع باستثناء رؤساء الوفود المشاركة في القمة للتفتيش والمرور عبر كاشف للأدوات المعدنية والأجسام الصلبة.

لكن المخاوف الأمنية مع ذلك ما زالت تهيمن على أجواء القمة التي قد يغيب عنها عدد من الرؤساء العرب ومن بينهم الرئيس المصري حسنى مبارك والزعيم الليبي العقيد معمر القذافي، فيما تحوم الشكوك حول مشاركة الرئيس السوداني عمر البشير. فيما قالت مصادر في الخرطوم إن حكومة جنوب السودان ستشارك بوفد رسمي منفصل يقوده وزير السلام والأمين العام للحركة الشعبية باقان أموم.

ووصل الرئيس الجنوب أفريقي جاكوب والرئيس النيجيري غودلوك جوناثان ورئيس وزراء ليسوتو باكاليثا موسيسليبي والرئيس السنغالي عبد الله واد ونظيره الزامبي روبيا باندا للمشاركة في القمة، إلى جانب عدد من الضيوف الآخرين الذين تمت دعوتهم لأول مرة ومن بينهم ممثلون كبار للرئيس الأميركي باراك أوباما.

وتتعرض قمة كمبالا لضغوط لاتخاذ خطوات حاسمة في مكافحة الإرهاب في الصومال بعد الهجمات المدمرة في كمبالا.

وكان مسؤولو الاتحاد الأفريقي قد أكدوا مؤخرا أن نحو 20 قائدا أفريقيا أكدوا مشاركتهم في القمة، لكن مسؤولي وزارة الخارجية الأوغندية يقولون إن عدد القادة الذين يشاركون في القمة سيبلغ 38 زعيما. وتراكمت الضغوط على القادة الأفارقة منذ وقت سابق لبحث عدد من القضايا المهمة من بينها تبني التزامات جديدة للتعامل مع ارتفاع حالات وفيات الأمهات، بيد أن حضور الرئيس السوداني عمر البشير من شأنه أن يخطف الأضواء من كل المشاركين في القمة، حيث من المتوقع أن يراجع القادة الأفارقة موقفهم حول مذكرة اعتقال البشير بتهمة الإبادة على خلفية الضغوط المتزايدة عليهم للتعاون مع المحكمة الجنائية الدولية. لكن مصادر سودانية قالت في المقابل لـ«الشرق الأوسط» إن قمة كمبالا على الأرجح ستؤيد مواقف وقرارات القمم الأفريقية السابقة في هذا الإطار.

وكان مسؤول أوغندي قد حذر من مشاركة البشير وهدد بالقبض عليه، لكن كمبالا صححت موقفها رسميا، وبعثت بوزير خارجيتها للخرطوم وقدم الدعوة للبشير للمشاركة في القمة. وأكد التزام بلاده بمواقف الاتحاد الأفريقي التي ترفض مثول البشير أمام محكمة الجنايات الدولية. وكان البشير قد عاد قبل يومين من العاصمة التشادية أنجمينا بعد مشاركته في تجمع الساحل والصحراء في تحد لقرار المحكمة الجنائية رغم ضغوط غربية على الرئيس إدريس ديبي تطالب باعتقال البشير ووجود مكتب للمحكمة الدولية في أنجمينا، وحرص البشير على السفر بواقع مرة في الشهر إلى دول عربية وأفريقية تربطه بها علاقات قوية لكن لم تكن أوغندا من ضمنها. وقالت مصادر دبلوماسية في الخرطوم لـ«الشرق الأوسط» إن الحكومة السودانية سوف تشارك في القمة لكن لم يحدد حتى الآن إن كان البشير سوف يسافر، أم يسافر بديل له، إلا أن مصادر دبلوماسية أفريقية نافذة رجحت عدم مشاركة البشير في القمة الأفريقية، في كمبالا نهاية الشهر الحالي في وقت لم تكشف فيه الخرطوم عن رئيس وفدها للقمة. وقال رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي جان بينغ في تصريحات صحافية إن موقف الاتحاد الأفريقي واضح بشأن المحكمة الجنائية ولا لبس فيه. وردا على سؤال حول دور الاتحاد الأفريقي فيما يتعلق بقضية الاستفتاء لشعب جنوب السودان على حق تقرير المصير قال بينغ إن «الاتحاد الأفريقي، يحترم خيار شعب الجنوب أيا كان سواء التصويت لصالح الوحدة أو الانفصال»، وأضاف: «نحن ملتزمون باحترام خيار أهل الجنوب». لكن اللافت مشاركة حكومة جنوب السودان بوفد منفصل وسارعت حكومة الإقليم بتسمية وفد رفيع المستوى من جنوب السودان، يترأسه وزير وزارة السلام والأمين العام للحركة الشعبية لتحرير السودان باقان أموم الذي يعتزم الدخول في مشاورات ولقاءات مكثفة مع وفود الدول الأفريقية المشاركة في القمة لتوضيح وجهة نظر الحركة الشعبية لتحرير السودان، بشأن الاستفتاء المقبل لحق تقرير المصير المقرر عقده في يناير (كانون الثاني) المقبل في جنوب السودان. ويعتزم الاتحاد الأفريقي أن ينصح الدول الأعضاء ألا تعتقل الرئيس السوداني عمر حسن البشير، على الرغم من أمر الاعتقال بحقه الذي أصدرته المحكمة الجنائية الدولية، وذلك حسب ما ورد في مشروع قرار للاتحاد. ويقول مشروع القرار حسب «رويترز»: «يكرر الاتحاد الأفريقي قراره بألا تتعاون الدول الأعضاء في الاتحاد مع المحكمة الجنائية الدولية في اعتقال الرئيس البشير وتسليمه».

وأعلن جون بينغ أنه يتوقع أن يتبنى وزراء الخارجية الأفارقة المجتمعون في كمبالا الإعداد لقمة الاتحاد الأفريقي إعلانا حول ما إذا كان يتوجب على الدول الأفريقية الـ30 الموقعة على قانون روما «القانون الدولي المنشئ للمحكمة الجنائية الدولية» التعاون حول مذكرة الاعتقال ضد البشير المطلوب بزعم ارتكابه جرائم إبادة وجرائم ضد الإنسانية.

يشار إلى أن القادة الأفارقة قد قرروا في القمة التي عقدت في مدينة سرت الليبية العام الماضي عدم التعاون مع المحكمة الجنائية الدولية حول القضية حتى تحقيق تقدم في عملية السلام في دارفور غرب السودان. وأكد بينغ أن «مدعي المحكمة الجنائية يعمل كشخص مستقل ولكن بالنسبة لي فإن سلطة القادة الأفارقة فوق سلطتي وإنني ملزم بقرارهم».

وأوضح أن من بين الخيارات التي تجري مناقشتها إمكانية السماح لمحاكم أفريقية للتعامل مع قضايا جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية في أفريقيا. ولفت بينغ الذي اتهم مدعي المحكمة الجنائية الدولية لويس مورينو أوكامبو بالعمل من جانب واحد حول قضية دارفور ومذكرة اعتقال البشير، إلى أن القرار بعدم التعاون مع المحكمة الجنائية الدولية الذي اتخذه القادة الأفارقة سيبقى ساريا حتى يتفقوا على سحبه. وانتقد رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي أوكامبو لقراراته الأحادية، وأوضح «يبدو أنهم في المحكمة الجنائية الدولية حريصون على مهاجمة أفريقيا». وكان ملف مذكرة الاعتقال ضد الرئيس البشير قد هيمن على المحادثات في اجتماع سبق قمة الاتحاد الأفريقي التي تجيء بعد عدة أسابيع من استضافة أوغندا لمؤتمر مراجعة المحكمة الجنائية الدولية الذي وضع الدول الأفريقية الموقعة على قانون روما تحت دائرة الضوء. وأجبرت بعض الدول الموقعة على القانون في أفريقيا ومن ضمنها جنوب أفريقيا وأوغندا القمة على تبني نظرة أخرى للقضية. لكن الهدف الأساسي غير المعلن من القمة وهو التسريع بإنشاء الولايات المتحدة الأفريقية وهي الفكرة التي يوليها الزعيم الليبي العقيد معمر القذافي، الرئيس السابق للاتحاد الأفريقي جل اهتمامه، ما زالت بعيدة المنال.